لم يكن أغلب المتتبعين للشأن السياسي في المغرب، يتوقعون أن حكومة سعد الدين العثماني الثانية، التي من المفروض أنها انبثقت عن توجيه ملكي يقضي بجعلها "حكومة كفاءات واستحقاق"، ستضم في نهاية المطاف 6 أسماء جديدة فقط، بعدما احتفظت ب17 عنصرا من "الحرس القديم". واختار العثماني أن يسلم قطاعات الصحة والإسكان والتعمير والسياحة والصناعة التقليدية والتشغيل والثقافة والشباب والرياضة والتعليم العالي والبحث العلمي لأسماء جديدة، منها من أتى من عالم المال والأعمال ومنها من قدم من الفضاء الجامعي، ومنها أيضا من كان خصما لوزراء صاروا اليوم زملاء له. خالد آيت الطالب خبر البروفيسور خالد آيت الطالب، الذي عُين وزيرا للصحة، متاعب القطاع الصحي بشكل جيد من خلال موقعه كمدير للمركز الاستشفائي الجامعي الحسن الثاني بفاس، وهو اليوم مطالب بتجاوز الفخاخ التي واجهها العديد من الوزراء قبله، بمن فيهم سلفه أنس الدكالي، الذي لم يكن مضطرا لمواجهة غضب المواطنين والأطباء ومهنيي الصحة فقط، بل أيضا طلبة الطب والصيدلة. وكان آيت الطالب من الأسماء التي تم تداولها بشكل كبير مؤخرا لمنصب الكاتب العام لوزارة الصحة خلفا لهشام نجمي الذي خرج من الوزارة بعد تورطه في فضيحة أخلاقية ثقيلة، لكن مشاورات الإعداد ل"حكومة الكفاءات"، وضعت اسمه ضمن قائمة الوزراء غير المنتمين للأحزاب في حكومة العثماني الثانية. نزهة بوشارب لم يمض وقت طويل على انتخابها رئيسة جديدة لمنظمة "النساء الحركيات"، حتى وجدت نزهة بوشارب، خريجة المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات، نفسها في منصب أكبر، حيث تم تعيينها وزيرة لإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة. وستتكفل بوشارب بقطاع كان إلى وقت قريب بيد حزب التقدم والاشتراكية المنسحب من الحكومة، عبر عبد الأحد الفاسي الفهري، وهو قطاع لا يخلو من مطبات لكنه قريب من التخصص الأكاديمي للوزيرة الجديدة الحاصلة على شهادة الدكتوراه في التنمية المجالية والبيئة من المدرسة المحمدية للمهندسين، كما أنه قريب من تخصصها المهني أيضا كمديرة لمكتب للدراسات. نادية فتاح العلوي هي إحدى مفاجآت اللحظة الأخيرة في التشكيلة الحكومية الجديدة، فقليلون جدا من توقعوا أن تصبح سيدة الأعمال نادية فتاح العلوي وزيرة لللسياحة والصناعة التقليدية والنقل الجوي والاقتصاد الاجتماعي خلفا لمحمد ساجد. وقدمت فتاح العلوي من عالم المال والأعمال، إذ إنها تشغل منصب المدير العام للمجموعة المالية "سهام" التي تدرجت في مختلف مسؤولياتها منذ الاتحاق بها سنة 2005، حتى صارت على تتربع على قمة مؤسسة تتوفر على فروع في 26 دولة عبر العالم، وهو ما جعلها تُصنف ضمن أنجح النساء الإفريقيات على مستوى الإدارة، إذ في 2018 جائزة "أفضل رئيس تنفيذي" في المنتدى الإفريقي للمدراء التنفيذيين بالكوت ديفوار. محمد أمكراز هو بدون منازع مفاجأة حزب العدالة والتنمية في حكومة سعد الدين العثماني الثانية، فالكاتب الوطني لشبيبة "البيجيدي" الذي عين وزيرا للتشغيل والإدماج المهني خلفا لمحمد يتيم، كان محسوبا دائما على جناح رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، كما كان منتقدا لاذعا لحكومة العثماني الأولى. ولن يكون ملف التشغيل، الشائك أصلا، وحده التحدي الذي سيواجه أمكراز في مهمته الحكومة، بل أيضا أن لا يبدو شخصا متناقضا مع خطاباته السابقة التي لا زالت المواقع الإلكترونية تحتفظ بأرشيفها، وخاصة تلك التي كان يكيل فيها الكثير من النقد لعزيز أخنوش، الذي يوصف بأنه "الوزير الأقوى في الحكومة"، وهو الذي سبق أن اتهمه ب"الاغتناء من المشاريع الحكومية". الحسين عبيابة سيكون الممثل الوحيد لحزب الاتحاد الدستوري داخل الحكومة الجديدة بعد خروج الأمين العام للحزب، محمد الساجد خاوي الوفاض من التعديل الحكومي، لكن حقيبته ستكون "مليئة"، إذ عليه أن يقوم بمهام كانت موزعة على 3 وزراء في النسخة الحكومية السابقة، بعد تعيينه وزيرا للثقافة والشباب والرياضة وناطقا رسميا بإسم الحكومة. وسيعوض عبيابة محمد الأعرج وزير الثقافة السابق، كما سيعوض رشيد الطالبي العلمي الذي كان وزيرا للشباب والرياضة، بالإضافة إلى تحمله مسؤولية الناطق الرسمي باسم الحكومة التي ظلت منذ 2012 مُناطة بمصطفى الخلفي. إدريس أوعويشة هو أحد الأسماء الأكاديمية التي جيء بها إلى الحكومة باعتبارها إحدى أبرز الكفاءات في مجالها، فإدريس أوعويشة الذي عين وزيرا منتدبا مكلفا بالتعليم العالي والبحث العلمي هو رئيس جامعة الأخوين منذ 11 عاما. وسيكون على أوعويشة أن يستجمع تجاربه الأكاديمية كحاصل على دكتوراه الدولة في التربية واللسانيات من جامعة تكساس الأمريكية، وحاصل على دبلوم الدراسات العليا في اللسانيات التطبيقية واللغات من جامعة ويلز، للعمل على إصلاح قطاع ورث الكثير من الأزمات، التي وصلت ذروتها في السنوات الأخيرة، خاصة بسبب عدم ملاءمة التكوينات المطروحة مع سوق الشغل، وهو الأمر الذي قدم الوزير الجديد بخصوصه عدة مساهمات نظرية.