كتبت وثيقة عبد الإله بن كيران، التي نشرها اليوم الخميس معلنا فيها تجميد عضويته في حزب العدالة والتنمية وإنهاء علاقته بمجموعة من قيادات الحزب، وعلى رأسهم رئيس الحكومة الحالي سعد الدين العثماني، آخر فصول الصراع الداخلي الذي يغرق فيه منذ 4 سنوات الحزب الذي يقود الحكومة المغربية منذ 2012، حيث مثلت مصادقة المجلس الحكومي على القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة لنبتة القنب الهندي بداية الطلاق البين بين رئيس الحكومة السابق و"البيجيدي". وشهد الصراع 3 مراحل أساسية، الأول كان في 2017 وخلاله كان ابن كيران يتفادى الصراع المباشر مع قيادات حزب العدالة والتنمية بعد أن أعفاه الملك محمد السادس من تشكيل الحكومة، أما في المرحلة الثانية فكانت في غشت من سنة 2019 تزامنا مع مناقشة القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، وحينها شرع رئيس الحكومة السابق في توجيه الانتقادات العلنية ل"إخوانه" في الحزب، فبل أن تصل الأمور إلى القطيعة في 2021. بداية الخصومة مع "تيار الاستوزار" وبدأ الصراع بين ابن كيران وقيادات "البيجيدي" يطفو على السطح بعد إعفائه من تشكيلا الحكومة، وتحديدا 17 مارس 2017 حين عين الملك محمد السادس يعد الدين العثماني، الذي كان حينها رئيسا للمجلس الوطني للحزب، رئيسا جديدا للحكومة لإنهاء 5 أشهر من الأزمة التي سميت إعلاميا ب"البلوكاج الحكومي"، وعندها كان التحديان اللذان يواجهان العثماني هما قبول التكليف الملكي أولا ثم تشكيل الحكومة مع التحالف الرباعي المكون من حزب التجمع الوطني للأحرار والاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ثانيا. وحسم الحزب قراره بالاستمرار في ترؤس الحكومة بقرار من الأمانة العامة، لكن النقطة التي أفاضت الكأس كانت هي قبوله أيضا بوضع يده في يد التحالف الرباعي الذي كان يقوده وزير الفلاحة والصيد البحري والأمين العام الجديد آنذاك لحزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، وهو الذي كان ابن كيران يذكره بأن "125 مقعدا أكبر من 47" في إشارة لرفض تحكمه في تشكيل الحكومة، لكن الأسوأ كان القبول بدخول الاتحاد الاشتراكي للحكومة وهو الأمر الذي كان رئيس الحكومة السابق يصنفه كخط أحمر مرددا عبارته الشهيرة في حق كاتبه الأول "إذا دخل لشكر للحكومة أنا ماشي عبد الإله". أما الجزء الثاني من الصراع فانطلق بعد ذلك، حين برزت دعوات لتغيير القوانين الداخلية لحزب العدالة والتنمية بما يسمح لابن كيران بالترشح لولاية ثالثة على رأس الأمانة العامة خلال المؤتمر الوطني الذي انعقد في دجنبر 2017، وحينها برز تياران، الأول سمي ب"تيار ابن كيران" والذي كان يساند فكرة بقائه على رأس الحزب، أما الثاني فأُطلق عليه "تيار الاستوزار" لكونه تشكل أساسا من أشخاص نالوا حقائب وزارية في حكومة العثماني، وعلى رأسهم مصطفى الرميد وعزيز الرباح ولحسن الداودي ومحمد نجيب بوليف، وهو التيار الذي كانت له الغلب في النهاية بضمان انتخاب سعد الدين العثماني أمينا عاما جديدا. صراع حول "فرنسة" التعليم وبعد هدوء نسبي مطبوع بشبه قطيعة بين ابن كيران وجل قيادات "البيجيدي"، عادت المواجهة بين الطرفين إلى الواجهة من جديد سنة 2019 عند مناقشة القانون الإطار المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي، والذي أصر رئيس الحكومة السابق على تسميته ب"قانون فرنسة التعليم"، معتبرا أنه "يستهدف اللغة العربية والهوية المغربية"، لكن الصراع هذه المرة لم يقتصر على الرسائل المبطنة بل تعمد ابن كيران تسمية "خصومه" بأسمائهم. واعتبر الأمين العام السابق ل"البيجيدي" في إحدى خرجاته الإعلامية أن سعد الدين العثماني، إلى جانب مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، "ارتكبا خطأ جسيما" بقبول هذا القانون معلقا "الرميد رجل قانون ويفهم ما معنى الخطأ الجسيم"، وأورد أن هذين الاسمين يتحملان المسؤولية بخصوص هذا الموضوع داخل الأمانة العامة للحزب، ولم يتردد في وصف موقفهما ب"العار" كونه "أهدى العربية في المواد العلمية للغة الاستعمار". وخلال هذه الفترة لم يتردد ابن كيران في إعلان تحديه لقيادات الحزب والتنبؤ بأن مآله في عهدهم سيكون "سيئا"، إذ أورد أن تصويت نواب البيجيدي على المشروع "سينعكس على شعبية الحزب"، منتقدا عدم تحملهم "الضغوط" في قضية تتعلق ب"المبادئ" والرجولة" على حد وصفه، وفي إحدى تصريحاته بعد المصادقة على مشروع القانون خاطب رئيس الحكومة بشكل مباشر قائلا "العثماني يعتبر ذلك انتصارا علي، هو حر في ذلك لكنني أقول له إن الانتصار الحقيقي يجب أن يكون في الانتخابات المقبلة". "الكيف" الذي أشعل الحرب وفي الوقت الذي كان الكثيرون يتوقعون أن يصل الصدام ذروته عقب توقيع العثماني اتفاقية عودة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل أواخر دجنبر الماضي، كانت المفاجأة هي دفاع ابن كيران على رئيس الحكومة باعتبار أن قرار "التطبيع" اتخذه رئيس الدولة أي الملك، مشددا على كونه "أدرى بمصلحة الوطن ويجب احترامه"، لكن بعدها بأسابيع سيبرز مشروع القانون المتعلق بالاستعمالات المشروعة للقنب الهندي، والذي سيكون نقطة تحول حاسمة في علاقة ابن كيران بحزب "المصباح" ككل. وفي فاتح مارس الجاري بدأت بوادر الصدام العلني بمراسلة من ابن كيران للأمانة العامة جاء فيها "بصفتي عضوا في المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، أعلن أنه في حالة ما إذا وافقت الأمانة العامة للحزب على تبني القانون المتعلق بالقنب الهندي (الكيف) المعروض على الحكومة، فإنني أجمد عضويتي في الحزب المذكور، وفي حال ما إذا صادق ممثلو الحزب في البرلمان على القانون المذكور فسأنسحب من هذا الحزب نهائيا". لكن اليوم الخميس ومباشرة بعد مصادقة المجلس الحكومي على مشروع القانون، لم يكتف ابن كيران بإعلان تجميد عضويته، بل أعلن بعبارات صريحة قطع علاقته بالعثماني إلى جانب مصطفى الرميد ولحسن الداودي وعبد العزيز الرباح ومحمد أمكراز، فاتحا بذلك الباب على مصراعيه لطلاق بائن مع البيجيدي يمكن أن يؤدي إلى انشقاق في صفوف الحزب.