هل أنت مؤذن في جامع أم مرشح لانتخابات رئاسية؟ واحد من أسئلتي التي أمطرت بها المرشح لانتخابات الرئاسة في مصر محمد مرسي في مقابلة تلفزيونية على الهواء صيف 2012. مناسبة السؤال أن مرسي أحد قيادات الإخوان المسلمين الذي كان يخوض وقتها الانتخابات في مواجهة محمد شفيق، آخر رئيس وزراء في عهد حسني مبارك، رفع أذان إحدى الصلوات في تجمع انتخابي لأنصاره ثم أمّهم في الصلاة. كان يفترض أن تكون لي مقابلة بنصف ساعة مع كل مرشح على الهواء لكن شفيق اعتذر فيما قبل مرسي. لم أكتف بسؤالي أعلاه بل كانت كل المقابلة على هذا النحو، حتى أني سألته عما إذا كان الاختيار بينه وبين شفيق كالاختيار بين الكوليرا والطاعون كما وصفه بعضهم. لم يغضب ولم يحتج على هذه النوعية من الأسئلة التي طبعت جل المقابلة التي لم تستغرق سوى عشرين دقيقة تقريبا لأن مرسي وصل متأخرا إلى موعد المقابلة على الهواء، وكالعادة فازدحام المرور الذي لا يطاق في القاهرة هو عذر المصريين الدائم. لاشك عندي وقتها أن مرسي، رحمه الله، الذي انتقل إلى جوار ربه أمس الأول وهو يمثل أمام المحكمة فوجئ كثيرا بالطابع «الصدامي» وحتى «العدواني» للأسئلة لكنه لم يتبرم لا خلال المقابلة ولابعدها، خاصة وقد عرفت شاشة «الجزيرة» بوقوفها القوي إلى جانب ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 التي أسقطت مبارك. تحمّل ذلك مرشحا وتحمّله أيضا رئيسا عندما أجرت معه زميلتي خديجة بن قنة مقابلة مطوّلة في حين أن غيره قد ينسحب من هذا النوع من المقابلات أو على أقل تقدير ينفعل غاضبا خلالها من محاولات إحراجه وحشره في الزاوية. روح التحمّل هذه طبعت كذلك موقفه طوال عام كامل من حكمه التي هاج فيها كثير من الإعلام المصري وماج ضده بالحق والباطل. بلا شك، كانت كثير من سياسات مرسي تدعو إلى النقد والنقد الشديد في مجالات مختلفة لكن ذلك لا ينفي أن كثيرين ناصبوه العداء منذ اليوم الأول متصيدين كل كبيرة أو صغيرة في السياق الصحيح أو المتعسف، لايهم. هنا التقى عليه من كانت لديه وجاهة في انتقاداته حرصا على الثورة ومنعا لاستئثار تيار الإخوان بها، مع أنصار نظام مبارك الحاقدين على كل ما له علاقة بالثورة التي أسقطت صاحبهم وهزت عروش فسادهم المستفحل لثلاثة عقود، مع خليط من الاثنين دخل عليه ثنائي الثورة المضادة، السعودية والإمارات، فأغرقه بالمال ضمن خطة ممنهجة ومصممة على إجهاض الثورة المصرية وما تحمله من آمال طموحة في تغيير مجمل المشهد العربي، فعندما تكون مصر هي القاطرة تتغير كل المعطيات. سقط كثيرون في الفخ، بعضهم بحسن نية، مع الاستياء الذي خلفته سياسات الإخوان واختياراتهم في الحكم، وأحسبهم الأغلبية، وبعضهم الآخر عن وعي وإدراك ونية مسبقة للانقلاب على كل قيم ثورة يناير/كانون الثاني مفتعلين سردية جديدة لما سمي بثورة 30 يونيو/حزيران فكان أن آلت الأمور في النهاية إلى طمس الأولى ونسيان الثانية التي لم تكن أكثر من «حصان طروادة» لتنفيذ ما كان يحاك في القاهرة و الرياض وأبوظبي. في نيويورك التقيت بمقدم البرنامج الأشهر في مصر بعد الثورة باسم يوسف في الحفل الذي سيسلم فيه جائزة «لجنة حماية الصحافيين». كان ذلك بعد الإطاحة بمرسي وتسلم العسكر زمام الأمور بقيادة عبد الفتاح السيسي بعد أن كرر مرارا بأنه لا يريد حكما ولارئاسة وبأن الغيرة على الوطن والتضحية بكل شيء من أجل إنقاذه هي التي دفعته إلى الانقلاب على الشرعية وما أفرزته أول انتخابات حرة وتعددية من فوز أول رئيس مدني للبلاد. وقفنا في دردشة مطولة عن الإخوان والثورة والجيش فقلت له: ما تحمّله الرئيس مرسي طوال عام كامل منك ومن برنامجك «البرنامج» من سخرية بكل ما كان يفعله أو يقوله، لم يتحمله منك السيسي لشهر واحد لا غير. فأجاب: صحيح!! وأضفت بأن ما يقوم به حاليا الشاب يوسف حسين في برنامجه الساخر «جو شو» من نقد للحكم الجديد هو ما كان يفترض أن يقوم به هو شخصيا درءا لتهمة استغلاله وتوظيفه لإسقاط مرسي ليس أكثر فوافق على ذلك للأمانة بل وأشاد بما يقوم به يوسف الثاني. لم يكن باسم يوسف وحده من دفع ثمن صعود السيسي بل حتى الذين وقفوا معه بكل ابتذال وصفاقة فقد ظنوا أنهم اعتمدوا رسميا «جوقة كورال» مصاحبة له لكن الرجل لا يعشق سوى العزف المنفرد الذي يريده أن تعقبه آهات الاستحسان والتصفيق. كل مقدمي الحوارات السياسية الذين شهّروا بمرسي وسخروا منه وتطاولوا عليه لم يقبض على أي منهم أو يزج بأي منهم في السجون في حين لم يرحمهم السيسي أبدا وهم من هللوا له وسبحوا باسمه بكرة وأصيلا. أزاح معظمهم بعد أن استخدمهم شر استخدام لكنه أبقى على بعضهم ممن هم الأحطّ مستوى مهنة وأخلاقا. التحق مرسي بجوار ربه فأصبح جزءا من التاريخ الذي يفترض أن يخوض فيه المنصفون بلا حماسة أيديولوجية مسبقة ولا أحقاد جاهزة، أما الصحافيون فمن واجبهم أن يترحموا عليه ويقدروا عهده الذي لم يقمعهم أو يلاحقهم. وما تبقى من جوقة السيسي من «الإعلاميين» الذين لم يتورعوا حتى في الشماتة في موته فقد ازدادوا سقوطا في حفرة لا قرار لها. المصدر: القدس العربي