واصل العلامة الدكتور محمد عز الدين توفيق حديثه عن التزكية وأثرها على الفرد والمجتمع و بين المقصود بها ومراتبها ومقاماتها ودرجاتها وكيفية تحقيقها للإنسان في نفسه وخصائص الاستمرار في طريقها ومقدمات يحتاجها الإنسان إلى التحرر من العقبات التي قد تعترض سبيل تزكية نفسه. وذلك في محاضرة لحركة التوحيد والإصلاح نظمتها في إطار دروس سبيل الفلاح بمقرها المركزي بالرباط. في المحاضرات السابقة لدروس "سبيل الفلاح" حول «مقامات التزكية»، أوضح توفيق أن المقصود بالتزكية قائلا «التزكية هي ذلك الجهد الذي يبذله الإنسان ليرتقي بنفسه، ويصعد بها في مدارج الكمالات الإنسانية المقدرة له، ويحصل بها تزكية الذات ليحصل له الارتقاء والارتفاع»، متحدثا عن أربع مقدمات للتزكية وثمان خصائص لها. *** المقدمات المقدمة الأولى للتزكية حسب توفيق أن الإنسان بصفته إنسانا يتوفر على القابلية والاستعداد لتزكية النفس، وأن الأمر ليس شأنا مثاليا أو مرتبطا بأناس دون آخرين، فالإنسان -يؤكد المتحدث- خلق مهيأ ومستعدا لها ومعه من المواهب العقلية والقدرات الجسمية ما يعينه على ذلك. والمقدمة الثانية أن هذه التزكية لا تأتي وحدها ولا تتحقق للإنسان الكمالات من ذاتها، بل لا بد من التيقن أنها حصيلة اجتهاد ومثابرة، إضافة إلى توفيق الله الذي يأتي من بعد عملا بقوله تعالى؛ «وما توفيقي إلا بالله» المقدمة الثالثة أن البعض قد يظن أن هذه التزكية يراد بها سعادة الآخرة فقط، والحقيقة أن هذه التزكية ليست طريق السعادة للآخرة وحدها بل هي الطريق إلى سعادة الدنيا أيضا. المقدمة الرابعة هي أن الإنسان لا يمكنه الاعتماد على نفسه، فلا يمكن أن يعول على عقله وحده لمعرفة تفاصيل هذه التزكية، إذ فطرته وحدها لا تكفي كذلك، ولو كان الأمر كذلك لما بعث الله الرسل يعلمون الناس ويرشدونهم، وعليه فالتزكية -يفسر توفيق- يقودها الوحي. ** الخصائص الثمانية قدم المحاضر خصائص الاستمرار في طريق تزكية النفس من خلال ثماني موازنات هي: الموازنة بين العلم والعمل الموازنة بين العزائم والرخص الموازنة بين الخلوة والخلطة الموازنة بين الروح والبدن الموازنة بين الأمر والنهي الموازنة بين النفس والغير الموازنة بين القديم والجديد الموازنة بين النعمة والتقصير وخلص توفيق إلى أن التزكية هي طريق الأنبياء والمرسلين، وهي الطريق الذي يجب أن يسلكه كل إنسان يريد أن يحقق إنسانيته. *** الأصل البراءة قال توفيق في محاضرته الأخيرة من «مقامات التزكية» إن الإنسان يولد على فطرة نقية طاهرة، ويولد على براءة أصلية، لا يرث معها خطيئة ولا استعدادا مسبقا للخطيئة، و يؤكد المتحدث أنه يرث من أبائه وأجداده الاستعداد للخير، مبرزا أن الإنسان عنده ميل للخير أقوى من الشر، وميل إلى قبول الحق أقوى من قبول الباطل، ومساكنته لقيم العدل والرحمة أقوى من ميله إلى مساكنة قيم الخبث والظلم والفجور، وذكر توفيق أن الإنسان على استعداد للتزكية وأنها حسبه ليست مسألة نخبة محظوظة وسط أغلبية وأكثرية عاجزة، فما من إنسان يقول توفيق يخلقه الله تعالى يوم يخلقه إنسانا، إلا وعنده هذا الاستعداد، مضيفا لكن البيئة تخفي وتدس هذه الفطرة، وتقمعها وتمنعها من الظهور والانفتاح. *** السعادة الرضا وجدد عضو المكتب التنفيذي لحركة التوحيد والإصلاح التأكيد على أن الذين يظنون أن التزكية قيود وقوائم من التحليل والتحريم والإيجاب والمنع، واهمون مخطئون، مفيدا أن الإنسان لا يجد سعادته إلا إذا رضي عن نفسه، ورضي عن المبادئ التي يدين بها، ورضي عن التصرفات التي يتصرف بها، وصار بشكل عام مرتاحا للكيفية التي تمر بها أيامه وللطريقة التي ينسج بها أعماله، والإنسان يؤكد توفيق إذا أزال هذه الفكرة المغلوطة، لم تعد نفسه تتوق إلى التفصي من الأوامر والتحلل من الالتزامات والفرائض، مادام حسبه الخيط الناظم لها هو التزكية، فيتزكى بالعقيدة ويتزكى بالإيمان، وبالصلوات وبالوضوء، ويتزكى بذكر الله ويتزكى بالصوم والحج، ويتزكى بتلاوة القرآن ويتزكى باجتناب الخبائث الحسية والخبائث المعنوية، سيجد راحته وسعادته، وسوف يتمسك بالتزكية ويجعلها مشروع عمره، وينشد فيها السعادة العاجلة والآجلة على السواء، يضيف المتحدث، قائلا «هذا مهم جدا، لأنه فرق بين أن يأتي الإنسان مكرها مجبرا، أو يأتي وهو يستبطن أن هذا الأمر صعب وشاق، أو يستبطن في نفسه أنه لن يرى السعادة في الدنيا، ولكن يراهن على سعادة الآخرة، عندما يعلم الإنسان أن هناك جنة في الدنيا من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة، وان جنة الدنيا ليست سوى هذا الرضى الذي يملئ قلبه ويملأ جوارحه، وليس المسألة مسألة أموال ولا مقتنيات ولا أملاك ولا أولاد، وإنما الأمر بداخل الإنسان». *** أثر التزكية وأفاد توفيق أن للتزكية أثر على الفرد وعلى المجتمع، موضحا أن التزكية تجعل الفرد هادئ النفس، مطمئن القلب، قرير العين، بالطريق الذي يسير فيه، مضيفا أن عددا من المعاني لا يجدها الإنسان في نفسه إذا سلك غير طريق التزكية ومنها السكينة والأمن والاطمئنان، والثبات والصبر والتحمل والرضا، مبرزا أن الإنسان عندما يختار طريق التزكية، ويرى أنه يسموا بنفسه ويترقى بأخلاقه، ويهذب طباعه ويتغلب على رعوناته، ويتوب من فجراته ويعجل إلى ربه ليرضى عنه، «وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى»، سيقتنع أن هذا هو الطريق الموصل إلى جنة الدنيا، والطريق الموصل إلى سكينة النفس، والله عز وجل يقول توفيق ينزلها على من يشاء من عباده لقوله عز وجل «هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ ، وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا»، مشيرا أن الله عز وجل أيضا هو الذي يلقي الأمن أو الرعب في الإنسان لقوله تعالى «الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ»، وخلص توفيق إلى أن للتزكية أثر واضح على الفرد، بحيث يصبح حسبه مسؤولا يصير بيده ميزان، يزن به كل خاطرة تملأ قلبه، وكل لفظ ينطقه لسانه، وكل عمل تفعله جوارحه، لا يقبل إلا ما يزكيه، ولا يقبل إلا ما يطهره، ويرقى به ويرفعه. *** المجتمع والتزكية وأوضح توفيق أن للتزكية أثر على المجتمع، موضحا أن المجتمع عنصر فاعل خطير في الإعانة على التزكية أو في محاربتها، وفي دعم هذا الاختيار عندما يختاره فرد جديد، أو محاربته ومضايقته وإزعاجه والتشويش عليه، مبرزا أنه لو علم الناس في حي أو في مدينة أو في دولة، الأثر الذي يعود على المجتمع من التزكية، لتعاون عليها من يقبلها ومن يرفضها، مفسرا أن الذي يختارها سيدعمها لأنه يحب لنفسه ما يحب للآخرين، وحتى الذين لم تنشرح صدورهم حسبه لاختيار التزكية طريقا في الحياة، سيدعمونها لما يرون من أثارها على الآخرين، متسائلا ماذا يجني المجتمع وماذا يكسب عندما يزكي الأفراد أنفسهم؟ مجيبا الذي يكسبه المجتمع، أن هذا النوع من الناس عندما يكثر في المجتمع، ويصبح كل واحد منهم مشغول بتزكية نفسه، ويضرب على نفسه رقابة ذاتية لا يحتاج أن تراقبه محكمة أو شرطة أو صحافة، قائلا «هو مهموم أن يكون خيرا مما يظن الناس فيه، هو حزين إذا وقع له تعثر في هذا الرقي وهذا الصعود، لنتخيل تزايد هذا النوع وتكاثره على حساب النوع الأخر، ماذا يجني المجتمع من ذلك؟، سيجني الأمن والسكينة والهدوء، ومعه الاستقرار والتكافل والتضامن والتنافس على الخير، وتراجع الإجرام،...»، مضيفا من كان يريد الدنيا فليدعم التزكية في المجتمع، وكل من يريد الازدهار الاقتصادي والإصلاح السياسي والرفاهية والإنتاج، وكل من ينشده أهل الدنيا ويطلبونه، فعليه أن يدعم التزكية، ويمكن لها، ولا يحارب وسائلها، وأدواتها، ومن أراد الآخرة فكذلك، من أراد الآخرة فليدعم التزكية في المجتمع، لأن كثيرا من المعاصي والذنوب يقول توفيق التي يأسف للوقوع فيها إنما يعينه على تزكية نفسه ألا يكون المجتمع بمؤسساته، وبأفراده وبإعلامه وبسياساته داعما للفجور وللتدسية، ما أبعد الفرق بين أن يعيش الإنسان في مجتمع مساعد على التزكية وبين عيشه في مجتمع معاكس لها، ما أبعد الفرق بين من تتعثر بقدميه المغريات والأحابيل الشيطانية، وبين من يعيش في مجتمع يصرف عنه أكثر هذه الحبال وأكثر هذه الإغراءات. *** القانون والتزكية وشدد توفيق على أن الذي يحارب التزكية ويشوش عليها هو ضد نفسه وضد مصلحته، فضلا عن أنه ضد مجتمعه، وضد جيرانه، وضد الناس، مبرزا أن الناس كانوا يظنون أن بالقانون يمكن إصلاح المجتمع، ثم تبين حسب توفيق بالتجارب الكثيرة، وبالسنوات والعقود والقرون من التجربة الإنسانية، أن القانون وحده لا يكفي لإصلاح المجتمع، مفيدا أن الشيء المكمل للقوانين هو التزكية، قائلا «الشيء المكمل للقوانين تزكية المرء نفسه، تطهير المرء لنفسه من الرذائل والخطايا والذنوب، هذا النموذج هذه العينة هي التي تجعل القانون ثانويا، وتجعله مكملا، وتجعله يشتغل وهو مرتاح»، مشيرا إلى أن القانون عندما نكثر عليه، ونريد منه كل شيء، ونحيل عليه كل مشكلة فهو أيضا يرهق ويتعب، والتزكية حسب المتحدث هي التي تجعل القانون يشتغل بطريقة مريحة. *** القيم والاقتصاد وفسر توفيق حديث النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال لصحابته «أتدرون من المفلس قالوا المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، قال المفلس من يأتي يوم القيامة وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأكل مال هذا، فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته، وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم فطرحت عليه ثم طرح في النار»، بقوله، هذا الحديث صحبنا في أكثر من درس وإيرادنا له اليوم لأن فيه إشراقات وفيه إشارات لها علاقة بما نتكلم عنه، أثر التزكية في المجتمع. البعض حسب توفيق عندما يقرأ هذا الحديث يفهم منه أن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ أولا بسؤال أصحابه عن الإفلاس الدنيوي، وأخبروه أنهم يعلمونه، حيث يكون الإنسان غنيا ميسورا له أملاك وأموال، تم بتصرفاته وأخطائه تذهب هذه الأموال حتى لا يبقى عنده شيء، وبعد أن كان في يده أموال عظيمة إذا هو مدقع لا مال له، والى اليوم يوضح المتحدث أن الإفلاس مصطلح اقتصادي معروف، مفيدا أنه قريب من عموم الناس، عندما يكون الإنسان ذا مال ثم بتصرفاته تذهب أمواله في تسديد الديون وفي رد الحقوق، حتى لا يبقى شيء، وأحيانا يصير مدينا عندما لا تفي أمواله لحقوق الناس تقسم بحسب مال كل واحد وتبقى عليه الديون ويبقى غارقا في الديون، قائلا «نحن هنا عادة نتوقع الإكراه البدني وأنه يرمى في السجن إضافة إلى ما يقع له من الحجز على أمواله وأخذها لأصحاب الحقوق. قال توفيق في الآخرة إفلاس من نوع أخر مشابه فهو مثله، عملة الآخرة هي الحسنات، ليس هناك دولار ولا درهم ولا دينار، من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو مال فليستحله منها قبل ألا يكون درهم ولا دينار، فالعملة هناك هي الحسنات وبها يسدد الغارمون حقوق غرمائهم، وهذه الحسنات هي حصيلة جهد وتعب في الدنيا، إذن فهو إفلاس أخروي يشبه الإفلاس الدنيوي»، مشيرا إلى أن هناك علاقة بين هذا الإفلاس الأخروي والإفلاس الدنيوي، لأنه حسبه عندما يكثر في المجتمع من يضرب هذا، ويشتم هذا، ويأكل مال هذا، ولا يكون عنده وازع من نفسه، ولا يبالي أن تتلوت روحه، وأن يثقل ظهره، وليس المقصود فقط يقول توفيق، مقارنة الإفلاس الدنيوي بالإفلاس الأخروي، عندما يفهم الأول يفهم الثاني لأنه مثله، بل هناك شيء أخر يؤكد توفيق «هناك علاقة، فهذه المقارنة صحيحة، لأنه قارن بين إفلاس الدنيا وإفلاس الآخرة، ولكن الأمر الآخر الذي يدل عليه الحديث وأرجوا أن يتضح هو أن هناك علاقة بين الإفلاس في عالم القيم والإفلاس في عالم الاقتصاد»، موضحا عندما يقع الإفلاس في عالم القيم، ضرب هذا، شتم هذا، وأكل مال هذا حسبه إفلاس في القيم، وعندما تتراجع التزكية تتراجع أمام التدسية يقع إفلاس اقتصادي، لأنه عندما يشيع العدوان على الأنفس، والعدوان على الأعراض، والعدوان على الأموال، فهذا طريق للإفلاس الاقتصادي، والإفلاس الاجتماعي، هذا هو الطريق المضمون لخسارة التحديث، لخسارة التنمية، لخسارة العمران، إذن إذا أردنا أن نتقي الإفلاس الاقتصادي، فلابد أن نتقي الإفلاس الأخلاقي، يقول توفيق، مبينا أن هذا الأمر تنبأ له الكثير من العقلاء في العالم، وقالوا حتى يقوم نظام اقتصادي عالمي، لابد قبله من نظام أخلاقي عالمي، وحتى يسعد الناس في الدنيا أولا، ويصل إلى كل واحد حقه ونصيبه من ثروة بلده، وحتى ترفع المظالم ويسود العدل هذا كله له صلة بالتزكية. *** الأولوية للتزكية ولفت توفيق الانتباه إلى أنه عبثا تحاول السجون أن تؤدب وتهذب نزلائها، وعبثا تحاول الأحكام والعقوبات والغرامات ذلك، لكن كل هذا حسبه وكأنك تسحب ماء البئر بملعقة، وهو يفور ويزيد، موضحا أن النبي صلى الله عليه وسلم عندما ربط بين الإفلاس الدنيوي والإفلاس الأخروي، فهذه مقارنة من جهة يفهمهم أن إفلاس الآخرة بما يعلمون بإفلاس الدنيا، وأيضا هناك علاقة بين هذه الأخلاق السيئة وبين الإفلاس الاجتماعي والاقتصادي، مبرزا إن إقلاع المجتمع، وتحليقه في سماء التقدم والازدهار والنماء متوقف حسبه على جناحين الجناح الأول هو التزكية، والجناح الثاني هو القوانين التي تكمل وتمم مهمة التزكية، مفيدا أنه قد وقع في التاريخ الإسلامي، عندما كانت الأولوية للتربية وللتزكية، القانون أحيانا يأخذ إجازة، فيمكث القاضي في منصبه مدة، لا يتقاضى إليه أحد، ولا يترافع إليه اثنان، وذلك يفسر المتحدث لجو عام يسود الحياة الاجتماعية، ولنفس عام يعم العلاقات بين المسلمين داخل المجتمع، وصار القانون بمختلف مساطره ونصوصه يتتبع تلك الأقلية التي لا يخلوا منها مجتمع والتي تبقى دائما ممثلة لاختيار الأخر هو اختيار التدسية. *** القانون عاجز وإذا طفح الكيل يقول توفيق محذرا وحوربت التزكية في المجتمع، من خلال مؤسساته، فإننا حتى ولو أردنا أن يكون هذا القانون هو الفيصل، وهو الحكم فإنه لا يستطيع، لهذا يوضح توفيق عندما بعث الله عز وجل رسوله الكريم، لم يبدأ الدعوة بالقانون ولم ينزل الحلال والحرام ولكنه أدخل إلى الناس فكرة التزكية، بدءا من خلع رداء الجاهلية والكفر، وانتهاء بإماطة الأذى عن الطريق، فنقلهم من وحوش في صورة آدميين إلى أناس يربط أحدهم نفسه بهدف، ثم يشمر إليه، يسمع المؤمن من أمنه الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، فلما قيل لهم لا تشربوا الخمر قالوا لا نشرب الخمر، وعندما قال لهم لا تزنوا قالوا لا نزني، وعندما قيل لهم لا تقتلوا أولادكم خشية إملاق، قالوا لا نقتلهم، وعندما قيل لهم لا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، قالوا لانفعل، مضيفا أن الإنسان عندما يزكي نفسه فهو خير لنفسه ولمن حوله، وعندما يسلك طريق التدسية فهو شؤم على نفسه وعلى من حوله. ***خراب المجتمع وأشار توفيق إلى أن الإنسان إذا كان يغش ويسرق، ويأخذ الرشوة ويجحد الأمانة، ويتعامل بالربا، ويتاجر في المحرمات، لا ننتظر إذا كثر هذا النوع الذي يجمع الاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال غير خراب المجتمع وذهاب قواته، مشددا على أن الضمير قبل القانون، وخوف الله قبل خوف الناس، والمدنية لا تنهض وحدها بالمجتمع المنشود، لابد حسبه أن يكون مع المدنية الحضارة، وأن يكون مع التنمية الاقتصادية، المبادئ الإنسانية، قائلا» حديث المفلس يفتح أفاقا واسعة لفهم العلاقة بين التزكية وإصلاح المجتمع، المجتمع الذي لا يشجع على التزكية يدمر نفسه، فهو ضد مصلحته». *** المناخ والإقلاع ودعا توفيق المدرسة والتلفاز والنادي وسائر مؤسسات المجتمع، إلى توفير المناخ الذي يمكن كل فرد أن يسير في طريق التزكية بيسر، حتى يكون الفرد صالحا مصلحا لنفسه ولمن حوله، ويحقق المجتمع الإقلاع الاقتصادي والتنموي.