يقول العلامة عبد الهادي التازي في عمله الموسوعي «جامع القرويين : المسجد والجامعة بمدينة فاس» ( الطبعة الأولى1972، ج1) عن حيازة جامع القرويين لأوقاف جعلتها مستقلة ماليا عن خزينة الدولة يقول: «ولما كان الناس يتخوفون أن تلتجئ القرويين في يوم من الأيام إلى مصاريف رجال الدولة، وهم ليسوا جميعا ودائما في مستوى واحد من حيث الحيطة والحذر، فقد عرف المحسنون والموسرون تلك الحقيقة وعمدوا إلى هذا المسجد يغدقون عليه من خيرِ وأنظفِ وأسلمِ ما يملكون حتى يحموا مبدأه ويحفظوا شرفه.. وغدت ميزانيتها تنافس ميزانية الدولة، بل إن الدولة استقرضت من خزينتها في كثير من الأحيان عند الأزمات الداخلية وعند ظروف الحرب، التي فرضت على البلاد، وعند بناء المرافق والجسور الحيوية في البلاد.بل وتوافرت أوقاف القرويين، فأفاضت منها على سائر مساجد فاس وسرت أوقافها الزائدة حتى المسجد الأقصى بالقدس، وحتى الحرمين الشريفين مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة وإلى كل الجماعة الإسلامية في كل جهات المعمور..وفضلت أحباس القرويين فشملت مشاريع الإحسان والبر بكل ما تشمله من نواحي إنسانية واتسعت مواد السجلات حتى شملت الوقف على»قبر مجهول». ويشير المؤرخ عبد الهادي التازي إلى أن «قاضي فاس عندما شب الحريق في وثائق حجج الوقف سنة723 ه، أمر بضم أملاك فاس كلها إلى القرويين ولم يستثن من ذلك إلا من أدلى برسم أو شهادة معادلة تثبت الملكية من قبل قباضة الحبس». وهو ما قام به أيضا السلطان أبي سعيد عثمان المريني والمولى الرشيد في أواخر دولة السعديين والمولى سليمان العلوي فيما بعد.. وذكر الأستاذ محمد المنتصر بالله الكتاني في كتابه «فاس عاصمة الأدارسة» من الصفحة47 إلى 51).مجموعة من الأوقاف منها وقف للتزويج، ووقف للدواب المرضى، ووقف الحمامات، والمرستانات، ووقف الموسيقى، وأوقاف العرائس لتجهيز العرائس الفقيرات، ووقف الأواني للخدم الذين كسروا آنية من الفخار ليأخذوا بدلها سالمة، ووقف الديون أي القرض الحسن، ووقف خاص بالطيور كوقف اللقلاق أو «بلارج»..وكانت لجامعة القرويين– كما قال الدكتور عبد الهادي التازي –روافد علمية متينة وقوية في شتى صنوف العلم تتطلب قدرات خاصة من طالب العلم.ومما يبرز بجلاء تأثير القرويين في انتشار العمران بفاس المدارس التي بنيت حول جامع القرويين وانتشرت في أنحاء المدينة خصوصا في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي على عهد دولة بني مرين. أما المساجد التي عرفت بالدراسة العلمية كامتداد للقرويين فهي : المسجد المنسوب لابن حنين، وكان يقرئ به أبو الحسن علي بن أحمد بن أبي بكر الكتاني القرطبي المعروف بابن حنين، ومسجد زقاق الماء بعدوة القرويين، وقد كان يُدَرِّسُ فيه أبو بكر بن عثمان بن مالك، من شيوخ علي بن حرزِهِم، ومسجد الحوراء الذي تصدر للتدريس به أبو بكر محمد بن محمد بن عبد اللَّه بن مغاور اللخمي الإشبيلي المتوفى سنة 503 ه، ومسجد طريانة، الذي نزل به المهدي بن تومرت مؤسس الدولة الموحدية مدة إقامته بفاس في السنين الأولى لدعوته، وجامع فاس الذي كان يلقي فيه العلم الشيخ أبو مدين، وقد ورد ذكر هذا المركز العلمي في «التشوف» لابن الزيات التادلي و»أنس الفقير» لابن قنفذ، كما جاء في التشوف في الحكاية عن أبي مدين : فقيل لي إن رأيت أن تتفرغ لدينك فعليك بمدينة فاس، فتوجهت إليها، ولزمت جامعها وتعلمت الوضوء والصلاة، وكنت أجلس إلى حلق الفقهاء والمذاكرين، فلا أثبت على شيء من كلامهم، إلى أن جلست إلى شيخ ثبت كلامه في قلبي، فسألت من هو ؟ فقيل لي : أبو الحسن ابن حرزهم.