على طول أربعة أعمدة وعلى صدر صفحتها الأولى كتب خالد المختاري بصيغة جازمة:"برلمانيون من العدل والإحسان ضمن فريق العدالة والتنمية" وبغض النظر عن "المصادر" التي استمد منها كاتب المقال ما سماه ب "المعطيات الأولية"، وما إذا كانت جهات معلومة قد شرعت في حملة تغليط وتشويش على حزب "العدالة والتنمية" مثلما حدث في الصيف الماضي تحت تأثير إرهاب الخوف من نتائج قوية له في الانتخابات الجماعية المقبلة، أو ما إذا كان الأمر مجرد استيهامات شخصية لكاتب المقال أعمته عن التحري والموضوعية وجعلته تحت وطأة هاجس "السبق" الإعلامي أو "الخبطة الإعلامية". بغض النظر عن عدة احتمالات يمكن أن نفسر بها عودة "الاتحاد الاشتراكي" إلى هذا الهذيان والاضطراب الذي عايناه خلال السنة الماضية إبان استضافة الحزب لمؤتمر الأممية الاشتراكية ولوفد صهيوني فإن قراءة أولية في بنية الخبر المقال تكشف عن الاستخفاف بعقل القارئ وغياب فظيع في النزاهة الفكرية والموضوعية المهنية، مما يكشف أن الأمر أبعد ما يكون عن عمل مهني إخباري، وإنما هو تلفيق مقصود أو تشويش مخدوم أوحي به من لدن من لهم مصلحة في الأمر. وحتى نكشف عن غياب النزاهة الفكرية والموضوعية المهنية، دعونا نحلل ونفكك بناء الخبر ومفاصله. 1 يبدأ المقال بإيراد المعطى الأساسي الذي يبني عليه كاتبه كل استنتاجاته وتعليقاته وهو أن حزب العدالة والتنمية >يضم في صفوفه 13 عضوا ينتمون إلى العدل والإحسان وقد تكون لهم صلة بالتنظيم المذكور< إلا أن كاتب هذا المعطى يورده بصيغة التمريض كما يتضح من خلال كلمة "قد" ومن خلال الجملة الأولى التي تقول "إن صحت المعطيات الأولية المتوفرة". تبعا لذلك فكاتب المقال يبدأ محتاطا لنفسه من خلال التصريح بأن المعطيات التي يوردها غير مؤكدة وإنما هي معطيات أولية. وبناء على ذلك يورد مجموعة من الأسئلة الاستفهامية التي كان عليه أن يبقيها أسئلة استفهامية مفتوحة أو يورد من المعطيات والقرائن ما ينقلها من مرتبة الفرضيات إلى مرتبة الحقائق سيرا على النهج الفرضي الاستنباطي. وهكذا يتساءل كاتب المقال قائلا: >هذا المعطى الجديد يفرض علينا طرح الأسئلة التالية: هل حقا فتحت العدالة والتنمية قوائمها لأعضاء العدل والإحسان خلال استحقاقات 27 شتنبر الأخير؟ هل يتعلق الأمر باتفاق ثنائي بين الطرفين أم أن الأمر تم بإيعاز ومباركة من طرف آخر؟ هل مازال الذين كتب لهم النجاح في هذه الاستشارة الشعبية الأخيرة مخلصين لقناعاتهم السابقة أم "بدلوا تبديلا"؟ وأخيرا ما حقيقة "بروتوكول" التعاون المبرم بين الطرفين والقائم على مبدأ "النصرة" والذي كشف عن دعم جماعة العدل والإحسان لحزب العدالة والتنمية؟ 2 إلا أن صاحب المقال بعد هذه المقدمة المبنية على معطى أولي تم إيراده بصيغة التمريض وعلى مجموعة من الأسئلة الافتراضية ينتقل إلى المصادرة على المطلوب والجزم بوجود خطوات تنسيقية ووجود "اتفاق" بين الطرفين وإلى الجزم بأن "اكتساح" حزب العدالة والتنمية للانتخابات كان مرده أساسا إلى ذلك التنسيق في إطار تبادل المصالح.. وهكذا فجأة يتحول الافتراضي إلى يقيني مؤكد، وتتحول اللغة التساؤلية النسبية إلى لغة جزم وتأكيد. أما الدليل عن ذلك "الاتفاق" غير المعلن أي الاتفاق "السري". فهو ذلك التوجيه الداخلي السري!! الذي تم تداوله داخل صفوف جماعة العدل والإحسان بهدف دعم مرشحي حزب العدالة والتنمية في مقابل تمكين بعض أعضاء الجماعة من الترشح في قوائم حزب العدالة والتنمية. ولا ندري من أين تمكن الكاتب أن يعرف بوجود اتفاق سري وتوجيه سري داخل العدل والإحسان!؟ 3 ويتجاوز الاستخفاف بعقل القارئ هذا المستوى إلى مستوى متقدم ليتساءل عن "الاتفاق" المذكور. هل تم باتفاق ثنائي أو بإيعاز من طرف ثالث يهمه التمهيد لإشراك جماعة العدل والإحسان في العملية الانتخابية كي يذهب إلى نفي وجود اتفاق إرادي بين الحزب والجماعة وأن الدليل على ذلك حسب ما زعم أن الدكتور الخطيب سبق أن عرض على زعيم العدل والإحسان الدخول إلى الحزب قبل أن يعرض ذلك على حركة التوحيد والإصلاح!!؟ وهكذا فبعد أن سعى صاحب المقال إلى التقليل من أهمية الفوز الذي حققه حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التشريعية من خلال الإيهام بأن ذلك راجع إلى دعم العدل والإحسان بناء على "خطوات تنسيقية" بين الطرفين واتفاق بين الفريقين، تقدم خطوة أخرى في نفي إرادة الفريقين والادعاء بوجود طرف ثالث يهمه التمهيد لإشراك العدل والإحسان في العملية الانتخابية في إشارة إلى السلطة ودوائرها العليا. 4 على أن تهافت منطق المقال واستخفاف صاحبه بعقول القراء لم يقف عند هذا الحد إذ بعد الجزم بوجود اتفاق بين الطرفين ووجود طرف ثالث له مصلحة في دمج العدل والإحسان في الحياة السياسية يعود ليتساءل عن سر "اختيار" العدل والإحسان الرافض أصلا للمشاركة السياسية بعد أن أكد أن الإرادة إرادة طرف ثالث غير العدل والإحسان ومؤسسات حزب العدالة والتنمية ترشيح بعض أعضائه عبر قناة العدالة والتنمية قائلا: "فهل يتعلق الأمر بتسلل أو بعملية "إقناع" محلية تمت هنا وهنا؟ أم أن الرغبة في الارتقاء الاجتماعي التي أضحت توفرها العمليات الانتخابية هي من كانت وراء هذا الانجراف والتغيير المفاجئ في المواقف والثوابت". ومن الواضح لدى القارئ اللبيب أن هذه التساؤلات تهدم ما قبلها من جزم بوجود خطوات تنسيقية واتفاق وطرف ثالث يشتغل من أجل فتح قناة شرعية للعدل والإحسان. يتضح إذن من خلال تحليل بنية المقال وتركيبه تهافت منطقه الداخلي وأنه مبني على التلفيق وتزوير المعطيات وتهافت الاستنتاجات. على أنه ينبغي التأكيد في هذا السياق أنه لو توفق حزب العدالة والتنمية في إقناع أفراد من العدل والإحسان وإقناع الجماعة برمتها بالمشاركة السياسية عبر البوابة الحزبية. وفي إطار المعطيات الحالية، فإن ذلك سيكون أمرا إيجابيا وليس تهمة تستوجب الدفع والرد، فالعدل والإحسان مواطنون مثل غيرهم من المواطنين إذا اقتنعوا بممارسة حقهم في ظل المؤسسات الحالية أو إذا قيموا أنه لا فائدة في هذه المشاركة كما يفعلون اليوم فلهم الحق الكامل في ذلك. لكننا بهذه الوقفة نريد أن نؤكد على ما يلي: إن تزييف الحقائق والاستخفاف بعقول المواطنين هو السبب في فقدان بعض الصحف والأحزاب لمصداقيتها وأن أسلوب المغالطات لم يكن في يوم من الأيام سبيلا للنجاح الإعلامي والسياسي ونأسف أن يتدرج الإخوة في جريدة الاتحاد الاشتراكي والزميل خالد المختاري إلى هذا المستوى من الإسفاف الإعلامي والسياسي كنا نظن أن الاتحاد الاشتراكي قد بدأت تبتعد عنه في الآونة الأخيرة. إن الكذب ممكن في حق الأموات وحتى بالنسبة لهؤلاء فإن للتاريخ حكما لا يخطئ ولو بعد حين. لكن نواب العدالة والتنمية لا يزالون أحياء يرزقون أطال الله في عمرهم. وهؤلاء قد اختيروا في إطار جموع عامة إقليمية للحزب من لدن المناضلين، بناء على شروط واضحة ومسطرة محددة لا علاقة لها بهذا "الكشف" المفاجئ الذي تحدثت عنه الاتحاد الاشتراكي أي بروتوكول تسريب أعضاء من العدل والإحسان إلى قبة البرلمان. والسيرة الذاتية لكل واحد من هؤلاء داخل الحزب أو داخل حركة التوحيد والإصلاح معروفة لدى الخاص والعام ونتحدى صاحب المقال أو غيره ممن قد يكون قد أوعز إليه بهذه المعطيات أن يسمي اسما واحدا ممن هم منتسبون إلى العدل والإحسان. وفي الختام يبدو أن صاحب المقال لم يكتف فقط بالتشكيك في النتائج التي حققها حزب العدالة والتنمية وفي ذلك ما فيه من التعريض والتحريض الخفي بل تجاوز ذلك إلى التحريض المباشر على أحد النواب المحترمين ونسبته إلى "السلفية الجهادية". فهل هي دعوة لإزالة الحصانة البرلمانية تمهيدا لاختطافه كما حدث مع كثير ممن نسبوا إلى الجماعة المذكورة؟!! أبو صلاح