إنها ثمانية عشر سنة مرت على تأسيس حركة التوحيد والإصلاح بالتمام والكمال، وقد كانت حافلة بالعطاء والإنجازات وبالتحديات والصعوبات، وكذا بالدروس والعبر والخلاصات. ويمكن تقسيم هذه المسيرة إلى ثلاث مراحل أساسية كبرى، وهي مرحلة التأسيس، ومرحلة إرساء التخصصات، ومرحلة الريادة في المجالات المتعددة. مرحلة التأسيس ابتدأت مع إعلان الوحدة الاندماجية المباركة بين كل من حركة الإصلاح والتجديد ورابطة المستقبل الإسلامي بعد مسيرة طويلة من الحوار والتقارب والتنسيق توجت يوم 31 غشت 1996 بتوحيد وإدماج هياكل التنظيمين الإسلاميين المذكورين في تنظيم جديد تحت إسم حركة التوحيد والإصلاح، بقيادة الأخ الدكتور أحمد الريسوني رئيس الحركة آنذاك ونائبه الأخ المهندس عبد الله بها، واعتبرت هذه المرحلة مرحلة انتقالية، لأنها بالكاد تمكنت فيها الحركة من تحقيق هدف الدمج التنظيمي، ودامت سنتين كاملتين إلى غاية سنة 1998، حيث تم تنظيم الجمع العام الوطني العادي الأول، الذي جدد انتخاب الأخ الريسوني. مرحلة بناء وإرساء التخصصات امتدت ما بين 1998 و2002، وهي المرحلة التي تميزت باستكمال الدمج التنظيمي، والانسجام التصوري، وصياغة الأوراق المرجعية الأساسية، كما تميزت من ناحية الانجاز بالسير في اتجاه تأسيس وبناء وإرساء التخصصات، ثم العمل على تجويد عملها وبروزها على الساحة. مرحلة الريادة في المجالات المتعددة، وامتدت من 2002 إلى يومنا هذا، رفعت خلالها الحركة شعار أن "تكون التخصصات رائدة في مجالها"، وبفلسفة تنظيمية تعتمد على وحدة المشروع بدل وحدة التنظيم، حيث تحولت التخصصات من مجرد جمعيات أو لجان وظيفية أو مختصة في مجال معين، لتخرج إلى المجتمع، مما فتح المجال أمام المشروع للاستفادة من الكفاءات والأطر التي يزخر بها المجتمع، فأسست شبكات وأنسجة وهيئات موازية للحركة، كما انخرط أعضاء الحركة في تأسيس وبناء هيئات شريكة وبناء شراكات إستراتيجية معها، أصبح لها فيما بعد مسارها المستقل وإنجازاتها المعتبرة والرائدة في مجالها. أما فيما يخص التحديات والصعوبات التي عملت الحركة على مواجهتها خلال هذه المسيرة، فيمكن تلخيصها في ثلاث تحديات كبرى نجحت الحركة في التعامل معها وتجاوزها بحكمة. التحدي الأول تجلى في صعوبات المرحلة الانتقالية التي بينت أن الإيمان على المستوى النظري بالوحدة والعمل الوحدوي، والحماس على المستوى العاطفي، قابله من ناحية التطبيق والتنزيل على أرض الواقع تحديات كان لابد من الكثير من الحكمة والإبداع في تعاطي القيادات معها، وقد نجحت الحركة بفضل الله ثم بفضل حكمة الأخوين الفاضلين أحمد الريسوني رئيس الحركة آنذاك وعبد الله بها نائبه خلال هذه الفترة، الذين برعا فعلا وتوفقا بحمد الله إلى جانب بقية القيادات في إيصال سفينة الحركة إلى بر الأمان. وقد كان الحسم في تجاوز هذه المرحلة بالأساس للمنهجية التي اعتمدت منذ البداية، حيث تم اعتماد مبدأ المناصفة بين التنظيمين في بناء الهيئات القيادية للتنظيم الجديد، حيث كان لهذا القرار الفضل الكبير في ضمان التسليم بشرعية ما يصدر من قرارات وأوراق عن هذه المؤسسات، بحكم حضور التجربتين السابقين فيها بشكل متساو، بالإضافة إلى الاتفاق منذ البداية على أن المرجعية العليا للكتاب والسنة وحدها فقط، والمسؤولية بالانتخاب، والقرارات بالأغلبية. التحدي الثاني الذي واجه الحركة كان سنة 2003 إثر الأحداث الإرهابية التي استهدفت مدينة الدارالبيضاء في 16 ماي، والتي بالرغم من مبادرة الحركة للتنديد بها، إلا أن بعض الجهات حاولت بكل ما تستطيع استغلالها بشكل بشع، حيث تم اختلاق قضية المسؤولية المعنوية، والسعي إلى إلصاقها بالحركة وشركائها بأي شكل من الأشكال، والمطالبة بحل الحركة وهيئاتها الشريكة، لتنتهي هذه المرحلة وهذه الهجمة، باستقالة الدكتور أحمد الريسوني من الرئاسة في نفس السنة. ولم تكن هذه المرحلة بالسهلة بتاتا، وأتذكر حين أصبحت رئيسا للحركة في هذه الظروف ومعي في المكتب التنفيذي رؤساء سبقوني مثل أحمد الريسوني وعبد الإله بنكيران ومحمد يتيم وآخرين سبقوني للمكتب التنفيذي مثل عبد الله بها وسعد الدين العثماني، أنه بالرغم من أن هناك من حاول إضعاف الحركة وإرباكها في هذه الظروف الحرجة، إلا أن هذه الحركة تمكنت بتوفيق من الله ثم بفضل الإصرار على الاستمرار بمنهجية التدبير الجماعي، من تجاوز كل تلك الهجمات والاستهدافات الخطيرة، والمرور للمرحلة التي بعدها بخطى ثابتة وقوة أكبر وحضور أكثر في ساحة العمل المجتمعي والتأثير الميداني. التحدي الثالث كان سنة 2011 حين ظهر تباين وجهات النظر في التعاطي مع الربيع الديمقراطي الذي عم المنطقة، وكان الاختلاف بالأساس في قضية الخروج إلى الشارع من عدمه، ومعلوم أن التباين ظهر بشكل واضح على مستوى قيادات شريكنا الاستراتيجي حزب العدالة والتنمية، فكان دور الحركة فاعلا وأساسيا في تجاوز هذه المرحلة حين اجتهدت وأبدعت مبادرة نداء الإصلاح الديمقراطي التي أطلقتها مع شركائها، والتي لخصت فيها موقفها الواضح والمدروس وهو المطالبة بالإصلاح بكل قوة وجرأة والمحافظة على الاستقرار بكل حزم وصرامة، وقد استطاعت الحركة وشركاؤها بحمد الله من تجاوز منطقة الحرج بكل حكمة نالت إعجاب الكثير من المتابعين في الداخل والخارج، وعبروا عنها بكل وضوح وعن رغبتهم في الاطلاع على تفاصيلها. هذه ثلاث مراحل أساسية في تاريخ حركة التوحيد والإصلاح، وثلاث محطات صعبة أو امتحانات واختبارات عملية يمكنني القول أن الحركة نجحت في اجتيازها بنجاح، ويمكنني القول بأن الحركة بلغت في سنتها الثامنة عشر مرحلة من الرشد والنضج تبعث على الفخر لكننا على وعي تام أن هذه النجاحات إنما تسرنا ولا تغرنا، ونعتبر أنفسنا دائما في بداية الطريق، وأن المشوار لا زال طويلا، شعارنا هو شعار الأنبياء والمصلحين، "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب". *الرئيس السابق للحركة ومنسق مجلس الشورى الحالي