أنقذ أمر المحكمة العليا الصهيوني مؤخرا والقاضي بإلغاء قرار لجنة الانتخابات العامة الصهيونية بشطب قائمة التجمع الوطني العربي ورئيسها د.عزمي بشارة و د. أحمد الطيبي من التنافس في انتخابات 28/1/2003 القادمة، الكيان الصهيوني من أزمة جديدة كان يمكن أن تزيد من تصعيد حدة التوتر الى حالة اللارجعة بين هذا الكيان والمواطنين العرب الفلسطينيين. وبذلك حافظت حكومة الاحتلال على مستوى آخر ماء الوجه والشرخ الذي يميز الديمقراطية الصهيونية أمام العالم الذي بدأ يدرك حقيقتها العنصرية في مواجهة ماكينة الإعلام الصهيونية التي تضع الكيان في مصاف الدول الغربية الديمقراطية. وحسب مراقبين فلن يغير قرار المحكمة العليا من السياسات التي تتبعها حكومة الاحتلال الصهيونية تجاه العرب الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948م، بل تستهدفهم على جميع المستويات سياسيا واجتماعيا وثقافيا واقتصاديا وديمغرافيا منذ أكثر من 54 عاما عبر مخططات مرسومة أرادت جعلهم جزءا من المجتمع الصهيوني يقبل بثقافته وعنصريته ويرضى بالقليل من الميزانية العامة، في وقت تزعم دولة الكيان الصهيونية أنها دولة ديمقراطية تساوي بين جميع مواطنيها وتقبل بتنوع الآراء وتعددها. ثم جاءت انتفاضة الأقصى لتكشف المزيد من التناقضات الكامنة في سياسات الكيان الصهيوني وتضع بقوة على سلم الأولويات ما يمارس ضد العرب الفلسطينيين من قمع ثقافي وكراهية متجذرة، وعنصرية ممأسسة، فكانت هبة الأقصى التضامنية مع الانتفاضة مطلع تشرين أول 2001، حيث استغلت حكومة الاحتلال الظرف لتعزيز حملتها ضد السكان العرب. خطوات إظهار العدوان ولم تنته تلك السياسات بالمصادرات وتضييق الخناق جغرافيا على التجمعات السكانية في ال48 أو بمحاولة شطب الوجود السياسي لهم، بل تشعبت في عدة اتجاهات؛ فقلبت الانتفاضة كل سياسات الكيان الصهيوني ضد العرب الفلسطينيين من حالة "استبطان العداء" ومحاولة إخفائه الى حالة "إظهار العدوان" والهجوم العلني العدواني ليبرز الوجه الحقيقي لدولته العنصرية التي تدعي الديمقراطية؛ فخرجت في حملة لا هوادة فيها لترسيخ العنصرية والتمييز واستصدار القوانين المعادية التي أقرتها الكنيست و منها "قانون التحريض الذي " يمنع أشخاصاً أو قوائم من ترشيح أنفسهم للكنيست ممن يدعمون منظمات أطلق عليها اسم "إرهابية فلسطينية"، وتم فعلا إقرار القانون الذي بادر إليه وزير العدل في الحكومة الصهيونية "مئير شطريت" بموافقة 77 عضو كنيست مقابل معارضة 18 عضواً في محاولة لمنع تطور حالة الوعي السياسي لديهم الى فاعلية مؤثرة، وهو ما يفسر انكشاف العداء المستبطن في دوائر المؤسسة الصهيونية. ثم جاء قرار إغلاق صحيفة الحركة الإسلامية "صوت الحق والحرية" رغم أنها التي لا تمارس أية نشاطات ضد الكيان الصهيوني، بل تركز عملها في الجوانب الثقافية والاجتماعية والتربوية، ثم بع إغلاق الصحيفة التحقيق مع رئيس الحركة الإسلامية في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1948م الشيخ رائد صلاح إضافة إلى توقيف الشيخ كمال الخطيب ومنع كليهما من السفر. ثم تجاوزت حكومة الاحتلال تلك الإجراءات إلى التفكير إخراج الحركة الإسلامية ذاتها عن القانون وإغلاق مؤسساتها والهجمة. وكان آخر الإجراءات الصهيونية ضد عرب 48 الهجوم على الدكتور عزمي بشارة لمحاولة منعه من التنافس في الانتخابات عبر تصوير الإعلام الصهيوني له كمؤيد وناطق باسم حزب الله والمقاومة الفلسطينية. الوجه الحقيقي للكيان الصهيوني الخطوات السابقة وضعت أمام العالم الصورة الحقيقية لدولة تستخدم المخاوف الأمنية في محاربة أشخاص تدعي أنهم مواطنوها وتقتل إخوانهم وتفرض عليهم عقابا جماعيا وتضعهم في سجون تذكر بنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا (الارتهايد) ثم تريد منهم عدم إبداء أي شكل من التضامن والتعاطف مع المظلومين. ولم تكن حالة العداء هذه طارئة يمكن ربطها بالانتفاضة، بل ترجع الى ثقافة صهيونية توراتية ترى في الآخر "الغوييم" صنفا آخر من البشر يجوز ممارسة كل أشكال القهر والموت البطيء والسريع ضده. وخير دليل على ذلك استطلاع أجرته صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية في 10/1/2003 وأظهر أن 70% من الصهاينة يؤيد شطب التجمع وبشارة والطيبي، و43% يؤيدون طرد العرب الفلسطينيين، و75% منهم يعتبرون ان العرب الفلسطينيين يشكلون خطرا أمنيا على دولة الكيان. اليسار واليمين سواء هذه الحالة ليست حكرا على اليسار دون اليمين في الكيان الصهيوني؛ فقد قتل 13 عربيا في عهد حكومة باراك اليسارية، ولم يناد اليمين دون اليسار بالترانسفير، فقد دعا اليه الوزير السابق في حكومة باراك وشارون افرايم سنيه، وطالب بنقل العرب الفلسطينيين الى كيان فلسطيني وفصلهم عن دولة الكيان. كما جاءت إشارة حول ذلك في البند "8" من برنامج حزب العمل الانتخابي التي تنص على "تبادل مناطق يستهدف الى الحفاظ على كتل استيطانية كبرى قريبة من الخط الأخضر داخل حدود إسرائيل". ولم يقتصر التحريض ضد العرب على اليمين دون اليسار، بل أخذ زعيمه "عميرام ميتسناع" نصيبه في التحريض ضد التجمع بزعامة بشارة بقوله "دعا بشارة الى مقاومة الدولة (يقصد الكيان الصهيوني) بوسائل إرهابية "، كما صوت 70% من أعضاء حزب العمل في لجنة الانتخابات العامة الى جانب قرار شطب التجمع وبشارة والطيبي، وكان هذا الموقف مطلوبا ليحصد الأصوات الصهيونية التي قد تنقذه من الفشل في الانتخابات القادمة. وأقر الكاتب "نير برعام" في مقال نشره في صحيفة معاريف بتاريخ 5/1/2003 بتلك الحقائق العنصرية ضد الجمهور العربي حيث قال:"شطب أعضاء الكنيست العرب هو تعبير عن عنصرية الجمهور اليهودي تجاه المواطنين العرب في الدولة، هذه العنصرية التي غذاها اليمين واليسار على حد سواء طوال السنين". وتجتوزت دعوات العنصرية مررحلة السر إلى مرحلة الإعلان، وأصبحت تصدر على الملأ ليل نهار دعوات التحريض باستخدام العنف والقتل والترانسفير ضد العرب الفلسطينيين، ولأن هذه الدعوات تصدر عن صهاينة فلم تثر حولها أية ضجة إذ أن الترانسفير في ديمقراطية "اسرائيل" جائز ومقبول ويدخل في نطاق تعدد الآراء وحرية التعبير وهذا حال حزب "موليدت" بزعامة "بنى آيلون"، و"حيروت" بزعامة "ميخائيل كلاينر"، أما "المفدال" بزعامة "ايفى ايتام" فيطالب بالترانسفير الى صحراء سيناء وبات أمره مثار نقاش ومطالبات بين أعداء في العمل والليكود أكبر حزبين في الخارطة السياسية الصهيونية. هجوم إعلامي في ظل كل هذه الأجواء المسمومة التي تقود حملة متواصلة ضد العرب الفلسطينيين في وسائل الإعلام الصهيونية بتوجيه كل أشكال الاتهام إليهم وإهمال قضاياهم حيث تمتلأ الصحف بالحديث عن مشاركتهم في عمليات المقاومة الفلسطينية، وآخرها مقال زئيف في هآرتس 3/1/2003 تحت عنوان (تزايد مشاركة العرب في إسرائيل بالعمليات) حيث أسهب في تعداد الخلايا التي ساهموا في نشاطاتها دون ان يعرج على الأوضاع السيئة والصعبة لهؤلاء العرب الذين يراد منهم الإخلاص لدولة تقمعهم يوميا سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وثقافيا . تمييز في الميزانية ربما لا تكفي عشرات الأوراق عند الحديث عن القمع الصهيوني ضد العرب الفلسطينيين على جميع المستويات؛ ففي ميزانية الكيان الصهيوني لعام 2002 خصص مبلغ 2,57 مليار شيكل لتطوير البنى التحتية للإسكان. ومن ضمن ذلك كان نصيب البلدات العربية مبلغ 96.5 مليون شيكل فقط(دولار واحد =4.8شيكل)، أي 2,6% من الميزانية، رغم أنهم يشكلون 20% من مجموع سكان الكيان الصهيوني. وفي "موديعين" التي استثمر في بنيتها التحتية أكثر من 11 ألف شيكل لكل مواطن فيما وصل الاستثمار في البلدات العربية مبلغ 104 شواكل وهو أقل من 1% من الاستثمار في مدينة يهودية. وفي مجال تخصيص الأراضي للصناعة فمساحة المناطق الصناعية في السلطات المحلية اليهودية في الجليل -مثلاً- هي 77 متراً مربعاً لكل نسمة وفي البلدات العربية فإن النسبة هي 5,5 متراً مربعاً لكل نسمة. ومن الواضح أن لهذه المعطيات مغزى حاداً في كل ما يتعلق بالتشغيل وضريبة الأرونونا (المساكن) وليس غريباً أن السلطات العربية هي الأكثر فقراً في الكيان الصهيوني، وليس غريباً أن نسب البطالة في الوسط العربي هي الأعلى. وتشير إحصائيات وزارة العمل والرفاه الاجتماعي الصهيونية إلى أن عدد البلدات المنكوبة بالبطالة في الكيان بنسبة تزيد عن 10% وصل إلى 26 بلدة كلها بلدات عربية. كما توجد في الكيان230 سلطة محلية ثلثاها تقريباً يهودية والباقي عربية ويوجد لثلثي السلطات المحلية اليهودية مخططات هيكلية مصادق عليها، وفي السلطات المحلية تصل النسبة إلى أقل من 15%. وبكلمات بسيطة يوجد مستقبل فقط لواحدة من بين كل ست سلطات محلية عربية. كل تلك الحقائق تترافق مع معطيات جديدة تهدف إلى إضافة المزيد من التضييق والصعوبات على العرب الفلسطينيين حيث أقر الكنيست الصهيوني في شهر حزيران الماضي قانوناً يقلص من مخصصات الأولاد للعائلات التي لا يخدم أفرادها في الجيش الصهيوني. وبما أن العرب الفلسطينيين لا يخدمون في الجيش سوى الدروز وبعض البدو فهذا يعني أن المخصصات ستنخفض للأولاد العرب بنسبة 25%، ولتجاوز التقليص تجاه الحريديم اليهود الذين لا يخدمون في الجيش وضع بند يجعل القانون لا يسري على من يولد لأم أو أب يهودي. تمييز في القاعدة كل هذه الأجواء المسمومة تبرز حالة العداء المستبطن للجمهور الصهيوني، ليس للمؤسسة الرسمية فقط، بل على المستويات الدنيا، ضد العرب الفلسطينيين، حيث هاجم مجموعة شبان يهود الطالب "مراد مرة" في الجامعة العبرية بالقدس بعد استدراجه الى مكان بعيد. كما يمنع العرب من دخول أماكن الاستجمام ويتعرضون للتفتيش المهين في المحلات التجارية والأماكن العامة. فلسطينيو 1948 يكشفون عن الوجه الحقيقي للدولة العبرية، ويؤكدون مجدداً على أن كل الممارسات التمييزية العنصرية واستخدام سياسة الترهيب والترغيب لن تنجح في فرض النمط الصهيوني في مناحي حياتهم المختلفة ، وها هم يتحولون إلى شوكة في حلق الكيان الصهيوني ورأس حربة متقدم في وجه محاولات التغييب والتهميش الصهيونية . فلسطين-عوض الرجوب