رفض المغرب بشكل رسمي على لسان وزير الخارجية محمد بنعيسى المصادقة على المعاهدة الدولية الخاصة بإنشاء المحكمة الجنائية الدولية رغم أنه سبق له أن وافق على إنشائها من حيث المبدأ في شتنبر من سنة 2000 زمن الوزير الأول السابق اليوسفي. وتتلخص المهمة الأساسية لهذه الآلية القضائية الدولية في المتابعة والمساءلة القانونية للأفراد المتهمين بارتكاب الجرائم التي تندرج عادة ضمن جرائم الإبادة الجماعية كما تعرفها اتفاقية 1998، أو الجرائم ضد الإنسانية التي ترتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد مجموعة من السكان المدنيين بما في ذلك القتل العمد والاسترقاق والاغتصاب والاستعباد الجنسي والإجبار على ممارسة الدعارة والعمل القسري، أو جرائم الحرب التي تتضمن انتهاكا جسيما لمبادئ القانون الدولي الإنساني كما تحددها اتفاقيات جنيف الأربعة لسنة 1949، أو جرائم العدوان كذلك. وقد تم الانتهاء من صياغة القوانين المنظمة لها من قبل المجموعة الدولية منذ 17 يوليوز1998 في العاصمة الإيطالية روما التي احتضنت ندوة دولية لهذه الغاية. إن قرار المغرب بعدم المصادقة على القانون الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أثار كثيرا من الاستغراب لدى الرأي العام وأساسا لدى المنظمات الدولية والوطنية العاملة في مجال حقوق الإنسان التي كانت تتطلع إلى انضمام المغرب إلى لائحة الدول المصادقة عليها وليس إلى قائمة الدول الرافضة لها والتي تضم من بين ما تضم إسرائيل وأمريكا. فمن حيث الشكل، يمكن التساؤل عن السبب الذي حدا بالمغرب إلى أن يتراجع عن وعده الذي عبر عنه سنة 2000 بالمصادقة على هذه المؤسسة التي ستشكل لا محالة تدعيما للعدالة على المستوى الدولي؟ وإذا جاز لنا أن نصدق وزيرنا في الخارجية السيد بنعيسى، فإن مسؤولينا استهلكوا أكثر من ست سنوات ليكتشفوا في النهاية أن قوانين المحكمة الجنائية الدولية تتعارض مع ما ينص عليه الدستور رغم أن الوزير الأول السابق عبد الرحمن اليوسفي وافق مبدئيا على الانضمام إلى المجموعة الدولية في شأن هذه المحكمة في الثامن من شتنبر 2000. كما أن المجلس الدستوري هو الوحيد القادر على تقدير مدى ملاءمة مقتضيات هذه المحكمة مع فصول الدستور المغربي. فضلا عن هذا، فإن السفير المغربي بالأمم المتحدة سبق له أن أكد أمام اللجنة السادسة في جنيف إرادة المغرب في الانخراط في هذه المحكمة. غير أن التراجع الحالي عن كل هذه الوعود الرسمية يسيء فعلا إلى دبلوماسيتنا على الصعيد الدولي. ومن حيث الجوهر، لقد جاء القرار الرسمي المغربي بعدم المصادقة على القانون الدولي المحدث للمحكمة الجنائية الدولية تبعا لاتفاق سري يربطها مع الولاياتالمتحدةالأمريكية وفق ما جاء في عدد من الصحف الأمريكية ومنها الواشنطن بوسط التي تحدثت سنة 2003 عن وجود معاهدة سرية بين المغرب وبلاد العم سام يتم بصددها عدم الموافقة على إنشاء المحكمة. وهذا ما يشكل فعلا اعتداء على السيادة الوطنية للمغرب لاسيما حينما تؤثر دولة أجنبية على قراراته الخارجية. من جانب أخر، لقد سبق لهيئة الإنصاف والمصالحة المحدثة رسميا أن دعت المغرب على مستوى توصيات تقريرها الختامي إلى ضرورة مصادقة المغرب على القانون المحدث والمنظم للمحكمة الجنائية الدولية. غير أن القرار الأخير لوزارة الخارجية بعدم الانضمام إليها يعد التفافا واضحا على تلك التوصيات التي تم التوصل إليها لضمان عدم تكرار انتهاكات حقوق الإنسان التي شهدتها بلادنا طيلة الفترة 1956 و1999 في إطار ما يسمى بسنوات الرصاص. علما أن الانضمام إلى المعاهدة المؤسسة لهذه المحكمة يشكل ضمانة فعلية على عدم تكرار كل تلك الخروقات وانتهاء عهد الإفلات من العقاب ووضع الحد النهائي للاختطافات والتعذيب والاعتقال التعسفي وتقوية دولة الحق والقانون.فهل سيتراجع المغرب عن قراره القاضي بعدم تبني المحكمة الجنائية الدولية ويجسد بذلك إرادة حقيقية في السير قدما في المسلسل الديمقراطي الذي ما يزال متعثرا ؟____________________________________________* عضو المكتب التنفيذي للعصبة الأمازيغية لحقوق الإنسان.