شهدت سنوات السبعينات حدثا اقتصاديا هاما تمثل في أزمة الطاقة العالمية. هذه الأزمة أثرت بشكل كبير على الاقتصاد العالمي، حيث نتج عنها مشكلتين كبيرتين هما البطالة والتضخم. معدلات الفائدة عرفت ارتفاعا كبيرا في الدول الرأسمالية، كما ظهرت عدة اختلالات طبعت بنيات الاقتصاد العالمي. فكان من الضروري لجوء الدول الرأسمالية إلى: - تطبيق سياسة الحمائية للحد من البطالة؛ - ومراقبة القروض البنكية للحد من التضخم؛ وبما أن الاقتصاديات مرتبطة فيما بينها (بسبب الثورة التكنولوجية وبسبب التطور السريع لوسائل الاتصال) كان لهذه الإجراءات تأثير خطير على اقتصاديات دول العالم الثالث، حيث انخفضت أثمان المواد الأولية (نتيجة حالة الركود التي عرفتها اقتصاديات الدول الصناعية) الشيء الذي أدى إلى تدهور اقتصاديات هذه الدول مما جعل لجوءها إلى الدين الخارجي ضرورة ملحة. إن أزمة المديونية التي عرفتها العديد من دول العالم الثالث في بداية الثمانينيات أدت بالبنك الدولي وبصندوق النقد الدولي إلى سن سياسات وبرامج اقتصادية من أجل التخفيف من حدة هذه الأزمة ومن الحد من نتائجها السلبية. إنها سياسات وبرامج التقويم الهيكلي. هذه البرامج عبارة عن مجموعة إجراءات الهدف منها الرفع من الموارد المالية للدولة المدينة حتى تتمكن من أداء ما عليها من ديون. وذلك عن طريق التخفيف التدريجي من عجز الأداءات ، بالتحكم في النمو السريع للطلب الإجمالي (تخفيض الاستيراد) وبتشجيع وتطوير العرض (الرفع من الإنتاج المحلي وكذا من التصدير): * الإجراءات التي تهدف إلى النقص من الطلب: - إصلاح سياسة الأثمان والتسويق وذلك بواسطة حقيقة الأثمان ( مما سيؤدي إلى ارتفاعها) وتخفيض الإعانات العمومية للمقاولات. - التقليص من عدد العمال والموظفين مما سيؤدي إلى التقليص من المداخيل الموزعة. - إصلاح المالية العامة وذلك من أجل تحسين توازن الميزانية عن طريق الرفع من المداخيل.( وخاصة عن طريق الإصلاح الضريبي أساسا). وتقليص النفقات (وخاصة نفقات الإستثمار). وأهم إجراء في هذا الصدد، يتجلى في سياسة الخوصصة أي تخلي الدولة عن بعض القطاعات الاقتصادية لصالح القطاع الخاص. * الإجراءات التي تهدف إلى الرفع من العرض: وهي تهدف أساسا إلى تحسين الطاقة الإنتاجية والرفع من فعالية عوامل الإنتاج وإعطاء فعالية أكبر لقطاع الصادرات وتشمل: - ترشيد القطاع العام؛ - تحديث القطاع المالي والبنكي؛ - تحديث النظام الضريبي؛ -بالإضافة إلى هذه الإجراءات نذكر: - تحرير التجارة الخارجية؛ - إلغاء لائحة المواد الممنوعة من الإستيراد؛ - تخفيض معدلات الرسوم الجمركية ( من 400% سنة 1984 إلى %35 سنة 1993 إلى 25% سنة 1998)؛ - تخفيض قيمة الدرهم مقابل العملات الأخرى؛ - المرونة فيما يخص تحويل الدرهم وذلك بإلغاء رخصة مكتب الصرف؛ - إلغاء رخصة التصدير، - إلغاء احتكار الدولة فيما يخص تصدير المواد الفلاحية عن طريق مكتب التسويق والتصدير؛ - تطوير البنيات الأساسية (طرق- مطارات - موانئ...) هذه الإصلاحات أعطت الأولوية للاقتصادي على حساب الاجتماعي مما أدى إلى ظهور مجموعة من الظواهر الاجتماعية الخطيرة التي لم يكن لها وجود في السابق مثل ( الفقر- التسول- الدعارة- البطالة- الجريمة - التفكك العائلي...) كما أنها أغفلت 3 محاور أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وهي الإدارة، التربية والتكوين ومعالم مشروع يحشد طاقات الاقتصاد الوطني على المدى الطويل. 1- بخصوص الحالة الراهنة للإدارة المغربية نشير إلى وجود عدد من المعوقات المرتبطة أساسا ب: - ارتفاع عدد الموظفين في القطاع العام؛ - التسيير الروتيني العقيم وآليات غير سليمة في توزيع الموظفين على القطاعات المختلفة للإدارة(فالفلاحة مثلا في حاجة ماسة إلى أطر تقنية واقتصادية واجتماعية) كما أن مجموعة من الشوائب قد استقرت في تسيير دواليب الإدارة نذكر من بينها: - ظاهرة الرشوة؛ - مساطر مالية جامدة وعراقيل بيروقراطية في وجه المستثمرين؛ - العوائق الإجرائية والمسطرية.( أكثر من 20 وثيقة وستة أشهر على الأقل لتسلم رخصة الإشتغال)؛ - ضعف الإدارات والتنسيق على مستوى الجهاز الحكومي؛ - طغيان المركزية (الرباط) مما يخلق جمودا في عملية اتخاذ القرار الإقتصادي؛ - غياب التوافق (الإجتماعي) حول الإصلاحات؛ -طرق تسيير قديمة؛ - غياب نظام تشجيعي للأجور والترقيات؛ - نظام تعويضات مغلق وغير محفز؛ - مشاعر الإحباط؛ - نقص الكفاءات المتخصصة؛ - عدم الشفافية والتوازن في الأجور. ( الأجور ليست معيارا لقياس دخل الموظفين فهناك حوالي 125 من الإمتيازات والتعويضات تدخل في أجور الموظفين: وكأنها رشوة رسمية تقدمها الإدارة بطريقة تقديرية إلى موظفيها السامين بدون مراعاة الكفاءات الحقيقية أو الأقدمية أو قيمة الخدمات). 2- فيما يخص التربية والتعليم نسجل: - ضرورة استثمار الرأسمال البشري؛ - ضرورة إصلاح عميق لنظام التعليم والتكوين ( أي إعادة الهيكلة). وذلك عن طريق اتخاذ مجموعة من الإجراءات تتناول أهداف ومحتوى ومناهج التعليم: - تعديل منهجية وأهداف البرامج التعليمية والتكوينية؛ - بث وزرع روح التفكير والإبداع والتحليل؛ - تعميم التمدرس خصوصا في الطور الأساسي وذلك لمحو الأمية؛ - الإدماج في سوق الشغل (أي التطابق بين البرامج وبين متطلبات المقاولات)؛ - التأكيد على التكوين المهني المرتبط بالشغل؛ - تعليم المرأة وإدماجها وتمكينها من المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية؛ - تحسين وتطوير نوعية التعليم العالي ورفع فعاليته وإنتاجيته. 3- على المستوى الاقتصادي نسجل: - ضعف النمو لامتصاص السكان النشيطين المتزايدين؛ - الاعتماد الكبير على الفلاحة التي يرتبط بها عيش السكان؛ - ضعف النمو الزراعي، غياب التنويع وجمود الصادرات الصناعية؛ - غياب أو بطء التصنيع؛ - العجز المتزايد في الميزانية؛ - غياب تام لإستراتيجية تنموية واضحة في برامج الحكومات؛ - عدم فعالية القطاع العام وعدم ملاءمته للسياق الاقتصادي الجديد؛ - تأثر الاقتصاد الوطني بالظروف الطبيعية وبأحوال الطقس وبالتحولات في سوق المجموعة الأوربية؛ - ضعف مداخيل السياحة. هذا الوضع الاقتصادي نتج عنه اجتماعيا: - فقر لدى أوساط عديدة في المجتمع؛ - ارتفاع البطالة؛ - تزايد الفوارق بين الوسطين القروي والحضري؛ - انخفاض المؤشرات الإجتماعية (الصحة- التعليم- السكن اللائق...) ومن الحلول الممكنة التي إن تم تطبيقها يستطيع الاقتصاد الوطني ربح نقط إضافية لصالح ناتجه الداخلي الخام: 1- خلق مناخ ماكرو اقتصادي نظيف مبني على المنافسة الحرة. 2- التقليص من عجز الميزانية ووضع حد للقيمة المرتفعة للدرهم، ترشيد النفقات العامة عن طريق تطوير الشراكة مع القطاع الخاص في مجالات الفلاحة، التربية، البنيات التحثية والإستمرار في برنامج الخوصصة. 3- مراجعة نظام الصرف. 4- إنعاش خلق المقاولات الخاصة وكذا الحث على المنافسة من خلال قانون المنافسة والأسعار. 5- إصلاح النظام القضائي. 6- إلغاء نظام الاحتكارات. 7- التخفيف من العبء الإداري على المقاولات. 8- عقلنة عملية احتساب الضرائب والحد من العشوائية في قرارات الإدارة الجبائية وتبسيط المساطر. الدكتور: رضوان زهرو أستاذ الاقتصاد بكلية الحقوق - المحمدية