لعلها المرة الأولى التي نسمع فيها عن إجتماع المراجع الأربعة الكبار في العراق منذ مجيء الاحتلال الأمريكي. وحين اجتمعوا خرج الناطق باسم أحدهم ليقول إنهم قد رأوا عدم قتال قوات الاحتلال، والسبب هو أن الوسائل السلمية لم تستنفذ بعد، وحين تستنفذ سيكون لكل حادث حديث!! حين يتحدث العرب في الشأن العراقي يخرج علينا سادة المجلس الأعلى وحزب الدعوة ومليشيات البرزاني والطالباني بمطلب ترك العراق للعراقيين، لكن أحداً من هؤلاء لا ينبس ببنت شفة حين يرى السادة المراجع الكبار يقررون مصير العراق، مع أن أربعتهم ليسو عراقيين. فالأول (السيستاني) إيراني، وكذلك حال الثاني (محمد سعيد الحكيم). أما الثالث (بشير النجفي) فهو باكستاني ويعرف ببشير الباكستاني. ويبقى الأخير (إسحق الفياض) وهو أفغاني. هكذا يمكن للمراجع الأربعة وليس بينهم عراقي واحد وجميعهم بعيدون عن عوالم السياسة أن يقرروا أن مقاومة الاحتلال لا تجوز، وأن التعويل على النوايا الطيبة للاحتلال هو العقل وهو الحكمة، وربما هو نهج أمير المؤمنين علي والإمام الحسين. وينسى هؤلاء حقيقة أن جميع التنازلات التي قدمها الاحتلال للعراقيين حتى الآن لم تأت بسبب النضال السلمي، وإنما بسبب المقاومة المسلحة للاحتلال. من المؤكد أن النفي الذي صدر عن مكتب السيستاني كان معقولاً، لكنه بكل صراحة لم يكن كافياً، إذ لا بد من بيان مشترك للمراجع الأربعة وليس لواحد فقط يوضح موقفهم مما ذكر، سيما وأن حكاية تلفيق وسائل الإعلام للتصريحات لا تبدو مقنعة، لأن أحداً لا يجرؤ على اختلاق قصة من هذا الوزن، لكننا نقدر أن ردود فعل سريعة من لدن أطراف فاعلة في الساحة الشيعية العربية وربما الإيرانية قد أدت إلى توزيع النفي المذكور. والحال أن ما نقل عن المراجع الأربعة كان مثيراً، الأمر الذي كان لا بد له من رد سريع، ليس من علماء السنة فقط، وإنما، وهذا هو الأهم، من مراجع الشيعة الكبار مثل السيد محمد حسين فضل الله وحتى من الآخرين في إيران، وكذلك من رموز الشيعة ذوي الوزن والمصداقية مثل السيد حسن نصر الله. عندما سمعنا الخبر، لم يكن منا إلا أن حمدنا الله ألف مرة على أن السنّة لا مرجعية لهم على طريقة الأخوة الشيعة، لأن مواقف من هذا النوع تثير القشعريرة في الأبدان، ولأن وصول الحال بعلماء كبار حد اتخاذ مواقف من هذا اللون هو الكارثة بعينها. من رحمة الله بنا أن الأمة لا تمنح شيكاً على بياض لأي أحد، فأي عالم مهما بلغ علمه ما يلبث أن يسقط من أعين الناس حين يتحول بوقاً لهذا الحاكم أو ذاك، فضلاً عن أن يهادن المحتلين ويأخذ مواقف تصدم وعي الجماهير. ولا خلاف بين أهل العقل والحكمة على أن بلوغ أحدهم مرتبة الاجتهاد أو المرجعية لا يحول بينه وبين السقوط السياسي وحتى الأخلاقي في بعض الأحيان، فالرسل وحدهم هم المعصومون. وإذا كان الأئمة عند إخواننا الشيعة معصومين أيضاً، فإن المراجع ليسو كذلك. دعونا نقول إن ما ورد بخصوص رأي المراجع الأربعة قد شكّل صدمة لجماهير الأمة لم تكن تصريحات مكتب السيستاني كافية لإنهائها، والسبب هو انسجامها مع الخط العام للمراجع إياهم منذ مجيء الاحتلال بما في ذلك اتفاق النجف الأخير الذي رعاه السيستاني نفسه. لذلك كله يغدو من الضروري أن يخرج من رموز الشيعة وعلمائهم، سيما المراجع الكبار من يقول العكس ويفتي بحق العراقيين في مقاومة الاحتلال ولا يكتفي بنفي القول بحرمتها أو حتى عدم وجود داع لها، مع الإشارة إلى أن هناك من يفعلون ذلك من دون تردد كما هو حال السيد جواد الخالصي والسيد أحمد البغدادي، فضلاً عن السيد مقتدى الصدر ومساعديه. ياسر الزعاترة - كاتب فلسطيني