جاء دين الإسلام لحماية مصالح العباد ورعايتها وتنميتها، وجعل الإنسان وهمومه وقضاياه هو محور الأحكام الشرعية ومدارها، فالإسلام دين يتميز بالشمولية والواقعية في طبيعته وعلاقتها بالإنسان والحياة، فهو ليس مجرد عبادات وقربات روحية فقط، وإنما هو جواب عملي لما يعانيه الإنسان من مشاكل اجتماعية وأزمات حضارية. ولعل ما يوضح هذا الطرح هو الضروريات الأساسية للشريعة الإسلامية التي استنبطها علماء الأصول، حيث قالوا إن الشريعة جاءت لحفظ الدين والعقل والنفس والمال والعرض والنسل، فالناظر في هذه الضروريات الخمس يرى أن اثنتين فقط منها لها علاقة بالجانب الروحي السماوي والجانب المعنوي (حفظ الدين والعقل)، والثلاثة المتبقية كلها لها علاقة بأمور مادية دنيوية تستجيب لقضايا يطرحها الناس في حياتهم اليومية، كمشكل الفقر والمرض وانتهاك الأعراض ونتائجه الوخيمة والمشاكل الاجتماعية كالطلاق والإرث وغيرها، فجاء الإسلام بحلول عملية دقيقة لهذه المشاكل على أساس العدل والرحمة والكرامة. ونرى أيضا أن الإسلام شرع فريضة الزكاة، باعتبارها عبادة مالية أساسها ومقصدها يقوم على تحقيق العدالة الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة بين أفراد المجتمع الواحد حيث يؤخذ نصيب من أموال الأغنياء ويمنح للفقراء، إضافة إلى الصدقات التطوعية والأوقاف والهبات التي يمنحها المحسنون لتلبية حاجيات الناس الفقراء والمحتاجين والمرضى..، وأرى أن تطوير الإحسان المدني يحتاج إلى الخطوات التالية: أولا ينبغي تحفيز أفراد المجتمع عموما على إخراج الزكاة بانتظام وتشجيع المحسنين إلى التطوع بالصدقات والتبرع بالوقوف لصالح مشاريع الإحسان العمومي. ثانيا يجب مأسسة هذا العمل الخيري بإحداث مؤسسة لجمع الزكاة وتنميتها وتأسيس جمعيات ذات اهتمام بالعمل الخيري الاجتماعي ودعوتها إلى تطوير ذاتها وإحداث تخصصات كالاهتمام بالأطفال المتخلى عنهم، أو محاربة داء السرطان أو كفالة الأرامل واليتامي.. ثالثا نشر الوعي داخل المجتمع بالحفاظ على قيمة التضامن والتكافل الاجتماعي التطوعي بين أفراد العائلة والحي والعمارة في مساعدة الفقراء والمحتاجين منهم وتقديم المساعدات للمرضى والعجزة وذوي الاحتياجات الخاصة انطلاقا من قول النبي صلى الله عليه وسلم:"مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"(رواه مسلم ).