"إذا منحت إسبانيا الاستقلال للصحراء فيصبح المكان مليئا بالثوار الروس والصينيين في غضون سنتين"، بهذه العبارة خاطب الملك الراحل الحسن الثاني وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر خلال لقائهما في الرباط يوم 15 أكتوبر 1974 للحديث عن موقف المغرب الرافض لقرار إسبانيا إقامة استفتاء لتقرير المصير في المنطقة، حيث كان العاهل المغربي متأكدا أن إقامة دولة هناك سيعني إحاطته كل حدوده البرية بجيوب اليسار الثوري الحائز على الدعم السوفياتي في ذروة الحرب الباردة. هذا الأمر كان واضحا أيضا خلال حرب الصحراء التي بدأت سنة 1975 بتوفر جبهة البوليساريو على دعم مالي سخي من ليبيا ولوجستي من الاتحاد السوفياتي وكوبا وميداني من الجزائر، قبل أن يأذن انهيار المعسكر الشرقي إلى جانب نجتح خطة الجدار الرملي العازل الذي بناه المغرب، بتوقيع وقف إطلاق النار سنة 1991 وبدء مسلسل التسوية السياسية تحت إشراف مباشر من الأممالمتحدة. وبمرور الزمن أصبح المغرب يواجه مطالب البوليساريو بتنظيم استفتاء من أجل الانفصال وتأسيس دولة مستقلة في الصحراء، وكذا تلويحها المستمرة بالعودة إلى ما تسميها "حرب التحرير"، بالقول إن قياديي الجبهة لا زالوا يعيشون في حقبة الحرب الباردة، وإن الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية اختلفت كثيرا عن تلك الفترة، الأمر الذي أضحى يجد سنده حتى في حديث سياسيين ينتمون لليسار، الحليف التقليدي للبوليساريو عند تأسيسها. المنصف المرزوقي أحد اليساريين الثوريين البارزين في العالم العربي الذين أعلنوا إيمانهم بأن انفصال الصحراء عن المغرب أمر أضحى متجاوزا، ليس سوى المنصف المرزوقي، أول رئيس منتخب ديموقراطيا للجمهورية بعد ثورة الياسمين في 2011، الذي علق على استمرار وجود الصحراويين في تندوف بأنه نتاجُ "الخيار السياسي الخاطئ للنظام الجزائري"، واصفا إياهم ب"الرهائن"، واعتبر أن حديث الجزائر عن "حربِ تحريرٍ ضد المحتل المغربي وعن إقامة دولة صحراوية مستقلة، كلام مردود على أصحابه، فلن يكون هناك مستقبل لهم في هذا الإطار". وبدا المرزوقي واضحا في إعلان قناعاته عقد التدخل العسكري المغربي لإعادة فتح معبر الكركارات الحدودي مع موريتانيا، حيث دعا الصحراويين إلى "التوقف عن السعي وراء وطن وهمي لن يوجد يوما، لأنه سيؤدي إلى حرب طاحنة في المنطقة لن يخرج منها أحد سالما"، وعوض ذلك اقترح عليهم العيش في "ثلاثة أوطان عوض وطن واحد، الأول هو الصحراء في إطار الحكم الذاتي، والثاني هو المغرب، والثالث هو الاتحاد المغاربي"، ليخلص إلى أن "النظام الجزائري المتهالك الذي كان سببا في الوضع الحالي لشعب الجزائر، يبيع للصحراويين الوهم، وهذه إحدى جرائم هذا النظام الذي أجرم أيضا في حق الاتحاد المغاربي". خوسي لويس رودريغيز ثاباطيرو ويبدو أن "استقلال الصحراء" لم يعد خيارا مقنعا حتى للطيف الأكبر من اليساري الإسباني ممثلا في الحزب الاشتراكي العمالي الذي يقود حاليا حكومة البلد الذي كان يحمل صفة "المستعمر السابق"، وهو ما يبدو من خلال الرد الصريح لوزيرتي الخارجية والدفاع الإسبانيتين على دعوة بابلو إغليسياس، النائب الثاني رئيس الحكومة وزعيم حزب "بوديموس" اليساري الراديكالي، لإجراء استفتاء تقرير المصير، حين ذكرتاه بأن القضايا الخارجية ليست من اختصاصه وبأن موقف الحكومة من ملف الصحراء لن يتغير. لكن التحفظ الدبلوماسي على تقديم دعم صريح للمقترح المغربي بمنح المنطقة حكما ذاتيا كحل نهائي للصراع، لم يستحضره رئيس الوزراء الاشتراكي الأسبق خوسي لويس رودريغيث ثاباتيرو وهو يتحدث لإحدى القنوات الإسبانية مؤخرا عن هذا الموضوع، فبالنسبة له هذا المقترح "يعد حلا طموحا وعقلانيا ويضمن حقوق الصحراويين"، وفي المقابل فإن ما يجب رفضه هو اللجوء إلى العنف أو المواجهة العسكرية التي تلوح بها الجبهة الانفصالية، لأن "المفاوضات هي السبيل الوحيد للحل" حسب الزعيم السابق للحزب العمالي الإسباني. مانويل فالس كثيرون يصفون مانويل فالس، رئيس وزراء آخر حكومة فرنسية اشتراكية في عهد الرئيس السابق فرانسوا هولاند، بأنه "رجل براغماتي"، حيث إن المصلحة عنده دائما مقدمة على الإيديولوجيا، وهو ما يبدو جليا من خلال حديثه مع قناة إسبانية يوم 21 نونبر الماضي عن قضية الصحراء، حين اعتبر أن التهديد الحقيقي لأمن منطقة الساحل هو استمرار وجود جبهة "البوليساريو" التي لم يتردد في اتهامها بالتورط في عمليات تهريب الأسلحة والاتجار في المخدرات وحتى في البشر. فالس الذي كان وزيرا للداخلية في فرنسا والذي يشغل حاليا منصب عضو في مجلس مدينة برشلونة الإسبانية، المدينة التي ازداد فيها والتي منحته الجنسية الإسبانية، كان من بين من واجهوا دعوات حزب "بوديموس" الإسباني معتبرا أن مواقفه "غير مسؤولة"، بل مضى أبعد من ذلك حين اعتبر أنه "يغرد خارج السرب"، خالصا إلى أن "الحليف المهم لأوروبا هو المغرب، وهو الشريك المحوري في الحرب ضد الإرهاب (...) هناك الآلاف من الأشخاص المتطرفين في بلادنا ونحن في حاجة للتعاون مع البلدان الإفريقية وخاصة مع المغرب". ديلما روسيف لا تُخفي البرازيل الحالية، التي يرأسها جايير بولسونارو النقيب السابق في القوات المسلحة البرازيلية، دعمها الصريح للوحدة الترابية للمغرب، وهو ما يظهر أيضا من خلال الدعم العلني لبرلمانها لمقترح الحكم الذاتي كحل لقضية الصحراء، لكن الأمر لم يكن كذلك قبل بضع سنوات حين حاول برلمانيون يساريون دفع بلادهم للاعتراف ب"الجمهورية الصحراوية كما اعترفت بدولة فلسطين"، غير أن التي تصدت لذلك لم تكن سوى رئيسة البلاد وقتها ديلما روسيف، القادمة من حزب العمال الاشتراكي. ففي 2016 جمدت روسيف قرار من مجلس نواب بلادها ذي الأغلبية اليسارية الذي كان يدعوها للاعتراف ب"الدولة الصحراوية وربط علاقات دبلوماسية معها"، فالرئيسة اليسارية التي كانت تتابع عن كثب تراجع دعم الجبهة الانفصالية في أمريكا الجنوبية والوسطى فضلت الحفاظ على موقف بلادها الوسطي الرسمي من الصراع الذي يدعم الحل السياسي المتفاوض بشأنه، وهو ما سيقتنع به برلمانيون يساريون أيضا فيما بعد لكن بعد خروج روسيف من السلطة، حين سيوافقون على مقترح تقدم به مجلس الشيوخ لوزارة الخارجية من أجل دعم مقترح الحكم الذاتي.