أجرت القناة الثانية المغربية من خلال برنامج "في الواجهة" يوم الخميس 19 دجنبر 2002 على الساعة التاسعة ليلا، لقاء صحفيا مع وزير التربية والشباب. تم استعراض وبسط أهم الانشغالات والقضايا المطروحة في قطاع التعليم، بالإضافة إلى الإشارات الكبرى حول مشاركة حزبه الاتحاد الاشتراكي في الحكومة الحالية وبعض تداعيات هذه المشاركة. وقد تابع الرأي العام التعليمي بالأخص هذه المقابلة الصحفية شغوفا إلى تلمس آفاق ملفه المطلبي من خلال النظام الأساسي ونظام التعويضات، تواقا إلى معرفة اللحظة التاريخية الحاسمة للإفراج عن مطالبه العادلة والمشروعة؛ بعد سلسلة من النضالات المتتالية في السنة الفارطة، كان آخرها إضراب 15 و16 و28 و29 من شهر ماي 2002 والذي دعت إليه الجامعة الوطنية لموظفي التعليم المنضوية تحت لواء الاتحاد الوطني للشغل بالمغرب. وإذا كان عمر تسلم مقاليد الوزارة الجديدة التربية والشباب في تسميتها وتسيير شؤونها لم يتجاوز أربعين (40) يوما، فإن السيد الوزير تحدث بالأخص في قطاع التعليم، عن أهم القضايا التي تحكم الشأن التعليمي، وذلك من خلال الحديث عن الميثاق والجودة والمناهج والبرامج وتفعيل مراكز التكوين والأكاديميات وضبط بعض المظاهر السلبية بالمؤسسات التعليمية، وبعض القضايا الأخرى الفرعية والفئوية، ناهيك عن الإشارة الخاطفة إلى النظام الأساسي ونظام التعويضات.. وإذا كان الحديث عن الميثاق والجودة وبعض القضايا الأخرى الهامة قد نالت من خلال الحوار قسطا وافرا من الحديث عن واقعها وآفاقها ضمن منظور الوزارة وخططها الإصلاحية، فإن الحديث عن الملف المطلبي للأسرة التعليمية قد خيب الأمال وجعل الرأي العام التعليمي يطرح أكثر من استفهام وتساؤل عن مستقبل النظام الأساسي ونظام التعويضات في أبعادهما الإصلاحية العادلة والشاملة. فبعد طول انتظار قارب الثمانية أشهر بعد الإعلان عن اتفاق 13 ماي 2002 بين حكومة التناوب والنقابات الثلاثة، لم يأت اللقاء الصحفي بجديد اللهم ما كان من تطمينات جديدة تنضاف إلى تطمينات قديمة، وكأن السلف والخلف أصَّلوا لهذا المصطلح الجذاب والمسكِّن!! فرغم أن الحديث الصحفي قارب التسعين (90) دقيقة، فإن نصيب الملف المطلبي من هذه الدقائق لم يتجاوز الثلاث (3) دقائق أي ما يعادل نسبة 0,33% وهو رقم له دلالته وأبعاده، وبالتالي يمكن حصر ذلك في الإشارات التالية من خلال حديث السيد الوزير: 1 إن الحكومة في مجلسها الأسبوعي العادي بعد نقاش مطول اتخذت قرار المصادقة على ما اتفق عليه مع النقابات يوم 13 ماي 2002 بالإضافة إلى نظام التعويضات!! 2 الوضعية المالية في طريق الحل النهائي!! 3 الحكومة تحملت جميع مسؤولياتها، ورجال التعليم يجب أن يتحملوا مسؤوليتهم!! إن الإشارات السالفة تجعلنا كمهتمين بالقضايا التعليمية، وكرأي عام تعليمي نطرح التساؤلات التالية: ما موقف النقابات الثلاثة: الجامعة الحرة للتعليم (الاتحاد العام للشغالين بالمغرب) والنقابة الوطنية للتعليم (الكونفدرالية الديمقراطية للشغل) والجامعة الوطنية للتعليم (الاتحاد المغربي للشغل بالمغرب) من التصريح الأخير للسيد الوزير، وهي الموقعة على اتفاق 13 ماي 2002 والمطلعة عن كثب عن بنود المشروع الجديد للنظام الأساسي الصادر في غشت 2002 والموقع من طرف وزارة التربية والمالية والوظيفة العمومية والتعليم العالي. ما رأيها في الثغرات والتراجعات التي جاء بها المشروع الجديد كنظام الكوطا ووضع الشهادات الجامعية في الترقي، وسنوات الأقدمية في الترقي بالامتحان أو بالاختيار بالإضافة إلى وضعية الأعوان والإداريين و.. ما موقفها من السكوت المطبق حول "نظام التعويضات" عوض الحديث عن الزيادة الطفيفة المقترحة والتي لم تلمس بعد النظام الضريبي والتعويضات عن السكن والأبناء والتأطير والأعباء... إضافة إلى عدم الحديث عن تعويضات التدريس بالعالم القروي كما جاء به المشروع الأول سنة 1998. إن الحديث عن التوافقات في إطار الحوار الخاص بالملف المطلبي لا يجب بحال من الأحوال أن يدوس مكتسبات نظام 1985، على علة هشاشته خاصة بالنسبة للإدماج بالشهادات والأقدمية المطلوبة للترقي بالامتحان. نحن لا نريد أن نستبق الأحكام، لكن الإشارات التي أطلقها السيد الوزير لماحة إلى استمرارية نهج السلف من حيث التعويم في العموميات، وعدم ضبط الأزمنة للتطبيق الفعلي، وعدم توسعة الاستشارة مع باقي النقابات الممثلة بدل لغة الحسم في القضايا العالقة. لقد أكد السيد الوزير أن المجلس الحكومي الأخير صادق على اتفاق 13 ماي 2002 على الرغم من أن الاتفاق المذكور أفرز تشنجات وتصدعات بين النقابات الثلاث وكثير من قواعدها حتى تصريحات بعض قادتها كانت مرتبكة وغير دقيقة، كادعاء بعض المسؤولين أن المراحل المقبلة ستكون حاسمة، فعلى أي أساس تم الاتفاق، أم هو فقط آنذاك تحديد التوجهات العامة والمرتكزات كخطوط كبرى دون تفصيل؛ مما يوحي أن ما ذكر حول بعض النقاط المتعلقة بالنظام الأساسي عبارة عن أفكار تقاذفت هنا وهناك دون ضبط بين وواضح ومحسوم. وللمزيد من التأكيد على ما ذكرناه، فإن بعض النقابيين صرحوا بعد اتفاق 13 ماي 2002 في الندوة الصحفية المشتركة في شأن الأعوان الحاملين للشهادات بأن المعنيين (الأعوان) يخوضون نضالات ونحن نساندها لتحقيق مكاسب في هذا الإطار!! فمن يناضل إذا ومن يساند؟!! أما بخصوص نظام التعويضات فقد أكد الكاتب العام للكنفدرالية الديمقراطية للشغل على هزالة هذه الزيادة بقوله في كل من جريدة الأحداث المغربية والصباح يوم الإثنين 20 ماي 2002: "إن الزيادات التي نص عليها الاتفاق بالنسبة للمعلمين والأساتذة هي زيادة غير كافية إطلاقا، أمام غول ارتفاع المعيشة". وإذا كانت جريدة "الأحداث المغربية" تحدثت كعادتها وبطريقتها الخاصة عن نظام التعويضات، موهمة أنها جاءت بالجديد لتزفه إلى نساء ورجال التعليم كما بشر بذلك السيد وزير التربية الوطنية السابق بقوله: "سأزف لكم البشرى" فإنها في حقيقة الأمر لم تأت بجديد، بل هو القديم عينه تغير شكله من أرقام في جداول، إلى أرقام على شكل إنشاء وسرد. والملاحظة على الزيادة "المبشر بها" فيها تضخيم ونفخ مقصود في الأرقام، فالسامع للزيادة الصافية يظن أنها تشبه الصافي الشهري، مما يوحي لأول وهلة أن الحديث عن 700 أو 900 أو.. ستنضاف كاملة دون نقصان ناسين أو متناسين أن الخصم الضريبي يتراوح ما بين 13 و44 في المائة، واقتطاع التقاعد يصل إلى 7%، والاقتطاع الخاص بالتعاضدية يبلغ 5%، فماذا بقي بعد ذلك خاصة بعد تشطيرها إلى أربع سنوات. إنه باختصار لن تتعدى الزيادة المقترحة 150 ل87% من أسرة التعليم البالغ عددها 283 ألف رجل وامرأة. ناهيك أن ديباجة مشروع المرسوم الجديد تربط صدور نظام التعويضات بالنظام الأساسي والذي بدوره مازالت كثير من بنوده على محك النقاش والتوافقات... إن قطاع التعليم كقضية وطنية ثانية بعد قضية الصحراء المغربية "يتحرك ولكن ليس بخير" على حد تعبير السيد وزير التربية والشباب، وهو إحساس مشترك مع الرأي العام التعليمي، وإن الشفافية الواسعة والمطلقة التي نبه إليها السيد الوزير كأرضية صلبة لانطلاق مشاريعه الاصلاحية في مستهل حديثه الصحفي نرجو أن يستهل بها منجزاته الفعلية كي تصبح سلوكا وأخلاقا تحتذى داخل هذه الوزارة التربوية، ولعل أول مطلب بديهي في هذا المنحى هو فتح جسور الحوار مع باقي المكونات المدنية والنقابية والتي عرفت إقصاء وتعسفات في الفترة السابقة، فترة التناوب والتغيير!! محمد رماش