شدد عبد القادر طرفاي، عضو اللجنة التقنية لإصلاح أنظمة التقاعد، على أن ورش إصلاح أنظمة التقاعد يتطلب إصلاح شاملا أولا، لا يقتصر على إصلاح أنظمة التقاعد لوحدها، بل يشمل كل الصناديق. ويرى طرفاي في حوار ل"التجديد"، أن مقاربة الإصلاح يجب أن تكون تشاركية، مؤكدا فشل أي إصلاح لا يستحضر البعد التشاركي. طرفاي قال إنه لا يجب التهويل من موضوع مستقبل الصندوق المغربي للتقاعد، وقال "أظن أن هناك معطيات مغلوطة يتوصل بها رئيس الحكومة، هناك نوع من التهويل حول مستقبل الصندوق المغربي للتقاعد، في سنة 2004، قيل لنا إن الصندوق سيعرف بداية الأزمة في 2011، وسوف ينفذ احتياطه المالي في 2013، وهذا لم يحدث ونحن في 2014". في حواره مع جريدة "التجديد"، يستحضر طرفاي وضعية صناديق التقاعد، والمقاربة الحالية للإصلاح، ويعبر عن مواقفه من الخطة الحكومية للإصلاح، ويناقش أيضا المبادئ الأساسية للإصلاح التي خلصت إليها اللجنة التقنية والوطنية المكلفتين بملف إصلاح أنظمة التقاعد. - الحكومة المغربية مقبلة على إصلاح صناديق التقاعد، في ظل التقارير والدراسات، آخرها تقرير المجلس الأعلى للحسابات، والتي تجمع على إفلاس الصناديق في أفق سنة 2021 إذا لم يباشر الإصلاح، كيف تقيمون الوضع؟ ** الحقيقة أن رئيس الحكومة يردد باستمرار أن الحكومة عازمة على إصلاح أنظمة التقاعد، ولكن يتحدث بالخصوص عن الصندوق المغربي للتقاعد، في حين أن إشكالية التقاعد مطروحة منذ مدة، وبالضبط بدأ الحديث عن إعادة النظر في أنظمة التقاعد ومراجعة حساباتها مع بداية التسعينات، والصندوق المغربي للتقاعد والذي هو إرث عن مرحلة الحماية، أُحدث في الخمسينات، يعرف اليوم صعوبات، ولكن لفهم ما وقع يجب العودة للمعطيات التاريخية، فمنذ إحداثه، كان مؤسسة عمومية تتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال المالي، لكن الذي حدث هو أنه مع بداية الاستقلال وحتى سنة 1997، كانت دائما ميزانية الصندوق مختلطة مع الميزانية العامة للدولة، وبالتالي لا تفصل، والسبب هو أن في هذه المرحلة، كانت المعادلة الديموغرافية للصندوق، هي أن عدد النشيطين أي الموظفين أكثر بكثير من المتقاعدين، بحيث أن النسبة كانت حتى حدود 1984، 12 من النشيطين مقابل متقاعد واحد. وبالتالي كان الصندوق في مرحلة جلب المساهمات وصرف معاشات جد قليلة وجد هزيلة في نفس الوقت، ومع بداية التسعينات بدأت المراجعة، أولا طُرحت مسألة إعادة النظر في طريقة احتساب التقاعد، فحتى بداية التسعينات كان يحتسب على أساس الراتب الأساسي، الذي لا يصل إلى يومنا هذا إلى 20 بالمائة من مجموع المرتب، بمعنى أن كل الموظفين الذين أحيلوا على التقاعد قبل 1997، كانوا يحصلون على معاش البؤس والفقر المدقع، ومع الإصلاحات التي عرفها الصندوق، تم الأخذ بعين الاعتبار الراتب الأساسي والتعويضات، وبالتالي أصبح كل المرتب الأساسي يؤخذ بعين الاعتبار، بدل الراتب الأساسي فقط، وكان يمكن القيام بإصلاحات أخرى، من خلال إعادة النظر في طريقة احتساب التقاعد، لكن هذا لم يقع. بعد ذلك أعطي للصندوق صلاحياته لضمان استقلاليته كمؤسسة عمومية، وبالتالي بدأت تنجز عمليات "اكتوارية" سنوية لتقارن مداخل الصندوق ومصاريفه للتدقيق في توازناته، والذي لوحظ هو أن المعامل الديموغرافي للصندوق بدأت تظهر به اختلالات، حيث أصبح عدد المتقاعدين يرتفع، وعدد المساهمين في الصندوق يتقلص، اليوم نحن في مستوى ثلاث ناشطين مقابل متقاعد واحد، بعدما كنا 12 ناشطا مقابل متقاعد واحد. بطبيعة الحال هذا المعامل الديموغرافي المختل يؤثر على توازنات الصندوق، والمطلوب هو اتخاذ إصلاحات، علما بأن عدد المناصب لولوج الوظيفة العمومية يتقلص سنة بعد سنة، ثم هناك دخول للوظيفة في سن متقدمة، وهذا يدفع إلى إعادة النظر في قانون المعاشات وطريقة احتساب المعاش، لأن الموظف اليوم ملزم ب 21 سنة من الخدمة ليصبح له الحق في الحصول على المعاش. وبناء على المعطيات المالية التي تحتم إعادة النظر في نظام المعاشات المدنية، فإن المغرب يعرف تغطية اجتماعية جد ضعيفة، خاصة بالنسبة للمعاشات، أزيد من 80 بالمائة من المغاربة الذين يتجاوز عمرهم 60 سنة ليس لهم أي دخل، أي ليس لهم أي معاش، يعني أن فئات نشيطة بعدما تجاوز عمرها الستين لم يعد لها أي دخل، ثانيا هناك عدة فئات نشيطة لها دخل محترم ومهم هي الآن محرومة من التقاعد والتغطية الاجتماعية، ومن الخلاصات التي خلصت إليها اللجنة التقنية هي توسيع الحماية الاجتماعية، بما فيها المعاش والتغطية الاجتماعية، وهذا فيه إقرار بالعدالة الاجتماعية الحقيقية في المجتمع، ولكن أيضا هو ضمان لاستمرار وتوازن التغطية الصحية. - ما هي الإشكالية المطروحة اليوم بقوة؟ ** أعتقد أن الإشكالية المطروحة هي ضرورة توسعة الحماية الاجتماعية، وهو ما توصلت إليه اللجنة التقنية وأقرته اللجنة الوطنية، وأصبح من مبادئ الاشتغال، ومن المبادئ أيضا المتفق عليها، هي الإصلاح الشامل، أي أن يشمل كل الصناديق وليس فقط الصندوق المغربي للتقاعد، لأن الصندوق المغربي للضمان الاجتماعي فيه إجحاف في حق الأجراء، وأيضا الصندوق الجماعي فيه ظلم في حق المستخدمين، وبالتالي كان لابد من إصلاح شامل، دون الاقتصار على الإصلاحات المقياسية الثلاثة، أي أن التأثير سيكون إما على المساهمات أو سن التقاعد أو المردودية، ونسجل أن ما تم الاتفاق عليه في اللجنة الوطنية واللجنة التقنية لم يُؤخذ بعين الاعتبار لحد الآن. - في مجال الحماية الاجتماعية تؤخذ القرارات عادة من خلال المقاربة التشاركية، هناك من يرى أنها تغيب اليوم في تدبير ملف إصلاح التقاعد، ما رأيكم؟ ** المقاربة التشاركية من بين المبادئ التي تم الاتفاق عليها داخل اللجنة الوطنية، وحتى في المقاربات الدولية. منظمة العمل الدولية تبنت توصية صادقت عليها كل دول العالم بما فيها المغرب، وهي المتعلقة بالركائز الأساسية للحماية الاجتماعية، والتي تلزم الدولة بتوفير الحد الأدنى من الحماية الاجتماعية لكل مواطن، وبالخصوص الأجراء، وهذه الركائز الأساسية تتضمن التغطية الصحية والدخل اللائق سواء في فترة النشاط أو خلال فترة الإحالة على التقاعد، أي المعاش اللائق، وهو ما يكفي لسد كل حاجيات الإنسان لفترة المعاش. والمقاربة التشاركية في اعتقادي، وكما قلت لرئيس الحكومة، تعني بالضرورة العودة إلى اللجنة التقنية واللجنة الوطنية، لأن اللجنة التقنية لازالت لم تستكمل أشغالها، قمنا بعدة دراسات واطلعنا على عدة تجارب دولية، وتابعنا دراسة قام بها مكتب دراسات دولي خبير في الموضوع، وذلك لمدة سنتين، واجتمعنا مع خبراء منظمة العمل الدولية هنا في المغرب وبجنيف وطورينو، يعني عندنا تصور لكيفية إصلاح نظام المعاشات بالمغرب، وبالتالي الحكومة ملزمة بالرجوع إلى اللجنتين التقنية والوطنية، فموضوع التقاعد بطبيعة الحال، موضوع اقتصادي اجتماعي، والحكومة وإن كانت تتحمل مسؤولية تطبيق القوانين، ولكن هي الآن مشغل فيما يتعلق بالصندوق المغربي للتقاعد، وبالتالي تساهم بنفس الحصة التي يساهم بها الموظف. وشخصا أقول أنه لا يمكنها التصرف في نظام المعاشات المدنية، ولا أن تصدر قرارات منفردة، لأنها باعتبارها مشغل تساهم والموظف بالتساوي، 10 بالمائة لكل واحد منهما، وخصوص بالنسبة لهذا الموضوع، لأنه مهما كانت نجاعة القرارات المتخذة بشأنه، فإن مصيرها الفشل إذا لم تكن منبثقة عن إرادة جماعية، خاصة أننا نتحدث عن موضوع يرهن مستقبل أجيال. هذا لا يعني أننا نطلب من الحكومة رفع يدها عن هذا الملف، بل ندعو إلى أن تقوم بالإصلاحات الضرورية لكن من خلال مقاربة تشاركية، وآنذاك إن تملص أو تهرب البعض، أو أراد أن يزايد في الموضوع، سوف يظهر للعيان، ولكن يجب مواصلة المنهجية التي بدأنا الاشتغال بها منذ سنة 2004. - قلتم أن الحكومة لم تعد إلى اللجنة الوطنية واللجنة التقنية، هل لديكم تفسير لذلك؟ ** أظن أن هناك معطيات مغلوطة يتوصل بها رئيس الحكومة، وهنا أتحدث عن نوع من التهويل بشأن مستقبل الصندوق، أنا أتذكر أنه منذ بدأنا الاشتغال في 2004، قيل لنا من خلال الدراسات التي كانت متوفرة أن الصندوق المغربي للتقاعد سوف يعرف بداية الأزمة في 2011، وسوف ينفذ احتياطه المالي في 2013، وهذا لم يحدث ونحن في 2014، واليوم هناك حديث عن بداية الأزمة في 2019، ونفاذ الاحتياط في 2021، بمعنى أن هناك شيء ما حدث، حيث انتقلنا من 2011 إلى 2021، أي ربحنا 10 سنوات، أي أن هناك إجراءات يمكن القيام بها دون ما تسعى الحكومة إليه اليوم، أي الزيادة في السن والزيادة في الاقتطاعات والحد من المردودية لضمان الاستمرارية. أعتقد أن إضافة درجتين في سلم الوظيفة العمومية من بين الحلول للإعداد لإصلاح التقاعد، أي حتى إن استمر الموظف في العمل بعد الستين، سيكون هناك أمل في الترقيات وبالتالي هناك أشياء محفزة. - هل تعتقدون أن الحكومة ستنجح في المضي قدما بمقاربتها للإصلاح، أي المقاربة المقياسية التي تستحضر ثلاث سيناريوهات؟ ** لا أظن، لأن الموضوع حساس وليس من مصلحة الحكومة أن تمضي منفردة في تنزيل الإصلاح، فالموضوع حساس ويهم الأجيال. وبالتالي لا أعتقد أن الحكومة ستنجح في تنزيل إصلاح الصندوق المغربي للتقاعد بدون مراعاة الجوانب الأخرى. - أليس هناك تركيز في خلق التوازنات المالية للصناديق دون الاكتراث بالتوازنات الاجتماعية؟ ** كل المقاربات الموجودة اليوم تستحضر فقط التوازنات المالية، وليست هناك مقاربة اجتماعية، وما نطالب به نحن هو مراعاة التوازنات الاجتماعية والتوازنات المالية، لأن الذي يتحمل مسؤولية صناديق التقاعد في نهاية المطاف هي الدولة، فهي المشغل بالنسبة للصندوق المغربي للتقاعد، لأنه منذ الاستقلال وحتى سنة 1997، لم تؤد الدولة مستحقاتها كمشغل، ولم تؤد ما اقتطعته للموظفين. لا يمكن أن تأتي الدولة اليوم وتتملص من مسؤوليتها، لا يمكن بين عشية وضحاها أن تتحدث الحكومة كرقيب على الصناديق وتنسى أنها هي المشغل، وتوازن الصندوق رهين بتوازن المحرك الديموغرافي، وإن تملصت الدولة من التوظيف، وأمام تقلص عدد المناصب المالية المحدثة منذ الثمانينات خصوصا في القطاعات الاجتماعية، ستعاني الصناديق بكل تأكيد. - ما هي الخطوط الحمراء التي لا يمكن لأي إصلاح أن يتجاوزها والتي لن تقبلوها بأي وجه كان؟ ** انفراد الحكومة بالإصلاح خط أحمر، وليس في مصلحتها ولا في مصلحة النقابات، حتى لو قيل إن هناك استعجالية. ثم يكفي أن آلاف الموظفين في قطاع الصحة مثلا، وضعوا طلباتهم للإحالة على التقاعد النسبي أو قدموا استقالاتهم بمجرد بداية الحديث عن تمديد سن التقاعد، لذلك لا يمكن للدولة أن تغامر بمستقبل القطاعات الاجتماعية، وبالأخص قطاعي الصحة والتعليم.