في 12 مارس الجاري خرج للعلن ملف كان قبل ذلك محصورا في منطقة حدودية نائية بشرق المملكة، عندما تظاهر المئات من المواطنين المغاربة احتجاجا على قرار السلطات الجزائرية إخلاءهم من أراضيهم الفلاحية بواحة "العرجة"، بعد أن دخل ممثلوها إلى المنطقة رفقة عناصر من الجيش، حسب روايات محلية، ليخطروا الفلاحين بأن يوم غد الخميس 18 مارس 2021 سيكون هو آخر أجل لهم للخروج من المنطقة التي وصفوها بأنها تابعة للأراضي الجزائرية. وفي ظرف حساس تعيش فيه العلاقات بين المغرب والجزائر إحدى أصعب فتراتها منذ العملية الميدانية للقوات المسلحة الملكية في منطقة الكركارات، التي انتهت بطرد عناصر جبهة "البوليساريو" الانفصالية من هناك بتاريخ 13 نونبر 2020، أشهرت السلطات الجزائرية معاهدة خط الحدود بين البلدين الموقعة بتاريخ 15 يوليوز 1972 لتواجه بها وثائق ملكية المواطنين المغاربة لتلك الأراضي والتي يعود أقدمها إلى ثلاثينات القرن الماضي، عندما كانت منطقة الصحراء الشرقية ككل جزءا من أراضي المملكة. اتفاقية أعطت "العرجة" للجزائر والاتفاقية التي تعتمد عليها الجزائر جرى عقدها بين الملك الراحل الحسن الثاني وهواري بومدين بصفته رئيسا مجلس الثورة ورئيس مجلس الوزراء للجمهورية الجزائرية، ووقعها عن الجانب المغربي أحمد بن هيمة، بصفته وزيرا للشؤون الخارجية، أما عن الجانب الجزائري فوقعها عبد العزيز بوتفليقة، بصفته عضوا في مجلس الثورة ووزيرا للخارجية، وهي وإن كانت تعود لسنة 1972 فإن البرلمان المغربي لم يصادق عليها إلا في 28 ماي 1992 ونُشرت في العدد 4156 من الجريدة الرسمية بتاريخ 24 يونيو من العام نفسه. والفقرة التي تستند إليها الجزائر لضم أراضي واحة "العرجة" هي التي تنص على التالي: "وتسير (الحدود) عبر خط القمم مارة بالنقطة المرقومة 1544 . 1026، (جبل ملياس) وتمر بعد ذلك بخط القمم على المرتفعات التي تفصل واحات بني ونيف وفجيج، متجنبة منطقة الكثبان الرملية شرق هذه القرية مارة بالواد غير المسمى حتى التقائها بواد حلوف، تابعة هذا الواد شمالا حتى رأس بني سمير". ومكمن القوة في طرح الجزائري هو أن أراضي العرجة توجد على الطرف الجزائري من الوادي الفاصل بين البلدين، وهي عمليا جزء من دائرة بني الونيف تابعة لولاية بشار، وليست جزءا من إقليم فجيج كما كان يعتقد مستغلوها، ونص الاتفاقية يؤكد أن هاتين المنطقتين منفصلتان حدوديا، فالأولى تابعة للجزائر والثانية تابعة للمغرب، وهو النص الذي لم يستحضر وضع مالكي الأراضي الموجودة على مواقع التماس الحدودية. الرواية الجزائرية: استغلال بموافقة الرئيس لكن إذا كانت تلك الأراضي تابعة للتراب الجزائري، فإن السؤال الذي يطرح نفسه في هذه الحالة هو: لماذا سمحت الجزائر للفلاحين المغاربة باستغلالها طيلة العقود الماضية، لدرجة أنهم اعتقدوا أنها تقد داخل الحدود المغربية؟ والجواب عن ذلك وفق الرواية الجزائرية التي نشرتها صحيفة "الخبر" المقربة من دوائر القرار هناك، يعود إلى حقبة الرئيس الراحل الشاذلي بن جديد، الذي تم في عهده عمليا ترسيم الحدود. والتزمت الجزائر مع المغرب، آنذاك، على "ترك العائلات المغربية القليلة المستقرة في المنطقة بمواصلة الزراعة في منطقة العرجة، التي تقع خلف الوادي الذي يفصل البلدية لظروف إنسانية"، ووفق الرواية الجزائرية، فإن التحرك جاء بعد أن علمت السلطات بأن الفلاحين المغاربة "استولوا على أراضي موقع العرجة، ونقلوا إليها شتلات الأشجار المثمرة ومنها النخيل، وكذا مواد البناء ولم تتدخل سلطات إقليم فجيج لمنعهم". وقالت السلطات الجزائرية إنه "بالنظر لعدم تدخل السلطات المغربية، تنقلت السلطات المدنية والأمنية لولاية بشار في 10 مارس الماضي إلى موقع العرجة، وطلبت من الفلاحين حمل عتادهم وأمتعتهم ومغادرة المنطقة، وأمهلتهم إلى غاية يوم الخميس 18 مارس 2021"، وفي المقابل نفت أن يكون لدى الفلاحين المغاربة وثائق تؤكد ملكيتهم لتلك الأراضي استنادا إلى كون المغرب "لم يظهر أي وثيقة عرفية أو رسمية تفيد بذلك خلال مفاوضات ترسمي الحدود". اتفاق 1961 مرة أخرى ويبدو أن الرواية الرسمية المغربية بخصوص موقع الواحة لا تختلف عن نظيرتها الجزائرية، فوفق شهادات سكان نشطاء مدنيين بالمنطقة، فإن سلطات إقليم "فجيج" أخبرت بالفعل مجموعة من المتضررين بأن الأراضي واقعة على الجانب الجزائري من الحدود، وهو الأمر الذي أكده ضمنيا أول بلاغ صادر عن وزارة الداخلية، عبر عمالة إقليم فجيج، يوم أمس الثلاثاء، والذي تطرق إلى القرار الجزائري وكأنه "أمر واقع" مع وصفه ب"المؤقت والظرفي". وجاء في بلاغ عمالة فجيج أن عامل الإقليم التقى مستغلي تلك الأراضي من أجل "تدارس الحلول الممكنة للتخفيف من تداعيات القرار السالف الذكر"، موردا أن "السلطة الإقليمية وبتنسيق وتشاور مستمرين مع الهيئات التمثيلية للجماعة السلالية ومستغلي الأراضي الفلاحية المعنية بقرار السلطات الجزائرية، ستبقى منكبة على دراسة وإعداد صيغ حلول تأخذ بعين الاعتبار كافة الاحتمالات الواردة". لكن السلطات الإقليمية بفجيج لم تتطرق إلى الوثائق الذي يقول المتضررون أنهم يتوفرون عليها والتي تثبت ملكيتهم للأراضي، وهي الوثائق التي تجعلهم، على الأقل، أصحاب ممتلكات في بلد أجنبي وفق ما ورد في الإعلان المتعلق بحقوق الإنسان للأفراد الذين ليسوا من مواطني البلد الذي يعيشون فيه، المعتمد بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 40/144 في 13 دجنبر 1985، والذي تنص المادة التاسعة منه على أنه "لا يحرم الأجنبي على نحو تعسفي مما اكتسبه من أموال بطريقة قانونية". ويذكر تغييب هذا الأمر بأصل المشكلة، وهو اقتطاع السلطات الاستعمارية الفرنسية لمنطقة الصحراء الشرقية من التراب المغربي وضمها للحدود الجزائرية، وهي المنطقة التي تضم حاليا ولايتي تندوف وبشار، هذه الأخيرة التي تنتمي إليها واحة العرجة، وكان اتفاق الرباط في 6 يوليوز 1961 بين الملك محمد الخامس ورئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة، فرحات عباس، قد تضمن اعترافا من هذا الأخير بأن الضم تم ب"صفة جائرة" وتعهدا منه بحل المشكلة بعد استقلال بلاده، لكن في 1963 تملص الرئيس أحمد بن بلة من هذا الاتفاق متشبثا ب"الحدود الموروثة عن الاستعمار".