قبل أيام من الانتخابات العامة التي شهدها المغرب أول أمس الأربعاء، ظهر محمد أمحجور، وكيل لائحة حزب العدالة والتنمية للانتخابات التشريعية بالدائرة المحلية طنجة – أصيلة، في لقاء مع أعضاء حزبه بُث على المباشر، وهو يردد بثقة كبيرة أن لا حزب يستطيع التفوق على "البيجيدي" في مدينة البوغاز، لكن الصفعة التي تلاقاها النائب الأول لعمدة طنجة المنتهية ولايته، كانت أقسى حتى من توقعات أشد المتشائمين. وتحولت طنجة إلى حالة انتخابية تستحق الدراسة، فالمدينة التي أعطت لحزب "المصباح" الأغلبية المطلقة في كل المقاطعات وفي المجلس الجماعي سنة 2015، والتي أعطته 3 مقاعد من أصل 5 في الانتخابات التشريعية سنة 2016 بإجمالي أصوات قياسي بلغ 60 ألف صوت، عاد ناخبوها ليسحبوا ممن تولوا تمثيلهم من "البيجيديين" كل ذلك، لدرجة أنهم عجزوا عن الحصول حتى على مقعد وحيد في مجلس النواب، بعدما انخفضت أصواتهم إلى العُشر تقريبا. ورغم أن ما أفرزته نتائج هذه الانتخابات وطنيا أثبتت أن حزب العدالة والتنمية تعرض لتصويت عقابي غير متوقع هو الأكثر إيلاما في تاريخ الاستحقاقات المغربية، إلا أن العديد من الأمور التي حدثت في طنجة كانت تشي مسبقا بأن الحزب ليس بخير، والكثير منها مرتبط بأمحجور نفسه، الرجل الذي كان يلقب ب"العمدة الفعلي" للمدينة والذي لم يكن يحظى، في المقابل، بنفس القبول والشعبية اللذان كان يحظى بهما قياديون آخرون محليا. ولم يكن خافيا على الأمانة العامة ل"البيجيدي" ولا القيادة المحلية والجهوية أن أمحجور ليس هو الخيار الأول لقواعد الحزب، لكن الأمر الذي ظل يستمد منه قوته التنظيمية هو تموقعه في تيار محمد البشير العبدلاوي، المحسوب بدوره على تيار سعد الدين العثماني، في مقابل تموقع منافسيه، وعلى رأسهم البرلماني ورئيس مقاطعة بني مكادة محمد خيي، في صف الأمين العام السابق عبد الإله بن كيران. وقبل الانتخابات، كانت الأوساط السياسية في طنجة تعلم يقينا أن حزب العدالة والتنمية ليس على قلب رجل واحد، لدرجة الصدام الحاد بين العبدلاوي وخيي، حتى أن هذا الأخير قرر عدم الترشح نهائيا سواء في الانتخابات الجماعية أو الجهوية أو التشريعية، ورغم أنه تحمل مسؤولية إدارة حملة الحزب محليا، إلا أن كل من تابع تطورات الأمور كان متأكد من أن الأمر لا يعدو أن يكون محاولة لإظهار حزب "المصباح" وكأنه متماسك الصفوف. وبدا أن الرهان على أمحجور ينطوي على مغامرة كبيرة منذ الإعداد للوائح الانتخابية، فإقليميا وقع اختيار القواعد على رئيس مقاطعة مغوغة، محمد بوزيدان، الصديق المقرب لخيي، لقيادة لائحة "البيجيدي" في الانتخابات التشريعية، لكن الأمانة الجهوية لجأت لبنود داخلية تسمح لها بتغيير هذا الترتيب بما يجعل أمحجور وكيلا وبوزيدان وصيفا، وكان يعني ذلك عمليا، واستنادا إلى القاسم الانتخابي الجديد، إبعاد الثاني نهائيا عن مجلس النواب. ووفق معطيات حصلت عليها "الصحيفة" من مصادر مقربة من الحزب، فإن هذا القرار في حد ذاته دفع بعض الأعضاء إلى حسم قرارهم بعدم إعطاء أصواتهم لحزبهم، بالإضافة إلى ما يمكن استقراؤه لدى الناخبين الآخرين، الذين لم يكتفوا فقط بالامتناع عن التصويت للائحة "المصباح" بل أحيانا التصويت ضدها، على اعتبار أنهم "يعاقبون" الرجل الذي لم يكونوا مرتاحين لطريقة تدبيره شؤون المدينة، ولا لعلاقاته مع شركات التدبير المفوض، وتحديدا "أمانديس" المكلفة بقطاع الماء والكهرباء. ومع ذلك، ظل قياديو حزب العدالة والتنمية في طنجة مقتنعين بأن مقعد أمحجور "مضمون" في هذه الانتخابات، ولم ينقشع هذا السراب إلا بعد فرز جل النتائج التي أظهرت أن الحزب حصد "الكارثة" في مدينة كانت تعد من أكبر معاقله على المستوى الوطني، ليتحول مقر الحزب الذي أعلن منه أمحجور نفسه، بثقة كبيرة، أن "البيجيدي" سيتصدر الانتخابات دون منافس، إلى ما يشبه دار عزاءٍ يسودها صمت رهيب.