كان نشطاء الانترنت نقادا لاذعين لحكم الرئيس المصري حسني مبارك الممتد منذ 30 عاما من خلال الشبكة العنكبوتية لكن الاحتجاجات التي لم يسبق لها مثيل التي شهدتها مصر هذا الاسبوع أظهرت أنهم أصبحوا معارضين لا يستهان بهم على أرض الواقع ايضا. استخدم النشطاء موقعي فيسبوك وتويتر وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي لحشد المؤيدين على الانترنت وتنسيق الاحتجاجات وتبادل الخبرات بشأن كيفية تفادي الاعتقال والتعامل مع الغاز المسيل للدموع. وتعطلت خدمات الانترنت في انحاء البلاد بعد منتصف ليل الخميس. وقال مشتركون في خدمات شبكات التليفون المحمول ان الخدمة توقفت تماما تقريبا يوم الجمعة. وتنفي الحكومة انها عطلت شبكات الاتصالات. ويعيش في مصر 79 مليونا ثلثاهم دون الثلاثين من العمر ويشكلون 90 في المئة من العاطلين عن العمل. ويعيش نحو 40 في المئة على أقل من دولارين في اليوم كما أن ثلث السكان أميون. وفي ظل احباط الكثيرين لضعف دور الاحزاب المعارضة لجأ الكثير من الشبان الى الفضاء الالكتروني بوصفه واحدا من القنوات القليلة المتاحة للتنفيس عن غضبهم. ويدعو المحتجون لاسقاط نظام الرئيس حسني مبارك الذي تولى السلطة عام 1981 بالاضافة الى رفض فكرة خلافة نجله جمال (47 عاما) له فضلا عن المطالبة بحرية الرأي والتعبير والعدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد. ومن المقرر اجراء الانتخابات الرئاسية القادمة في سبتمبر ايلول ولم يعلن مبارك (82 عاما) ما اذا كان سيرشح نفسه مرة اخرى. وينفي الاب والابن وجود نية لتوريث السلطة. واللوائح السياسية في مصر تجعل من الصعب على اي مرشح بخلاف مرشح الحزب الوطني الحاكم الفوز بالانتخابات. وقال المحلل السياسي نبيل عبد الفتاح ان النظام لم يستجب للدعوات المتكررة للاصلاح لكن الاجيال الجديدة استطاعت من خلال الفضاء الافتراضي كسر هذا الصمت والتحرك الى الشوارع. وقال أحمد ماهر احد نشطاء حركة 6 ابريل التي تنشط على الانترنت منذ بضع سنوات "بالتأكيد نجح نشطاء الفيسبوك في نقل دعوتهم من العالم الافتراضي الى أرض الواقع. أصبحت المظاهرات في كل مكان دون اي تنظيم من جماعات بعينها." وقال المحلل السياسي ضياء رشوان لرويترز "هذا نجاح منقطع النظير بدون ادنى شك. هذا نجاح لشباب مصر. اختاروا وسيلة للتواصل فيما بينهم وهي الانترنت. ويحاولون منذ اربع سنوات تحويل الدعوات الى ارض الواقع... ونجحوا." واتفق معه الكاتب والباحث السياسي عمار علي حسن لرويترز "هذا نجاح كبير وكان مفاجئا للجميع... الشرطة والحركات السياسية وحركات التغيير." وأضاف انهم لم ينجحوا فقط في نقل عالمهم الافتراضي الى ارض الواقع بل نجحوا كذلك "في انهاء ملف التوريث والقائه تحت اقدام الشباب الغاضب وهم الجيل الذي يدعي جمال مبارك انه جيله وانه جيل الفكر الجديد." واستلهم المحتجون في مصر تجربة التونسيين الذين أطاحوا بالرئيس زين العابدين بن علي الذي حكم تونس 23 عاما. ولجأ التونسيون ايضا الى الانترنت في نشر اخبار الاحتجاجات. ويشكو المصريون من نفس المشاكل التي دفعت التونسيين الى الخروج في احتجاجات الى الشوارع وهي غلاء أسعار السلع الغذائية والفقر والبطالة والحكم الشمولي الذي يخنق أي احتجاجات شعبية. وكانت القوة المحركة وراء دعوات مصر من أجل التغيير مجموعة على موقع فيسبوك أنشأها نشطاء غاضبون لمقتل الناشط في مجال مكافحة الفساد خالد سعيد الذي تقول جماعات حقوقية انه عذب حتى الموت في يونيو حزيران. ويحاكم الان اثنان من رجال الشرطة في هذه القضية. والنشطاء ليسوا منتقدي الحكومة التقليديين الذين يظهرون انتماءات دينية او اي اتجاهات أخرى سوى الدعوة الى التغيير السياسي. فقد ظلت جماعة الاخوان المسلمين ذات القاعدة الشعبية العريضة على هامش المظاهرات الى حد بعيد. كما أن أحزاب المعارضة المصرية المسجلة ضعيفة. وقال عمرو حمزاوي المحلل في معهد كارنيجي للسلام بالشرق الاوسط "كان هذا مزيجا جديدا من الشبان الذين احتشدوا أساسا باستخدام تكنولوجيا الانترنت." وقال صلاح عبد المقصود وكيل نقابة الصحفيين المصريين وعضو جماعة الاخوان المسلمين "تجاوب النشطاء من خلال هذا الوسيط (الانترنت) في وقت قياسي بدون تضييق أمني مثلما كان يحدث مع الوسائل الاخرى... وهذا جعل مهمة الاجهزة الامنية صعبة وأضعف قدرتها على السيطرة." لكن الخبير الاعلامي ياسر عبد العزيز يرى أن عوامل متزامنة او متلاحقة مثل احتجاجات الشعب التونسي والمزاعم بحدوث تزوير في انتخابات مجلس الشعب الاخيرة وتحجيم وسائل الاعلام التقليدية فضلا عن الاحتقان بسبب قضية خلافة الحكم هي العوامل الاساسية وراء الاحتجاجات وليس دعوات نشطاء الانترنت. واضاف "كانت الدعوات على الانترنت (للاحتجاج) موجودة دائما... لكن تجمع العوامل سالفة الذكر في توقيت واحد كان الدافع الرئيس للاحتجات والعامل الرئيس لنجاحها." وذكرت شركة فيسبوك مساء الخميس انها على علم بتقارير حول تعطل خدمة موقعها في مصر وانها لاحظت تراجعا في حركة تصفح الموقع. وقبل تعطل الانترنت انتشرت نصائح على الشبكة العنكبوتية تساعد المستخدمين على التغلب على حجب المواقع من بينها اللجوء للدخول على تويتر وفيسبوك من خلال مواقع اخرى وسيطة. كما لجأ النشطاء الى المدونات العادية على الانترنت للتواصل بعد تعطل موقعي فيسبوك وتويتر يوم الخميس. وقالت مدونة تدعى سامية بكري في مدونتها على الانترنت "النطام المصري حجب الفيسبوك ورجعنا تاني نكتب في المدونات. وماله.. برضو مش هيقدروا يطفوا نور الشمس." وقال حافظ أبو سعده الامين العام للمنظمة المصرية لحقوق الانسان لرويترز قبل تعطل الانترنت "الدولة بدأت بالفعل في حجب مواقع الانترنت مثل تويتر وفيسبوك ولكنها تراجعت لان التكنولوجيا الحديثة اعطت صلاحيات للتغلب على هذا الحجب." ودخل النشطاء في اختبار جديد بعدما دعوا لان يكون يوم الجمعة هو "جمعة الغضب للثورة على الفساد والظلم والبطالة والتعذيب". ووصل عدد اعضاء الفيسبوك الموافقين على المشاركة في الاحتجاجات المقرر ان تبدأ بعد صلاة الجمعة الى اكثر من 84 الف شخص حتى صباح يوم الجمعة وقال نحو 16 الفا اخرين انهم ربما يشاركون. وعن مدى تأثير تحركات الحكومة لحجب الانترنت على المشاركة في الاحتجاجات المقررة بعد صلاة الجمعة قال الناشط احمد ماهر "تعطيل الدعوة من خلال حجب مواقع الانترنت اصبح صعبا الان لان الناس ستخرج الى الشارع رغم اي قيود على الانترنت. لم يعد حجب المواقع له أي تأثير والناس كلها عارفة اماكن ومواعيد التظاهر." وأوردت صفحة على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك أكثر من 30 مسجدا وكنيسة من المتوقع ان يتجمع فيها المحتجون. وقال المحلل نبيل عبد الفتاح "هذا الاغلاق لم يؤثر كثيرا في حشد الشباب." وتوقع ان يكون يوم الجمعة "يوم حشد كبير". وسواء نجح النشطاء في اختبار يوم الجمعة او لم ينجحوا يرى عبد الفتاح ان "هذا الجيل اعاد السياسة من موتها الاكلينيكي منذ ثورة يوليو (1952)." ويشير النموذج التونسي الى أن أي اجراءات صارمة تتخذها الحكومة ستواجه صعوبة شديدة في احتواء تدفق المعلومات وربما تحشد المزيد من مستخدمي الانترنت وغيرهم من المتعاطفين للتحرك. ويكرر الكثير من المدونين على مواقعهم "لن نخاف بعد الان" و"مصر ستتحرر. تستطيعون أن تغلقوا الفيسبوك لكنكم ستجدوننا في الشوارع." من دينا زايد ومحمود رضا (شارك في التغطية محمد اليماني)