برز اسم، أرانتشا غونزاليس لايا، وزيرة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون في الحكومة الإسبانية الحالية، كأحد أبرز عوامل تعقيد الأزمة بين الرباطومدريد، بعدما كانت وراء فكرة دخول إبراهيم غالي، زعيم جبهة "البوليساريو" الانفصالية إلى إسبانيا للعلاج بهوية مزورة، وبعدما تسببت تصريحاتها في تعقيد الأمور عقب أزمة المهاجرين غير النظاميين الذين دخلوا سبتة، الأمر الذي جعل بقاء "وزيرة تكنوقراطية" على رأس الدبلوماسية الإسبانية مسألة مشكوكا فيها. والمتابعون لمخاض تشكيل حكومة بيدرو سانشيز الثانية التي خرجت للوجود في يناير من سنة 2020 بعد انتخابات نونبر 2019 السابقة لأوانها، التي لم تمنح الحزب الاشتراكي العمالي الأغلبية المطلقة، يعلمون أن غونزاليس لايا لم تكن الاسم المفضل لرئيس الوزراء لحمل حقيبة الخارجية، إذ كان يميل أكثر إلى السياسي المخضرم والهادئ القادم من كاتلونيا، جوسيب بوريل، الذي كان بالفعل وزيرا للخارجية الإسبانية من يونيو 2018 إلى نونبر 2019. لكن بوريل المفعم بالتجربة والقدرة على تدبير الأزمات، التي اكتسبها منذ أن كان وزيرا للأشغال العمومية والنقل والبيئة ما بين 1991 و1996، في عهد رئيس الحكومة الاشتراكي الأول في تاريخ إسبانيا ما بعد الانتقال الديمقراطي، فيليبي غونزاليس، ثم من خلال ترؤسه للبرلمان الأوروبي ما بين 2004 و2007، سيعود إلى الساحة السياسية الأوروبية مجددا ابتداء من دجنبر 2019 بعدما اختير في منصب الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية. وستلعب الأقدار لعبتها لتصل أرانتشا غونزاليس لايا إلى هذا المنصب، فالسيدة التي لم تكن لها أي تجربة حكومية سابقة، والقادمة من عوالم الاقتصاد لا الدبلوماسية، حيث كانت المديرة التنفيذية لمركز التجارة الدولية التابع للاتحاد الأوروبي، ستُطرح ضمن التشكيلة الحكومية لبيدرو سانشيز كوزيرة خارجية "تكنوقراطية" ليس لها أي انتماء حزبي، في محاولة من رئيس الوزراء لتقليص ضغط المعارضة المسلط عليه كونه كان يستعد لتشكيل حكومة أقلية عددية. وكانت الخلفية الاقتصادية مع ضعف القدرات الدبلوماسية لوزير الخارجية الإسبانية، منطلق الأزمة مع المغرب، الأمر الذي أكدته صحيفة "إلباييس" قبل أيام حين أوردت أن لايا وافقت على طلب وزير الخارجية الجزائري صبري بوقدوم بإدخال غالي إلى إسبانيا أواخر مارس الماضي لأنها استحضرت أن الجزائر هي المزود الأساس لبلادها بالغاز الطبيعي، بينما كشفت صحيفة "إلموندو" أن وزير الداخلية، فرناندو غراندي مارلاسكا، حذرها وحذر معها حكومة مدريد من أن هذه الخطوة ستُسبب أزمة مع الرباط، وهو ما حصل بالفعل. ولم تستمع لايا إلى نصيحة وزير الداخلية ولا حتى إلى توصية وزيرة الدفاع مارغاريتا روبليس، التي طلبت إخبار الرباط مسبقا بهذه الخطوة تفاديا للأزمة، وفق ما نقلته "إلباييس"، معتقدة أن الرباط لن تعرف باتفاقها مع نظيرها الجزائري القاضي بإدخال زعيم البوليساريو إلى الأراضي الإسبانية بجواز سفر دبلوماسي جزائري مزور يحمل اسما مستعارا، لتجد نفسها في مأزق حقيقي عند افتضاح الأمر، ليس فقط مع المغرب، بل أيضا مع القضاء الإسباني وضحايا غالي الحاملين للجنسية الإسبانية. واضطرت لايا للاعتراف لأول مرة بوجود غالي على الأراضي الإسبانية في 23 أبريل 2021، معتقدة أن الحديث عن أن دخوله كان بناء على "دوافع إنسانية لتلقي العلاج" سيُسهم في طي الأزمة سريعا، مشددة على أن مدريد "لا تعترف بصفة رئيس الجمهورية الصحراوية" التي يطلقها على نفسه، وبدت واثقة من نفسها وهي تؤكد أن ما جرى "لن يشوش على العلاقات مع المغرب"، وهي التصريحات التي بُنيت على تقدير سيء لا زالت تبعاته مستمرة إلى الآن. لكن الأزمة الراهنة، لم تكن سوى الحلقة الأخيرة من حلقات مسلسل الأزمات الذي تسببت فيه وزيرة "الصدفة" في حكومة سانشيز للعلاقة بين الرباطومدريد، فهي نفسها التي عجلت بإعلان رفض بلادها الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء في عهد الرئيس دونالد ترامب وتعهدت بمناقشة التراجع عنه مع فريق الرئيس الجديد جو بايدن، ما كان السبب الرئيس في الشرخ الدبلوماسي في العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا. وبعد ذلك، رفضت لايا استقبال السفيرة المغربية كريمة بن يعيش بعد استدعائها من طرف الخارجية الإسبانية على خلفية تصريحات رئيس الحكومة المغربي سعد الدين العثماني بخصوص "مغربية سبتة ومليلية"، وأحالتها على كاتبة الدولة في الحكومة الإسبانية المكلفة بالشؤون الخارجية، كريستينا غالاش، في خطوة ذات دلالات دبلوماسية سلبية دفعت الرباط لاستدعاء سفيرته بشكل غير معلن، قبل أن تأتي "خطيئة" استقبال غالي التي أدخلت البلدين في أزمة هي الأسوأ منذ قضية جزيرة ليلى في 2002.