«كانت علب السجائر في البيت تغريني بتجربة تدوقها، و في أحد الأيام شعرت وأختي التي تصغرني بسنتين بالممل، ففكرنا أن نتسلى قليلا في البيت، فكان اقتحام عالم المدخنين وجهتنا. دخلت غرفة نوم والداي وأخذت علبة السجائر الاحتياطية الخاصة بوالدتي.. فكانت البداية بالتسلية بدخان تلك السجائر.. دخان وضحك وموسيقى صاخبة..كان يوما افتتاحيا لتعاطي باقي السموم إلى أن صرت مدمنة كوكايين..».هكذا تحدتث «يسرا» فتاة في الثلاتين من عمرها إلى «التجديد» عن حكايتها مع إدمان «المخدرات»، فخلال سنة واحدة جربت تدخين السجائر، وانتقلت إلى باقي السموم صحبة صديقاتها، وأصدقائها. البحث عن السعادة تعيش «يسرا» في كنف أسرة ميسورة، والدها رجل أعمال، ووالدتها صاحبة «بوتيك» للملابس النسائية، تقضي معظم أوقاتها في «البوتيك»، و زيارة صديقاتها، والتنقل بين العغواصم الأوربية لشراء لوازم «البوتيك»، فيما تواضب «مي حليمة» على مراعاة «يسرا» وإخوتها والسهر على قضاء حوائجهم. حكت «يسرا» ل»التجديد» قصتها مع السم الأبيض، الهيروين، و كانت البداية بتناول السجائر في لحظات الروتين اليومي وفي غياب الوالدين، إلا أن المسألة تطورت إلى تناول جرعات يومية من الكوكايين ...المخدر الذي يتناوله «أولاد الدوات» كما تسميهم «يسرا». تقول «يسرا» و الأسف باد على وجهها:» كان الأمر عاديا، فجميع أصدقائي و صديقاتي كانوا يتعاطون الهيروين، كنا نبحث في تلك السموم البيضاء عن السعادة المفقودة إلا أننا غرقنا في بحر إدمان الكوكايين دون أن نصل إلى مبتغانا..كانت سعادة مزيفة تنتهي بانتهاء مفعوله».واسترسلت:»مرت سنة على هذا الحال، لا أحد انتبه إلي في البيت إلا أختي التي كانت تقتصر على تناول السجائر ك»بريستيج» فقط دون أن تدمن عليها، والتي كانت تساعدني أحيانا بمدي ببعض المال بسبب الثمن الباهض لجرعات الكوكايين، رغم أن والداي لم يبخلا علي يوما بالمال، فيما كانا شحيحان في عواطفهما التي صارت شبه ميكانيكية». جفاف عاطفي توقفت «يسرا» للحظات وبدى على محياها بعض الحزن تم استرسلت قائلة:» كنت أعاني منذ صغري من بخل والداي العاطفي و من الشح في الحنان لكن كانا يغدقان علينا بالمال، كان كل شئ متوفرا في «الفيلا» التي نسكنها، درسنا في أغلى المدارس منذ صغرنا، سافرنا إلى جميع المدن المغربية وكذا بعض المدن الأوربية... تصلنا آخر صيحات الملابس والهواتف النقالة وكان أيضا لكل منا سيارة خاصة .. لكن في نفس الوقت لكل منا عالمه الخاص..».بالرغم من كل مقومات الحياة التي كانت الأسرة توفرها ل»يسرا» وإخوتها إلا أنهم كانوا يتجرعون مرارة الإحباط حين يحتاج أحدهم لمساندة عاجلة من والديهم، فكل شئ بموعد، حتى الرغبة في البكاء في حضن الأم كان بموعد تقل «يسرا»! بالرغم من تعاطيها ل»الكوكايين» وبالرغم من السهرات الصاخبة، ونوادي الرقص إلا أن «يسرا» كانت مجتهدة في دراستها، بعد الباكالوريا سجلت في مدرسة خاصة للمهندسين، هناك تعرفت على «مراد»، شاب في مقتبل العمر، «وسيم، مجتهد، وجدي» تقول «يسرا» وقد عادت إليها ابتسامتها مموضحة :» تعرفت على «مراد» في المقهى المجاور للمؤسسة التي كنت أدرس بها، كان شبه مقيم في تلك المقهى يدرس كثيرا هناك، كان أيضا من أسرة ثرية إلا أنه كان بعيدا عن العبث واللامسؤولية..توطدت علاقتنا وقررنا الزواج نهاية السنة خاصة وأنه يشتغل في شركة والده». الزواج منقذا اغتنمت «يسرا» فرصة عيد ميلادها فدعت «مراد» إلى تلك الأمسيات الصاخبة التي تواضب هي وأصدقاؤها على تنظيمها كل ليلة جمعة، هناك سيكتشف «مراد» أن «يسرا» مبلية ب»الكوكايين»، اكتشاف لم يستصغه «مراد» في حينه فخرج من الحفل غاضبا، حاولت «يسرا» الاتصال به عدة مرات إلا أن محاولاتها باءت بالفشل.. تمكننت من لقائه يوم الاثنين غير أنه تجاهلها في البداية، بل و وبخها مخيرا إياها بين أمرين، الابتعاد عن المخدرات أو نسيان أي وعد قطعه على نفسه بالزواج منها.تقول «يسرا»:» كنت قد أحببت «مراد» -زوجي الحالي- و لم أتوقع أن يكون الاختيار بينه وبين الكوكايين صعبا جدا، لكن في نهاية المطاف، وأمام إصرار أختي التي كانت على معرفة بكل أحوالي، و»حبي» ل»مراد» إقتنعت أن أبتعد عن «الكوكايين» واشترطت أن يساعدني من لتخطي تلك المرحلة العصيبة في حياتي».بحث «مراد» عن مختص في معالجة الإدمان، وأخد «يسرا» بعد أن هددها بالانسحاب من حياتها في حال تراجعت عن خطوة العلاج، وأمام اقتناع هذه الأخيرة بضرورة الاحتفاظ بأول شخص ترى أنه قريب منها جدا، ومساند لها في محنتها قررت الإقلاع عن الكوكايين. قرار الخروج من عالم الإدمان أمر احتاج إلى عزيمة وصبر و استطاعت «يسرا» تخطي الأزمة، أقلعت عن الكوكايين وأبتعدت تدريجيا عن بعض أصدقائها، وبعد سنة و نصف تزوجت ب»مراد» وبالتدريج استطاعت الإقلاع عن التدخين أيضا..الآن تنعم بحياة هادئة بوجود صغيرتها «نهال» التي أغدقت عليها الأم التي تحررت من «البلية» بالحب وكأنها تثأر لطفولتها الحزينة، تقول «يسرا» وهي مبتسمة.