اهتز سكان مدينة اليوسفية، صباح يوم الجمعة 12 يوليوز 2002 ، على وقع جريمة هي الأولى من نوعها، إذ لم تشهدها المدينة من قبل، فقد أقدم المدعو (م. ق 42 سنة) على ذبح أمه المسنة (ع. ح 79 سنة)، وابن أخته (إ. م) البالغ من العمر ثمان سنوات. وتأتي هذه الجريمة الشنعاء لتدق ناقوس الخطر الذي يهدد كياننا الاجتماعي ويضرب في العمق مكونات حضارتنا العربية الإسلامية، المبنية على الرحمة والشفقة ولاحترام والمودة وحسن المعاملة. والمقال الذي بين أيدينا يحاول أن يقف على أسباب وملابسات هذه الجريمة النكراء... اكتشاف جريمة في يوم عظمه الله في الوقت الذي كان فيه المسلمون يستعدون لأداء صلاة الجمعة إمتثالا لقوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله...)، كانت جثتان تتعرضان للتعفن، الأولى لأم مسنة تقارب الثمانين سنة والثانية لطفل صغير يبلغ من العمر ثمان سنوات، لقد ارتكبت الجريمة في الساعات الأولى من يوم الخميس 10 يوليوز 2002 ، وبقيت طي الكتمان إلى حدود صبيحة يوم الجمعة 12 يوليوز 2002 ، عندما أصرت ابنة الضحية العجوز على الدخول إلى البيت الكائن بحي التقدم زنقة نجيب محفوظ عبر سطوح الجيران، وكانت قبل ذلك قد ترددت على البيت مرتين لتجد فقط الباب موصدا ولتعود دون أن تعثر على أمها، وكم كانت صدمة إبنة المسنة قوية عندما وجدت أمها وابن أختها جثتين هامدتين متعفنتين منخورتين بطعنات سكين دون رحمة أو شفقة، بل وممثل بهما، ومذبوحتين من الوريد إلى الوريد. وبعد أن تم إخبار مفوضية الشرطة باليوسفية انتقلت فرقة إلى عين المكان قصد معاينة الجريمة وبداية البحث عن خيوطها. وكانت الجريمة بين الخمر والخليلة.. ورث المدعو (م.ق) ، المتهم بارتكابه هذه الجريمة، مبلغ ثمانين مليون سنتيما عن أبيه، وكانت له خليلة تدعى "عزيزة"، شرعا معا في تبذيرالمبلغ المذكور بشكل مثير و سفه ملحوظ، وفي ظرف وجيز نفذ المبلغ لينطلق مسلسل البحث عن مبلغ مالي آخر لاستكمال "متعهما" ، كانت أمه المسنة (ع. ح) هي الملاذ الذي سيلتجئ إليه للحصول على المال، وفعلا اقتنى (م.ق) قنينة الخمر/ الماحية من المدعو (م.ب)، وبعد أن تجرعها، اتخذ طريقه نحو بيت أمه، ليطالبها بالمال، وعندما لم تستجب لطلبه طعنها ثلاث طعنات قاتلة، إحداها كانت في ثديها، ثم طعن ابن أخته فأرداه قتيلا، و في النهاية ذبحهما و أسرف في التمثيل بهما. وحسب مصادر مطلعة من المدينة، فإن أول ما تمت ملاحظته عند اكتشاف الجريمة هو غياب جهاز التلفاز وبعض الأقمشة الخاصة بالنساء، ومجموعة من الحلي، مما دل على أن دافع الجريمة كان هو السرقة، و قد لوحظ غياب المتهم (م.ق) أثناء اكتشاف الحادثة المثيرة، لتشير إليه أصابع الاتهام، و ليكون ذلك هو الخيط الذي سيقود الضابطة القضائية إلى اكتشاف لغز الجريمة، وبسرعة توصلت إلى العشيقة "عزيزة"، التي ستوضع بمعية هاتفها النقال رهن إشارة الشرطة بهدف القبض على المتهم خصوصا وأنها كانت آخر من رأته ليلة ارتكاب الجريمة، وبالفعل وهذا ما حصل ليلة السبت 13 يوليوز 2002 ، حيث رن هاتفها المحمول على الساعة العاشرة ليلا ليكون المتكلم هو المتهم (عشيقها) محمد، الذي أخبرها بارتكابه للجريمة ومكان تواجده بمحطة "أولاد زيان" بالدارالبيضاء، واعدا إياها بالاتصال بها يوم الأحد على الساعة العاشرة صباحا، وطلب منها تحت تأنيب ضميره أن تكتب رسالة مجهولة وتضعها في صندوق رسائل بيت أخته باليوسفية من أجل إنقاذ جثة أمه وابن اخته من التعفن. بعد هذه المكالمة تشكلت فرقة مشتركة من مصالح أمن اليوسفية وآسفي، وتوجهت، رفقة "عزيزة"، إلى مدينة الدار البيضاء، وليلة الإثنين 15 يوليوز 2002 رن هاتف "عزيزة" مرة أخرى ليخبرها المتهم أنه متواجد بمدينة وجدة، وفي الحين تم التخطيط من أجل استدراجه إلى مدينة البيضاء، وأمام ما يكنه محمد لعشيقته عزيزة من "حب"، أكد لها أنه سيمتطي أول حافلة متجهة صوب مدينة الدارالبيضاء، وتوقفت الحافلة بعد انتظار طويل، لتقف فرقة الشرطة مشدوهة لعدم وجود المتهم بداخلها! وعندما تم استفسار السائق، من خلال صورة المتهم، أخبرهم يأمراعتقاله من طرف فرقة من الدرك الملكي قرب مدينة تاوريرت بسبب تناوله للخمر. العبر والعظات إن وقوع جريمة كهذه في أمة مسلمة يجعلنا نطرح علامات استفهام كبيرة حول مستقبل مجتمعنا وحول مدى ارتباطه بالمحجة البيضاء التي أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم باتباعها: >تركتكم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك كتاب الله وسنتي<، بل وبمدى ارتباطه بحضارتنا العربية الإسلامية المبنية على الرحمة والشفقة والإخاء وحسن المعاملة. وإذا كان النص القرآني صريح عندما أوصى الناس بمعاملة الوالدين معاملة حسنة طيبة: "ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن) الآية، فإن مضامين هذه الوصية أصبحت غريبة عن مجتمعنا المغربي، ومرد ذلك إلى ضعف في الإيمان نتج عنه ضعف في التربية والتكوين، والسبب يعود إلى تقزيم دور العلماء والوعاظ والخطباء في تقوية علاقة الإنسان بربه، وحصره في نطاق معين. وإذا ما حاول أحدهم أن يقرب الناس من دينهم وبجد ويجتهد في ذلك فإن مآله وهو التوقيف والعزل والإقصاء. إن القائمين على الشأن الوطني مسؤولون كل المسؤولية، عندما يرخصون ببيع الخمر للمسلمين في بلاد الإسلام، فقد ثبت بالدليل القاطع على أن الخمر أم الجرائم، والحالة التي بين أيدينا تبرز هذه الحقيقة، ومع ذلك تصر الجهات المعنية على السماح بإقامة الخمارات وبالتالي انتهاك حرمات الله. المراسل عبد الرحمان الأشعري