الكراسي العلمية تقليد مغربي يعود إلى قرون مضت، وقد ارتبطت هذه الكراسي على مدار التاريخ بجامع القرويين الذي خرج الملايين من الطلبة والعلمكاء والدعاة في مختلف العلوم، ويذكر ويذكر المؤرخ الدكتور عبد الهادي التازي أن أول كرسي خصص للتدريس بجامع القرويين يرجع إلى سنة 515 للهجرة، كان يشرف عليه ابن جامع الأنصاري الجياني، كما كان أبو الحسن علي القيسي يعطي دروسا بها سنة 554 للهجرة. وتذكر بعض الروايات منذ هذا التاريخ المبكر أن طوائف من علماء الأندلس أخذوا يشدون الرحال إلى مدينة فاس ليتخصصوا في بعض العلوم. في عصر المرينيين والوطاسيين والسعديين، تم تخصيص كثير من الأوقاف لدعم الكراسي العلمية وتطويرها سيما في العهد الوطاسي والسعدي، حيث عرفت سوس في هذا العهد نجوما لوامع في الفكر والثقافة. كما لاقت الكراسي العلمية في العصر العلوي اهتماما كبيرا، وخاصة في عهد المولى الرشيد الذي كان له تعلق خاص بالعلم ورجاله، وكان يجالس العلماء ويمنحهم مكافآت خاصة زيادة على ما يأخذونه من مستفاد الأوقاف. كما كانت الكراسي العلمية في هذا العصر تشجع من قبل المحسنين من عامة الناس، ومن الشخصيات البارزة في الدولة، ومن العلماء أيضا ومن الملوك أنفسهم. وكان للمولى إسماعيل دور مهم في الوقف على الكراسي العلمية سيما بالنسبة لجامع القرويين ككرسي "ظهر خصة العين"، وكرسي "ظهر الصومعة" ولجامع الشرفاء ككرسي"القبة" وكرسي"يمين القبة" وفي مساجد مدينتي الرباط وسلا، وخاصة تلك التي توجد في الشوارع الكبرى أو داخل الدروب والسكك وحتى الزوايا كالناصرية والقادرية والتجانية ... كانت هي الأخرى تعج بالدروس العلمية وقد كان يحضرها أعداد كبيرة من الناس، وكانت المواد التي تدرس هي النحو، والفقه، والتوحيد، والمنطق، والعروض والقوافي، والرياضيات والحساب، وأصول الفقه، وعلوم الحديث، وفقه الحديث، والسيرة النبوية، والبلاغة، والتفسير، والأدب، وغيرها. وهذه الحركة العلمية لم تكن محصورة في الرباط وسلا، بل كانت عامة في مدن المغرب وعواصمه وفي طليعتها العاصمة العلمية فاس، ثم مراكش، ومدن سوس وبواديها، وتطوان، وطنجة، وتازة ... وغيرها. واشتهر كثير من علماء المغرب بكراسيهم العلمية أمثال العلامة شيخ الجماعة محمد المكي البطاوري المتوفى عام 1936 والذي كان يملي دروسه بين يدي سلطان المغرب المولى عبد الحفيظ بحضور نخبة من العلماء المغاربة، والعلامة أبو إسحاق التادلي المتوفي عام 1894 الذي ظل معتكفا لمدة تزيد على ثلاثين سنة بالمسجد الأعظم بالرباط للتدريس. ومن الأمثلةالحديثة؛ دروس التفسير التي كان يلقيها المحدث الكبير العلامة أبو شعيب الدكالي المتوفي سنة 1937م، بعد عودته إلى المغرب واستقراره بالرباط، فدرس تفسير الكتاب العزيز بتفسير الجلالين. كما ألقى دروسا في شرح أمهات الحديث وكتب السنة كالصحيحين وسنن أبي داود وجامع الترمذي وسنن ابن ماجه وسنن النسائي والشفا للقاضي عياض. كما أن الشيخ محمد المدني بن الحسني المتوفي سنة 1959م، كان يدرس صحيح البخاري بالمسجد الأعظم بالرباط بين العشاءين، كما ألقى دروسا كثيرة في شرح زاد المعاد في هدي خير العباد لابن قيم الجوزية، وعمدة الأحكام لابن دقيق العيد، وبلوغ المرام في أحاديث الأحكام للحافظ ابن حجر العسقلاني، ورياض الصالحين للإمام النووي. وفي النصف الثاني من عقد الثمانينيات قرر الملك الراحل الحسن الثاني إحياء هذا التقليد، حيث أنشئت كراس علمية بكل من مراكش وتطوان وتزنيت وتارودانت، لكن هذا المشروع توقف من جديد.