حملت وزارة العدل اليوم الأربعاء مفاجأة سارة من الملك محمد السادس للصحافية هاجر الريسوني وخطيبها والطاقم الطبي المتابع في قضيتها، بإعلان العفو عنهم وطي ملف قضية كلفت المغرب كثيرا في الأشهر الأخيرة، بعدما أعادت طرح علامات استفهام حول واقع الممارسة المهنية والحريات الفردية بالمملكة. وجاء في بلاغ لوزارة العدل أن الملك أصدر "عفوه الكريم على الآنسة هاجر الريسوني التي صدر في حقها حكم بالحبس والتي ما تزال موضوع متابعة قضائية"، موردا أن هذه الخطوة تندرج "في إطار الرأفة والرحمة المشهود بها للملك وحرصه على الحفاظ على مستقبل الخطيبين اللذين كانا يعتزمان تكوين أسرة طبقا للشرع والقانون، رغم الخطأ الذي قد يكونا ارتكباه، والذي أدى إلى المتابعة القضائية"، وأضاف أن العفو شمل أيضا "كلا من خطيب هاجر الريسوني والطاقم الطبي المتابع في هذه القضية". حرية الصحافة ومنذ بداية أولى فصولها أواخر شهر غشت الماضي، بمداهمة عيادة الطبيب المختص في أمراض النساء والولادة، محمد جمال بلقزيز، ووتوقيف الريسوني وخطيبها السوداني رفعت الأمين إلى جانب الطاقم الطبي الذي اتهم بمزاولة "الإجهاض السري"، طُرحت عدة علامات استفهام حول مدى ارتباط الأمر ب"هاجر الريسوني الصحافية بجريدة أخبار اليوم". ف"استهداف" الشرطة القضائية لعيادة الدكتور بلقزيز في الوقت الذي كانت تزوره فيه الريسوني، دونا عن باقي الفضاءات عبر المغرب التي تشهد يوميا العديد من عمليات الإجهاض السري، دفع المؤسسة الصحافية للريسوني لوصف الأمر ب"الانتقامي" وربطه ب"الحرب" التي ترى أنها تستهدف المؤسسة بدءا باعتقال مؤسستها توفيق بوعشرين وسجنه. غير أن الأمر لم يقف عند "أخبار اليوم"، فالعديد من وسائل الإعلام الدولية، خاصة الفرنسية والإسبانية والأمريكية منها، ربطت توقيف الريسوني بعملها الصحفي، وعادت إلى جملة من التحقيقات والتقارير التي كانت قد نشرتها، والتي تطرق فيها إلى مواضيع سياسية واقتصاية حساسة، مستحضرة أيضا الترتيب المتدني للمغرب في المؤشرات الدولية لحرية الصحافة. الحريات الفردية ومن أخرى أعادت قضية الريسوني، خاصة بعد إدانتها من طرف المحكمة الابتدائية بالرباط رفقة خطيبها بالحبس عاما نافذا، قضايا الحريات الفردية إلى الواجهة بقوة، وتحديدا ما يتعلق منها بالعلاقات الجنسية الرضائية والحق في الإجهاض، وذلك رغم أن هاجر ودفاعها والمقربون منها لم يعترفوا أنها مارست الإجهاض. ولم يتوقف الأمر عن حديث مجموعة من المعلقين على القضية عبر وسائل الإعلام عن "ضرورة مراجعة القوانين الجنائية المتعلقة بالحريات الفردية"، بل تطور إلى ائتلاف واسع انطلق من عريضة حملت اسم "خارجات عن القانون"، والتي أطلقتها المخرجة المغربية صونيا التراب والكاتبة الفرنسية من أصل مغربي ليلى السليمان، ونشرت مضامينها صحيفة "لومونود" الفرنسية. ووصل عدد الموقعين على العريضة أكثر من 10 آلاف شخص، ليوجه الائتلاف رسالة إلى النيابة العامة المغربية يطالبها "بالتوقف فورا عن تطبيق هذه القوانين الوحشية والتعسفية"، في إشارة إلى النصوص المتعلقة بالإجهاض والعلاقات الرضائية، موردة أن رئيس النيابة العامة "هو من يملك سلطة إصدار مذكرة لوقف تطبيق تلك القوانين". الإدانة المسبقة وفتح ملف الريسوني أيضا قضية "الإدانة المسبقة" لبعض المشتبه فيهم وعدم احترام "قرينة البراءة" المنصوص عليها دستوريا، وهو الأمر الذي اعتبرت جهات كثيرة أن النيابة العامة نفسها "تورطت" فيه هذه المرة، بإصدارها بلاغا يربط المعنية بالأمر ب"ممارسة الإجهاض والفساد". وجاء في بلاغ لوكيل الملك لدى المحكمة الابتدائية بالرباط أن اعتقال الريسوني "ليس له أي علاقة بمهنتها وأنه حدث بمحض الصدفة نتيجة لارتيادها لعيادة طبية كانت أساسا محل مراقبة بناء على معلومات كانت قد توصلت بها الشرطة القضائية حول الممارسة الاعتيادية لعمليات الإجهاض بالعيادة المعنية". وأوردت الوثيقة أن المتابعة تتعلق "بأفعال تعتبر في نظر القانون الجنائي جرائم، وهي ممارستها الإجهاض بشكل اعتيادي وقبول الإجهاض من طرف الغير والمشاركة في ذلك والفساد"، وهي العبارات التي وُصفت بأنها تمثل "إدانة قبلية" لشخص لا زال لم يُعرض بعد على المحكمة. لكم ما زاد الطين بلة هو تسريب جهة مجهولة لجميع محاضر الضابطة القضائية المتعلقة بالقضية وللصور التي تظهره فيها الريسوني بين يدي الشرطة لحظة القبض عليها، وأخرى لما قيل إنها آثار عملية الإجهاض، الشيء الذي لم تعلن النيابة العامة عن فتح أي تحقيق فيه رغم خطورته. قصر ملكي "تقدمي" وأعاد العفو الملكي على هاجر الريسوني إلى الأذهان الفكرة القائلة بأن القصر الملكي "يسير بخطوات أسرع على طريق الحداثة والحرية" مقارنة بالعديد من مؤسسات الدولة الأخرى، فبلاغ وزارة العدل أبرز تفهم الملك لوضع الثنائي الريسوني والأمين بوصفهما شابين مخطوبين مقبلين على الزواج، "رغم الخطأ الذي قد يكونا ارتكباه"، وهو ما لم تراعه لا النيابة العامة ولا المحكمة الابتدائية. وتجد هذه الفكرة سندا لها أيضا في عدم قيام المؤسسة الملكية منذ أمد طويل بمتابعة أي صحافي، على الرغم من أن بعض الكتابات تتطرق للحياة الشخصية للملك، فيما تسارع مؤسسات أخرى إلى المطالبة بحبس صحافيين حتى ولو لم تخالف كتاباتهم القوانين المنظمة للمهنة، كما هو الشأن بالنسبة لمجلس المستشارين الذي تابع رئيسه حكيم بنشماس 4 صحافيين لنشرهم أخبارا تتعلق بلجنة تقصي الحقائق في موضوع إفلاس الصندوق الوطني للتقاعد، وهي الأخبار التي اتضح أنها صحيحة. وكان القصر الملكي قد وُضع وجها لوجه أمام قضية الريسوني منذ الأيام الأولى، إثر خرجة الأمير هشام ابن عم الملك محمد السادس، الذي كتب على حسابه في الفيسبوك أن "مواطنة مغربية، وهي السيدة هاجر الريسوني، تعرضت لاعتداء فاضح، فقد جرى اتهامها بالإجهاض بينما تقرير طبي طالب به القضاء برأها رسميا، وبالتالي، فنحن أمام حالة خطيرة". وتابع الأمير الذي يصف نفسه ب"المبعد"، أن ما جرى "اعتداء على الحقوق الدستورية لهذه السيدة في بلد يرفع شعار دولة الحق والقانون، كما أن هذه الحالة خرق لروح تقاليدنا الإسلامية التي تصون أمور الناس بعيدا عن التشهير والتشنيع حماية لشرفهم"، وفي إشارة مباشرة للموقع الملك في الدولة، أضاف "هنا يكمن تاريخيا البعد المعنوي والروحي لإمارة المؤمنين في بلادنا". وأورد ابن عم الملك أنه "بهذه الممارسة المرفوضة، تكون الدولة قد تناقضت مع شعاراتها باحترام حرية الفرد والترويج للإسلام المتنور، وتكون المقاولة الأمنية بانزلاقاتها المتكررة تعبث بأمن واستقرار البلاد"، قبل أن يضيف "حالة هاجر وحالات أخرى تجعلنا نتساءل جميعا، أين يتجه وطننا المغرب؟".