مراكش من عبد الغني بلوطتحولت ندوة "حدود حرية التعبير" المنظمة من قبل شبيبة إحدى الأحزاب المغربية بمراكش إلى ما يشبه الجلسة الحميمة بين الجسم الصحفي في مدينة مراكش وعدد الوجوه الشابة التي أغنت النقاش وأضافت إليه هموما واقتراحات وتطلعات أخرى، وشعر البعض أن تلك السويعات التي جلس فيها بالمسرح الملكي أخيرا لم تكن كافية لإشباع نهمهم المعرفي بالنظر إلى جودة المداخلات والتعقيبات ،واتفق الجميع على ضرورة عقد لقاءات أخرى تكون أكثر خصوصية لمناقشة "حرية التعبير" ومواضيع أخرى متعلقة بالصحافة المغربية. أمينة العمراني الإدريسي الوجه النسائي المألوف اختيرت من طر ف شبيبة العدالة والتنمية لتسيير الندوة ،التي أشرف على ترتيب أركانها واختيار محاورها الأستاذ الصحفي عبد الغني بلوط مراسل جريدة التجديد المغربية والقدس العربي اللندنية بمراكش ،وشارك فيها كل من الأديب الصحفي عبد اللطيف سندباد، والشاعر الصحفي نور الدين بازين والأستاذ الجامعي والصحفي الدكتور نور الدين أيمان ، وحضرها رؤساء جمعيات إعلامية منها الجمعية المغربية للصحافة وجمعية المصورين الصحفيين ورئيس فرع النقابة الوطنية للصحافة المغربية وعدد من الصحفيين والمراسلين للمنابر الإعلامية الوطنية والجهوية .في البداية فضل الأستاذ نور الدين إيمان أن يأتي موضوع حرية التعبير من بابه التاريخي والاصطلاحي ،حيث قال إنه لا يمكن على الإطلاق إيجاد صيغة موحدة لمفهوم الحرية بسبب الاختلافات في الحضارات والثقافات في العالم ، مضيفا أنه إذا رجعنا إلى معنى الكلمة من الناحية الاصطلاحية سنجد أن انتصار فلسفة الأنوار على الكهنوت الكنسي كان من الطبيعي أن تشكل فلسفة حرية التعبير ضمن منظومة حقوق الإنسان التي أصلت فيما بعد أهم مقومات الأساسية لتأمين الحريات الفردية وحصر الفكر الكهنوتي داخل أسوار الكنيسة، وأصبحت حرية التعبير أهم مكونات الإرث التنويري الذي يشكل بالنسبة للغرب فاصلا تاريخيا ما قبل الحداثة وما بعدها وأضاف أن الإسلام فقد حدد منظومة متكاملة للحرية ضمنها حرية الفكر والتعبير والاعتقاد والعمل وغيرها غير انه جعلها ضمن دود التي لا يؤذي فيها أحد ولا يؤدي فيه حتى نفسه كتحريم سلوكيات وأشربة وأطعمة وغيرها، كما إن حرية التعبير ليست هي حرية التفكير والاعتقاد هناك اختلاف واضح بينهما فالتعبير صورة مت صور النشاط الاجتماعي الذي يمتد أثره إلى الآخرين ومن ثم فهو محل للتقيد باحترام حرية الآخرين ومعتقداتهم، في الوقت الذي يعتبر الاعتقاد شأنا داخليا كامنا في النفس لا يمكن الإحاطة به بمضمونه أو الوقوف على تفاصيله.الأديب الصحفي عبد اللطيف سندباد اختار التكلم عن حرية التعبير في سياقها المغربي الإعلامي، مشيرا إلى أن إن بناء أي مجتمع ديمقراطي، وتحقيق الحد الأقصى من الاستقرار السياسي والنمو الاقتصادي، يكمن في تأمين قطاع وسائل الإعلام من حرية التعبير بالقدر الذي يسمح لها من تدفق المعلومات لأوسع الشرائح الاجتماعية بحرية، حيث المعلومات تشكل القوة وسلطة العصر، وإذا كان لدولة ما أن تتمتع بالتفوق السياسي والاقتصادي الذي تمكنها سيادة القانون من إحرازها، فمن الضروري أن تبقى مؤسساتها القوية مفتوحة أمام مراقبة الشعب الدقيقة لها، غير أن توطيد حرية التعبير والرأي والحقوق المتفرعة عنها تحمّل الصحفيين مسؤولية خاصة يمارسونها باسم القراء، فهم إذن الحراس اليقظون لمصالح العامة المشروعة، ويتعين عليهم أن يبرهنوا على الإنصاف والدقة والنزاهة وحس المسؤولية وعلى الاستقلال والحشمة. وأشار سندباد إلى أن المتأمل في السياق المغربي العام لا شك سيلاحظ ملامح تحولات ترتسم في الأفق، هذه التحولات تنسج خيوطها وفق آليات جديدة مغايرة تماما للآليات المتبعة منذ منتصف السبعينات، هذه التحولات لا تؤشر على القطيعة وإنما ترسي لمجتمع ديمقراطي وفق خصوصيات تترجمها إرادات مختلف مكونات الشعب من أجل مغرب ديمقراطي حداثي وفيّ لأصوله وهويته متمسك بثوابته، منفتح على محيطه الجهوي والدولي ومتطلع إلى غد أفضل. هذا السياق راكم مكتسبات في العديد من المجالات تتعلق باحترام حقوق الإنسان وتعزيز مكانة الأسرة وتجديد المنظومة التربوية .....وقال إن قطاع الإعلام والاتصال يحتل ضمن السياق العام مكانة محورية تتميز بخاصيات من أهمها تحولات عميقة لقطاع الإعلام في ضوء توسعه الكمي وإصلاحه المتعدد الأبعاد وتفاعلاته الداخلية والخارجية مع المحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي مما نتج عنه رهانات كبرى يمكن تلمس جزء منها من خلال ما أشار كل من التقرير الذي أعدته النقابة الوطنية للصحافة المغربية إحياء لليوم العالمي للصحافة الذي يصادف الثالث من ماي كل سنة والذي يغطي الفقرة ما بين 2004 و 2006 وكذا " التقرير السنوي حول الصحافة المكتوبة والإعلام السمعي البصري العمومي" الصادر أخيرا عن وزارة الاتصال والذي أوضح أن المشهد الإعلامي المغربي بلغت عدد عناوينه الصحفية الصادرة حتى متم سنة 2005 نحو 438 عنوانا منها 280 باللغة العربية و151 باللغة الفرنسية و6 بالأمازيغية وعنوان باللغة الاسبانية، وشكلت الصحافة الخاصة / المستقلة الحيز الأكبر من مجموع عناوين الصحافة الوطنية وذلك بنحو 376 عنوانا بنسبة 85,93 مقابل 17 عنوانا ونسبة 4،65 في المائة للصحافة الحزبية، وأشار التقريران إلى الانتشار المتزايد للصحافة الجهوية بما قدره 104 عنوانا 90 في المائة منه باللغة العربية. هذه المكتسبات الكمية في قطاع الإعلام صاحبتها رهانات نوعية من قبيل اهتمام الصحافة بالطابع الإخباري العام والولوج إلى عوالم المسكوت عنه في الثقافة المغربية مع ظهور صحف متخصصة في مواضيع مختلفة كحقوق الإنسان وقضايا المهاجرين والشؤون الاجتماعية وقضايا البيئة ....هذه المكتسبات الكمية والنوعية لم تنجز دون أداء ضريبة الجرأة وسلب العديد من الحقوق حيث سجلت السنة الماضية متابعة قضائية ل 31 ملفا منها 26 قضية " سب وقذف بواسطة الصحافة " ( عملية تصفية حسابات مع بعض الصحف أسبوعية تيل كيل ولوجورنال )، وقضيتا ( 2 ) " إهانة هيئة قضائية " وقضية واحدة تهم " المس بصفة علنية بشخص رئيس دولة " ثم أخيرا قضية واحدة تتعلق " بنشر أنباء زائفة ووقائع غير صحيحة ونشر صور الأسرة الملكية بدون إذن " (الأيام) كما تم اعتقال خمسة صحافيين، وتعرضت العديد من المؤسسات الصحفية والصحافيين ومديري الصحف إلى متابعات قضائية واستنطاقات وتحرشات ومداهمات( النهار المغربي ) وتهديدات ( الأحداث المغربية )، ويمكن التسجيل العديد من أساليب التضييق على حرية الصحافة من طرف السلطات أو من طرف منتخبين أو أشخاص مجهولين .....غير أن رصد هذه الخروقات، يقول سندباد لا تخفي تطلعات الجسم الإعلامي للارتقاء بجودة الإعلام ومصداقيته وتمتين المنجزات وتطوير المكتسبات المحققة، وذلك لن يتأتى إلا بالتغلب على هذه الاكراهات خصوصا منها السالبة للحريات، وخوض التحديات المطروحة أمام الإعلاميين يقتضي نهج التأهيل الذاتي والموضوعي، والذين بدورهما لن يتأتيا إلا باعتماد مقاربة تزاوج ما بين توفير ضمانات الولوج إلى مصادر الخبر وحرية التعبير والفعل الصحفي الحر والمسؤول والتعاطي الخلاق لوسائل الإعلام مع رهانات الديمقراطية والنهوض المستدام بقطاع الإعلام والاتصال.من جانبه قال الشاعر والصحفي نور الدين بازين إن علاقة حرية التعبير بالصحافة علاقة متوترة، علاقة يوجد فيها شيئا من الإثارة تحددها استقلالية الخط الصحفي أو التبعية، ومن خلالها تحدد استقطاب القارئ المتعاطف أو القارئ دو الموقف منها، كما أن مسألة حرية الصحافة ترتبط أساسا بمفهوم الديمقراطية، وان أي مساس بهذه الحرية هو مساس بالديمقراطية، لدى فالجوهر الحقيقي للصحافة الحرة هو وجود مكون مؤسساتي حر وديمقراطي في حد ذاته، يتناسب وفصل السلط. أما حرية الصحافة وصونها فهو السبيل الأوحد لمراقبة المجتمع بكل مكوناته، وهذا مايذهب إليه عبد الوهاب الرامي في كتابه عربية الصحافة المكتوبة، حيث يعتبر حرية الصحافة هي أم الحريات، لأنها صمام أمان ضد الشطط والتسلط،، حيث أبرز أن وجود إعلام حر يصنع مواطنين يمنح لهم دراية بما يجري في المجتمع، وهذا لن يتأتى إلا بوجود وسائل إعلام مستقلة في تحرير الخبر واستقصاء المعلومة بطريقة سليمة ودون قيود، بالإضافة إلى هذا يلاحظ الآن وجود صحافة حرة تتحدى خطوط غير مسموح بها من لدن السلطة القائمة، وهذا ما يأسس لمنتوج صحفي حر يخالف ما كان في السابق من صحافة تمثل الحكومة أو صحافة تمثل الأحزاب التي تخضع لتقييد أدبيات اللعبة السياسية في البلد، وبالتالي فالمقيد هنا هو المجتمع الذي يحرم من المعلومة الصحيحة والخبر الصحفي الذي يتسم بالتحليل الواسع والصادق. وأضاف بازين أن غياب حرية الصحافة وغياب المعلومة سيسبب لا محالة في اضطراب سياسي وتشكيك في أي بادرة تقبل عليها الدولة في أي إصلاح مستقبلي حتى وإن كان هذا الإصلاح يخص المجال الاقتصادي أو الانتقال الديمقراطي، الذي يبقى ناقصا ومعاقا مادامت المحاكم تسائل الجرائد المستقلة وتصدر أحكامها القضائية بدون استقلالية، كما أن الصورة التي يتسم بها إعلامنا المغربي هي صورة توجد في وضع متأزم من ناحية ارتباطه المتناقض مع مفهوم الديمقراطية ومسايرة الثورة الإعلامية التي يعيشها العالم الآن، والتي بدورها تضع حقيقة إعلامنا واتصالنا في محك هذه التحديات، مادام أن من واجب الإعلام أن يقود مسيرة الحضارة والانتقال الديمقراطي في البلد.. فعلا إنه أمام وضع مأزوم رغم الخطوات التي قطعها في المراحل الأخيرة من بداية القرن 21 الحالي. وتساءل بازين أي صحافة لأي مواطن، وأي مواطن لأي صحافة..؟ ليجيب أن الملاحظ هو أن الصحافة المكتوبة المستقلة أسست تاريخا ملموسا خلخلة ذاكرة المواطن المغربي، وأصبح الحوار الفكري حول قضايا مجتمعية تتحلحل في الشارع بدون اختزال، وأصبحت الجودة في تحرير الخبر أو ما يصطلح عليه لدى الإعلاميين السبق الصحفي هي المقياس الأوحد في اقتناء الجريدة أو المجلة، ومن خلال ذلك أضحى على كل منتوج صحفي يسعى إلى تأكيد حضوره في الساحة الإعلامية عبر رقم المبيعات والإتيان بالخبر الجديد الذي يحترم عقلية المواطن، وتحوير الاهتمام بمسألة التنمية البشرية الحقيقة، لأن منطلق هذه التنمية هو الصحافة وبدون صحافة حرة لن تكون لا تنمية بشرية و لا تنمية كونية، فالمواطن يسعى بدوره إلى تلقي الخبر الذي يحترم عقليته، و يشجعه على الإدراك بما يجري داخل محيطه وان يكون على علم وبينة بالمستجدات التي يعرفها الميدان المجسد في تفاعل المجتمع مع الأحداث. كما اعتبر أن تصحيح تاريخ الإنسان المغربي الفكري هو رهين بمراجعة قوانين الصحافة ومنحها حرية غير مقننة، لأن هذا التقنين والحد من حريتها يحاصر الإنسان ويجعله جزء من الأزمة التي يتحاور فيها ما هو سلطوي يسعى إلى بسط مقتضياته التشريعية وما هو إعلامي الذي يجاهد إلى التخلص من سلطة تزعم أنها مؤسسة تصحيحية لا تسمح بأي تجاوز أو جرأة من منبر إعلامي. وأمام هذا الوضع الذي تتخبط فيه صحافتنا، فإن الأمر لا يعدو أن يكون مغامرة للصحفيين، الذين أصبحوا يحسبون ألف حساب في تحرير الخبر أو تحرير تحقيق ما، وبالتالي لا يمكن لإعلامنا أن يحض بالنجاح والتقدم في ضل وجود رقابة تحتم على الأقلام الصحفية أخذ الحذر من الوقوع في إنزلاقات في قانون ( المسؤولية الاجتماعية) الذي يرهنهم في مسائل قضائية مثل ما وقعت فيه العديد من الجرائد المستقلة الوطنية، وهذا ما يطرح سؤال وجيه حول مفهومية حرية الصحافة مع هذا الشرط المتمثل في المسؤولية الاجتماعية. ويبقى تصريح محمد بوزبع وزير العدل على أن هناك خلية بالوزارة تتابع كل ما تنشره الصحافة المغربية هو تصريح يمس في الجهور حرية الصحافة وحرية التعبير، وهذا دليل يوضح أن السلطة السياسية بالمغرب قلقة من جرأة بعض الأقلام في الصحافة المستقلة، التي اشتغلت على ملفات حساسة وكشفت بعض الجوانب المحيطة بها، لكن لا يجب أن نغفل الأرقام التي صرح بها تقرير منظمة مراسلون بلا حدود، فهي أرقام لابد من الوقوف عليه، لأننا بتناولنا لها سنكشف بعض الجوانب الخفي في تعامل الحكومة المغربية مع الصحافة، ففي سنة 2002 كان المغرب يحتل الرتبة 89 في مجال حرية الصحافة، وفي سنة 2003 كان الرقم فظيع باحتلاله الرتبة 131 وفي سنة 2004 سينتقل على الرتبة 126 و الآن يحتل الرتبة 119 حسب الترتيب الأخير الذي آتى به تقرير منظمة مراسلون بلا حدود، مسبوقا ب 25 دولة افريقية، كما قارب التقرير واجب احترام حرية الصحافة بالمغرب وبين تقوية الجانب الأمني في التعامل مع قطاع الصحافة، مبرزا إلى أن 80% من الصحفيين المغاربة ليسوا أحرارا في مهنتهم.الجميل في الندوة أن النقاش يقي ساخنا حتى بعد انتهاء المداخلات والتعقيبات، وجعلت البعض يمكث طويلا أمام باب المسرح الملكي بالمدينة لشرح أوضاع الصحفيين وكيفية النهوض بأوضاعهم، والتعبير عما يخالجه فيما يخص حرية التعبير والتفكير.فيما استغل بعض الشباب الحاضر فرصة وجود عدد من الصحفيين المرموقين بالمدينة للسؤال أكثر عن مهنة المتاعب.مراكش من عبد الغني بلوط