ليلة النتائج وما بعدها لأن الحملة الانتخابية دامت ثلاثة عشر يوما فقد قررت أن أنهي هذه اليوميات رغم أنه لا يزال في الجعبة الشيء الكثير. كما أنني لاأريد أن أثقل على القراء خاصة وأن الانتخابات قد أصبحت هذه الأيام حدثا تاريخيا، وأن انشغال قراء الجريدة والمواطنين عامة هذه الأيام منصب على تتبع تطورات قضية تشكيل الحكومة والموقع الذي سيأخذه حزب العدالة والتنمية. كانت ليلة النتائج الجزئية ليلة بيضاء. لم تكن بيضاء بالنسبة لنا فقط بل كانت كذلك بالنسبة لشريحة عريضة من المواطنين ولمناضلي الحزب ومتعاطفيه. كانت إدارة الحملة قد أرست غرفة "عمليات" لاستقبال النتائج ونقصد بها قاعة خاصة بمقر الحزب الذي يوجد في حي >بلاد بن عدي< ببني ملال، بها حاسوب قد جهز ببرنامج لمعالجة النتائج الجزئية أولا بأول. وكان البرنامج يعطي تباعا ترتيب المرشحين واللوائح التي تجاوزت العتبة، وتلك التي لم تصل إلى تلك العتبة بشكل تكون عندنا النتائج الكاملة مع وصول آخر محضر من محاضر المكاتب الفرعية. بدأت المحاضر تصل تباعا وخاصة محاضر جماعة بني ملالالمدينة حيث كان تقدمنا واضحا منذ البداية على جميع اللوائح. ورغم بعض الاستثناءات خاصة في الجانب السفلي من المدينة، الذي يوجد على الضفة الأخرى من طريق الخمسين، وحيث يوجد حيا "المسيرة" و"بوشرييط" حيث كان مرشح "لائحة الأسد" منافسا قويا باعتبار "الخدمات" التي كان قد قدمها للمواطنين آنذاك عندما كان رئيسا للمجلس البلدي، ومن تلك الخدمات السماح للمواطنين بالبناء دون رخصة. وباستثناء بعض المكاتب التي كان يسبقنا فيها مرشح الاتحاد الاشتراكي، فإن النتائج في الغالبية الغالبة من المكاتب داخل المدينة كانت لصالحنا. ومع استمرار ورود النتائج بدأ الفرق بيننا وبين المطارد المباشر لنا يتسع شيئا فشيئا. كان الحذر رغم ذلك هو سيد الموقف عندنا خاصة وأن كثيرا من محاضر المكاتب التي تقع في المجال القروي لم تصلنا، لكن كانت نتائجنا رغم ذلك في الوسط القروي متقدمة، إلا أنه من حين لآخر كانت تنزل بعض المحاضر التي يحقق فيها هذا المرشح أو ذاك نتائج لا تخضع لمنطق توزيع الأصوات الذي يفرضه الاقتراع اللائحي وكثرة اللوائح المتنافسة، ولا تتناسب إطلاقا مع المراتب المتأخرة التي كان يحتلها في مكاتب المدينة ، لذلك بقيت أيدينا على قلوبنا إلى آخر لحظة. ومع طلوع الفجر كان الفرق بيننا وبين المطارد الثاني، الذي ظل هو مرشح لائحة الأسد، يتجاوز ثلاثة ألف صوت وكنا قد حصلنا على أكثر من ثمانين في المائة من المحاضر. بينما كان الفارق بين مرشح لائحة الأسد ولائحة "الوردة" قد وصل أحيانا إلى ألف صوت، ورغم أن النتيجة كانت قد اتجهت نحو الحسم النهائي لفائدة لائحة "المصباح" إلا أننا كنا رغم ذلك حذرين، فقد انقلبت النتيجة في اقتراع 7991 لغير صالحنا في آخر لحظة حينما نزلت محاضر بعض المكاتب التي طالتها يد الفساد والتزوير الانتخابيين، وهو نفس الأمر الذي حصل بالنسبة للائحة الأسد ولائحة الوردة، اللتين بدأتا في التراجع مع توارد محاضر مكاتب الجماعات القروية. كان هاتف الشخصي وهاتف مقر الحزب لا يتوقف إذا كان المناضلون والمتعاطفون يتصلون في كل لحظة من الليل للحصول على آخر النتائج كانت الإدارة المركزية للحملة تتصل بنا أنها من حين لآخر لمعرفة آخر النتائج كما كانت تطلعنا على نتائج الحزب خاصة بالنسبة للدوائر التي حسمت فيها النتائج لفائدة العدالة والتنمية وكان من بين أول النتائج التي توصلنا بها فوز الأخت فاطمة بن لحسن في طنجة وكانت على رأس اللائحة ونفس الشيء بالنسبة لفوز أغلب الأخوة البرلمانيين، كما كانت التوقعات تسير في اتجاه أنه في كثير من الدوائر قد نحصل على المقعد الثاني. وبعد صلاة الفجر في جماعة كبيرة من المناضلين الذين قضوا معنا ليلة بيضاء نصحني الإخوة في إدارة الحملة الانتخابية بالذهاب لأخذ قسط من الراحة خاصة وأن اليوم الموالي في حالة تأكد النتيجة سيكون يوما لا يقل تكاليفا عن يوم الاقتراع، لكني أصررت علي المواصلة تحسبا لأية مفاجأة بما تتطلبه من اتخاذ للقرار المناسب في الوقت المناسب. استسلمت في نهاية المطاف لنصيحة الإخوة في الإدارة الانتخابية على أساس الاتصال بي في حالة الضرورة القصوى. كانت الساعة تتجاوز السادسة صباحا فأخلدت إلى الراحة إلى حدود الساعة التاسعة صباحا. وكان أول شيء أخبرني به الأخ غازي لبرديا المرشح الثاني في لائحة "المصباح" أن أخبارا غير سارة قد وردت من الإدارة المركزية وعلى رأسها توقف إذاعة النتائج الجزئية في القناتين الأولى والثانية، ورفض تسليم المحاضر لبعض ممثلينا في بعض مكاتب التصويت ومنها محاضر مرشح الحزب في دائرة الرباط المحيط، وهو ما قاد مناضلي الحزب إلى القيام بوقفة احتجاجية أمام العمالة في وقت لاحق من نهار يوم السبت الذي تلا يوم الاقتراع. كانت هناك شكوك كبيرة لا تزال حول اللائحة الوطنية خاصة وأن الحزب مثل غيره من الأحزاب لم يتمكن من تغطية كافة مكاتب التصويت وأن نتائج مريبة كانت تصل إلى إدارة الحملة الانتخابية. يضاف إلى ذلك حجم الخروقات التي سجلها الحزب في مناطق كثيرة وقادت إدارة الحملة إلى إصدار بيان في الموضوع خلال أيام الحملة الانتخابية. تزايدت حدة الشكوك عندنا بخصوص هذا الصمت المريب عن "إذاعة النتائج الجزئية" ولذلك فقد خيم علينا خلال صباح يوم السبت جو من التشاؤم رغم أننا كنا قد حصلنا على كل المحاضر وأن كل المعطيات كانت تشير إلى أننا في دائرة بني ملال قد حققنا نصرا كاسحا. كما وصلتنا الأخبار عن تقدم كبير للحزب على المستوى الوطني وأن الحزب قد شارف الأربعين مقعدا بغض النظر عن اللائحة الوطنية التي كانت تشير التقديرات إلى أن حزبنا يتصدر نتائجها على المستوى الوطني. ولذلك كنا نعلن للمناضلين والمتعاطفين أننا فزنا بالمقعد مع بعض التحفظ ودوتهم أيضا للانتظار، لكن سرعان ما بدأ يتضح لنا أن هناك مشاكل موضوعية تعوق سير عملية الفرز حيث تأخرت بعض المكاتب الفرعية إلى الصباح قبل أن تحرر محاضرها وكان بعضها مضطرا لإعادة تحرير المحاضر لأخطاء فادحة ارتكبت فيها، كما ظلت المكاتب المركزية تشتغل إلى مساء يوم السبت، كما اشتغلت لجنة الإحصاء الإقليمية في بني ملال طيلة يوم الأحد وإلى غاية صباح يوم الإثنين قبل صياغة المحضر النهائي والإعلان عن النتائج الرسمية. وفي حدود الساعة العاشرة قررنا أن نعلن فوزنا بالمقعد بحضور عشرات من المواطنين، فخرجت بعض المظاهرات التلقائية تردد شعارات الاحتفال بالنصر. كما سلمنا للصحافيين المحليين النتائج النهائية وترتيب المرشحين وسرعان ما بدأت بعض "المكتبات" في بني ملال تنسخ تلك النتائج للمواطنين الراغبين في الاطلاع عليها. بدأت الوفود تتقاطر على مركز الحزب لتقديم التهاني، وعمت فرحة واسعة في المدينة ولكنها كانت فرحة ممزوجة ببعض المرارة والألم، إذ كان هناك استياء من "الطريقة" التي نجح بها المرشح الثاني والثالث، وعلى اعتبار أن أداءهما البرلماني و أداء المجلس البلدي الذي يرأسه أحدهما لم يكن في المستوى المطلوب حسب تقدير الرأي العام الملالي، وكنا بمعية عديد من المرشحين قد قمنا بوقفة احتجاجية أمام الباشوية يوم الاقتراع نظرا لتفاحش الخروقات ولاستشراء أساليب الإفساد الانتخابي وتسرب الورقة الفريدة لفائدة بعض المرشحين المعلومين. شرعنا منذ إعلان النتائج في القيام بجولات لتقديم الشكر للمواطنين، كان الاستقبال رائعا في كل من حي النصر وحي كسطور: استقبال بزغاريد النساء وبالشعارات التي رفعها حزب العدالة والتنمية خلال الحملة الانتخابية من قبل الشباب إلى الحد الذي كانت فيه سيارتنا تحاصر من لدن تجمع حاشد لشباب حي النصر. كان من الصعب أيضا أن نسير في الشارع إذ كانت التهاني والمصافحات لا تتوقف حينما حللنا وارتحلنا. وفي اليوم الموالي حين توجهنا لبعض الجماعات خارج المدينة لشكر المواطنين كان الاستقبال الجماهيري حارا وكان الفرح شديدا، بينما لم يفت بعض المواطنين أن يرفعوا ألسنتهم بالدعاء لكون النائب قد شرفهم بالزيارة والحضور، وكنا نؤكد لهم أن ذلك أدنى درجة من القيام بالواجب وأننا ماضون في الوفاء بعهدنا لهم بالتواصل المستمر. وخلال ذلك كله سواء في اليومين المواليين للاقتراع وفي الزيارات التي نظمناها بدد ذلك لتقديم الشكر من المواطنين، بدأت تتقاطر علينا عشرات من المطالب الخدمية كما كنا نتوقع. كنا أنا ومعي بعض الإخوة من إدارة الحملة الانتخابيةوبعض المناضلين في يوم إعلان النتائج، بعد أن غادرنا بصعوبة شباب حي النصر، قد عرجنا على عين أسردون حيث أدينا صلاة العشاء مع جماعة من المواطنين، وبعد السلام بادرني أحدهم، وكان حارسا في منتزه عين أسردون بعد تقديم التهنئة قائلا: يا سيدي الرايس: نحتاج إلى مسجد نريدك أن تبني لنا مسجدا في منتزه عين أسردون!! وفي سوق "الغديرة الحمراء" تقدمت إلى مواطنة قائلة بعد التهنئة: أريدك أن تساعدني في بناء مسكني لأنني أسكن نوالة والمجلس منعني من البناء. وف لقاء تلقائي مع مواطنة بمخبزة وسط المدينة، صاحت قائلة : نريدك أن تنظف لنا المدينة يا سي يتيم!! وفي الأيام الموالية تقاطرت عدة حالات بعضها يسأل الوساطة في التوظيف، وبعضها يطلب التدخل للحصول على تأشيرة في بعض القنصليات..وبعض يطلب ضمانة مالية من أجل بعث ولده للدراسة في الخارج...وكل حملة انتخابية وأنتم بألف خير!! محمد يتيم