عقب النتائج المخيبة للآمال للاتفاق الأخير بين الوزارة والنقابات الخمس المحاورة وفي ظل سياسة التماطل والتسويف لتسوية الملف المطلبي للأسرة التعليميةواستحضارا للأوضاع المتردية للمدرسة العمومية وفشل المنظومة التربوية الحالية ************************ تستعد الشغيلة التعليمية بمختلف فئاتها لبدء موسم دراسي جديد على إيقاع ملفها المطلبي القديم الذي مازال يراوح مكانه بعدما لم تستطع نقاباتها التعليمية "الأكثر تمثيلية" أن تنتزع منه إلا الفتات الذي سمحت به الوزارة، وذلك بعد عدة جلسات من الحوار الاجتماعي القطاعي وتشكيل مجموعة من اللجن الموضوعاتية التي نجحت في عقد لقاءات "ماراطونية" وصياغة بلاغ مشترك يتيم بتاريخ فاتح غشت – أي خلال العطلة الصيفية - دون تحقيق مكاسب جديدة مهمة بالنسبة للأسرة التعليمية التي خاضت إضرابات وطنية ناجحة خلال السنة الفارطة بتأطير من بعض التنظيمات النقابية التي ما زالت تناضل في الساحة بجانبها. وقد خاضت مجموعة من النقابات التعليمية المناضلة والأكثر تمثيلية ميدانيا (المنظمة الديمقراطية للتعليم، الهيئة الوطنية للتعليم والنقابة المستقلة للتعليم) سلسلة من الإضرابات الوطنية والوقفات الاحتجاجية على طول السنة الدراسية الفارطة، والتي عرفت تجاوبا متميزا وانخراطا واسعا مطالبة بالتعاطي الإيجابي مع الملف المطلبي للشغيلة التعليمية وفتح حوار جاد ومسؤؤل مع كل الهيئات النقابية دون تمييز أو استثناء، بما يخدم النهوض بالقطاع وتطوير المنظومة التربوية وإعادة الاعتبارللمدرسة العمومية وتحسين أوضاع العاملين بها. لقد فتحت الوزارة الوصية باب الحوار خلال الموسم الماضي مع النقابات الخمس "الأكثر تمثيلية" وتم تشكيل عدة لجن موضوعاتية وعقد العديد من اللقاءات وجلسات الحوار؛ لكنها، وكما توقعت النقابات التعليمية غير المحاورة ومعها الأسرة التعليمية، لم ترق إلى انتظاراتها وطموحاتها بحيث عمدت الوزارة من خلال هذه اللقاءات إلى نهج أسلوب التماطل وربح الوقت ليصل الحوار إلى محطة فاتح ماي دون تحقيق شيء يذكر في سلم المطالب المقدمة وتستأنف الجلسات الحوارية بعد ذلك لتسفر في النهاية على اتفاق بشأن بعض المطالب الإدارية البسيطة بينما تم تأجيل المطالب الأساسية ورمي الكرة إلى ملعب وزارات أخرى كالمالية وتحديث القطاعات. وتتلخص المطالب التي تم الاتفاق حولها في استمرار اعتماد الشواهد في الترقية وإعطاء إمكانية لحاملي الشواهد العليا لتغيير الإطار واعتماد سنة أو سنتين على الأكثر في الترسيم بالنسبة للخريجين الجدد بدل إلغائها كما كان معمولا به في السابق، وهي نقط أغلبها كانت إلى وقت قريب عبارة عن مكاسب قديمة تم التفريط فيها لتتم إرستعادتها مرة ثانية، الشيء الذي يدل على أن الحوار يدور في دائرة مفرغة وأن مكاسب الأمس المفرط (بضم الميم وفتح الفاء) فيها تصبح مطالب اليوم وأن الوزارة تعطي باليمنى وتأخذ باليسرى بتساهل أو باتفاق مع تلك النقابات "الأكثر تمثيلية". وقد يتساءل سائل عن مدى جدوى مواصلة هذا النوع من الحوار مع الوزارة ما دام لا يحقق أية مكاسب تذكر وما دام يؤدي في النهاية إلى ضياع بعض المكاسب بحيث قد يكون عدم فتح الحوار أفضل وأحسن للشغيلة من عقد لقاءات ماراطونية قد تعصف ببعض المكتسبات التي ناضلت من أجل تحقيقها الشغيلة لمدة ليست بالهينة. وقد يتساءل آخر عن الفائدة من مواصلة الحوار مع الوزارة لوحدها دون الجلوس مع الوزارات الأخرى المعنية ببعض المطالب الجوهرية المقدمة وعلى رأسها الترقية الاستثنائية (من2003 إلى 2006)، زيادة درجة إضافية في سلم الترقي بالنسبة للأسلاك الثلاثة، الرفع من نسبة الحصيص المخصص للترقي إلى 33% على الأقل ومراجعة مختلف التعويضات وإحداث التعويض عن العمل بالوسط القروي... ومع بداية الدخول المدرسي، بدت ملامح الاستياء والتذمر واضحة على وجوه نساء ورجال التعليم الذين التحقوا مؤخرا بمؤسساتهم التعليمية، والذين انتظروا ما سيؤول إليه الحوار على طول السنة الفارطة، لكنهم أصيبوا بالإحباط وخيبة الأمل إذ لم لم يتم تحقيق أي شيء يذكر في ملفهم المطلبي العريض. كما تم فتح النقاش حول مآل الملف المطلبي بحيث وجهت انتقادات شديدة اللهجة إلى النقابات المحاورة وقللت من أهمية نتائج الحوار التي كانت دون مستوى تطلعاتهم وانتظاراتهم وعبروا عن الاستعداد لخوض المزيد من الإضرابات. كما أعلنت بعض النقابات التعليمية (تحالف النقابات التعليمية بالمغرب، النقابة المستقلة للتعليم، الهيئة الوطنية للتعليم) عبر بياناتها مؤخرا عن استيائها وغضبها أيضا من الاتفاق الأخير وأكدت على خيار التصعيد النضالي وقررت بعضها خوض إضرابات متتالية وشهرية وبشكل تصاعدي لحمل الوزارة الوصية على التعاطي الإيجابي والمنصف مع مطالب الشغيلة التعليمية سئمت من الانتظارية القاتلة. ومن المتوقع أن تخرج بعض النقابات التعليمية – وخصوصا النقابات الحزبية - عن موقعها المدافع عن السلم الاجتماعي بالقطاع بعد الإعلان عن تشكيلة الحكومة الجديدة التي ستحدد بالتالي الخريطة النقابية إذ ستحاول بعض الهيئات النقابية نفض الغبار عنها واسترجاع ثقة وود الأساتذة بعدما كانت في صف الموالاة ومنبطحة ومتواطئة ضد مصالح الشغيلة التعليمية لسنين طويلة أو تستمر في موقع المعارضة الذي يتحكم فيه السياسي على النقابي. إن الأوضاع المتأزمة لقطاع التربية والتكوين والمتسمة بالتراجع والتقهقر على مختلف المستويات ووضعية المدرسة العمومية التي تعيش أزمة بنيوية غير مسبوقة من جراء إقدام الدولة على تفكيك التعليم العمومي عن طريق دعمها السخي للخوصصة والمستفيدين منه، الشيء الذي يؤدي إلى فرز تعليمين متفاوتين: واحد للطبقة الكادحة والمستضعفين والفقراء والآخر للطبقة البورجوازية والمحظوظين والأثرياء مما يضرب في العمق الحق في فرص المساواة في التربية والتعليم والتكوين والتشغيل ويعمق بالتالي من الفوارق الاجتماعية. وتأسيسا لما سبق، وفي ظل الأوضاع الاجتماعية والمعيشية المتردية وتفاقم الغلاء الفاحش (الزيادات المتتالية في مجموعة من المواد الأساسية مباشرة بعد الانتخابات !!؟؟) وجمود الأجور وتجمدها وباستحضار الهجوم المستمر على الحريات النقابية واستمرار حوار اجتماعي صوري ومغشوش للسنة الماضية بشهادة المركزيات النقابية المحاورة نفسها، فمن المتوقع أن تتصاعد وثيرة الاحتقان الاجتماعي وتتوسع دائرة الاحتجاج وتتزايد الإضرابات بالعديد من القطاعات العمومية وفي مقدمتها التعليم، الجماعات المحلية، العدل، الفلاحة، الصحة... وغيرها، وفي القطاع الخاص بالوحدات الإنتاجية والخدماتية مع الدخول الاجتماعي الحالي الذي يبدأ على صفيح ساخن ويعمه أجواء أجواء من التوثروالتذمر.