إلى غاية مساء يوم أمس الثلاثاء، كان من الصعب أن يتخيل المتتبعون لملف العلاقات المغربية الإماراتية أن تكون العملية الدقيقة التي أجراها الملك محمد السادس على القلب يوم 14 يونيو الجاري، مناسبة لبروز الخلاف بين البلدين العربيين بشكل واضح وغير قابل للتأويل، لكن هذا ما حدث بالفعل عندما تفادت وكالة الأنباء الرسمية المغربية الحديث عن رسالة الرئيس الإماراتي للعاهل المغربي، أو لولي عهده، الشيخ محمد بن زايد، ثم لم يُشر الديوان الملكي إلى تلقيه أي مكالمة هاتفية من حكام أبو ظبي. ونشرت وكالة المغرب العربي للأنباء بلاغا للديوان الملكي، مساء أمس، الثلاثاء، يؤكد إجراء الملك محمد السادس لمكالمات هاتفية مع كل من العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وعاهل البحرين الملك حمد بن خليفة، في الوقت الذي لم تتم فيه الإشارة إلى تلقي الملك أي اتصال من أحد أفراد الأسرة الحاكمة في أبو ظبي. وإذا كان عدم ورود أي اتصال على العاهل المغربي من لدن رئيس دولة الإمارات الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان أمرا مفهوما بحكم الوضع الصحي الصعب الذي يعاني منه هذا الأخير منذ سنوات، فإن الغريب هو عدم قيام شقيقه وولي عهده محمد بن زايد بخطوة مماثلة، وهو الذي يوصف حاليا بأنه "الحاكم الفعلي" لتلك الدولة الخليجية، وما يزيد الأمر غموضا هو قيام حليفيه التقليديين بالمنطقة، حكام السعودية والبحرين، بالتواصل مع الملك مرارا للاطمئنان عليه. لكن هذا الأمر سبقته خطوة أخرى من المغرب تؤكد أن العلاقات بين البلدين ليست في أفضل حالاتها، بل تشي بتشنج العلاقات بين العائلتين الحاكمتين في الرباط وأبو ظبي، ذلك أن وكالة المغرب العربي للأنباء تفادت نشر برقيات التهاني التي تلقاها القصر الملكي من رئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد آل نهيان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، بمناسبة نجاح العلمية الجراحية التي خضع لها الملك، وهو ما ينسحب أيضا على برقية نائب رئيس الدولة حاكم دبي محمد بن راشد آل مكتوم. وفي الوقت الذي نشرت فيه وكالة الأنباء الرسمية المغربية جميع البرقيات المماثلة التي توصل بها الملك من زعماء الدول بهذه المناسبة، بمن فيهم حكام دول الخليج، تفادت نشر البرقيات القادمة من الإمارات التي لم تكشف عنها سوى وكالة الأنباء الرسمية هناك "وام"، والتي تلتها برقيات أخرى من شخصيات إماراتية عديدة من بينها منصور بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير شؤون الرئاسة، وحكام جميع الإمارات المكونة للاتحاد، وكلها لم تجد طريقها إلى النشر عبر المنابر الرسمية المغربية. وليست هذه هي المرة الأولى التي يتفادى فيها الإعلام الرسمي المغربي نشر أنشطة لحكام الإمارات لها علاقة بالمغرب، ففي 20 يناير الماضي زار ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد الملكَ محمد السادس في الرباط بشكل غير رسمي، مباشرة بعد مشاركة الأول في مؤتمر برلين حول الوضع في ليبيا، وهو اللقاء الذي انتشرت صورة واحدة له تم تداولها عبر منصات إماراتية، غير أن الأمر حينها لم يكن يكتسي طابع الرسمية عكس البرقيات الإماراتية الأخيرة. وظل المغرب يتفادى التصريح رسميا بوجود أزمة مع الإمارات بخصوص العديد من القضايا الإقليمية، حتى عندما تعلق الأمر بمس وحدته الترابية عبر وسائل إعلام مستقرة في الإمارات أو نشر أخبار زائفة عن وجود أزمة تغذية نتيجة تفشي جائحة كورونا عبر ما يعرف ب"الذباب الإلكتروني"، بل إن ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، سبق أن تفادى التطرق إلى أسباب سحب السفراء بين البلدين، وكان يجيب على أسئلة "الصحيفة" حول هذا الأمر بالقول "عليكم أن تسألوهم هم" قاصدا الإماراتيين. وتأتي هذه التطورات في خضم تضارب المواقف بين الرباط وأبو ظبي في العديد من القضايا الحساسة، وعلى رأسها الملف الليبي الذي يقف فيه الطرفان على النقيض تماما، فالمغرب جددا مؤخرا دعمه لمخرجات اتفاق الصخيرات وحكومة الوفاق المنبثقة عنه، مقابل معارضته الصريحة لما يعرف ب"إعلان القاهرة" الذي اقترحه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بحضور اللواء المتقاعد خليفة حفتر من أجل إقبار اتفاق الصخيرات، وهو الطرح الذي تدعمه الإمارات. وبرز هذا التباين بشكل كبير بعد تداول أنباء عن إعداد الرباط وأنقرة لزيارة قريبة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المغرب ولقائه بالملك، حيث سيكون الموضوع الليبي على رأس أجندة الزيارة، بالإضافة إلى سعي المغرب وتونس إلى بلورة موقف موحد من هذه القضية وهو ما اتضح من خلال استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد لناصر بوريطة الذي نقل له رسالة شفوية من الملك، علما أن وزير الخارجية المغربي كان قد أكد لنظيره الليبي الطاهر سيالة أن الرباط تعتبر اتفاق الصخيرات "المرجعية الأساسية لأي حل سياسي في ليبيا".