1. الرئيسية 2. اقتصاد قرار ترامب بشأن الرسوم الجمركية يعيد تشكيل خريطة زيت الزيتون عالميًا.. المغرب يناور، تونس تتعثر، والجزائر تُخفق قبل الإقلاع الصحيفة - خولة اجعيفري الأحد 6 أبريل 2025 - 9:00 أعلن الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن إعادة فرض رسوم جمركية على عدد من المنتجات الزراعية الأوروبية، من بينها زيت الزيتون، وهو القرار الذي جاء في لحظة دقيقة من تقلبات النظام التجاري الدولي، وأعاد خلط أوراق الفاعلين في سوق زيت الزيتون، بل وفتح الباب أمام تحولات استراتيجية تمس مواقع دول بأكملها في السوق الأمريكية، وعلى رأسها المغاربية الواقعة الضفة الجنوبية للمتوسط، مثل المغرب وتونسوالجزائر. ففي حين يبدو أن القرار الأمريكي، يُضعف مراكز القوى التقليدية في هذا السوق مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان، فإن منتجين ناشئين من إفريقيا، وعلى رأسهم المغرب، يرون في هذا التحول فرصة نادرة للولوج بقوة إلى واحدة من أكثر الأسواق تنافسية وأهمية في العالم، وذلك في وقت أن تونس، رغم كونها ثاني مصدر عالمي، تجد نفسها في موقع مفارقة مؤلم، بينما تواجه الجزائر خطر تجميد نمو قطاعها الوليد. القرار الأمريكي لم يكن مجرد تعديل جمركي، بل هو عملية إعادة توزيع كاملة للأدوار في سوق تعتمد بشكل شبه كلي على الاستيراد، فالولاياتالمتحدة، التي تستهلك سنويًا حوالي 360 ألف طن من زيت الزيتون، لا تنتج منها سوى 20 ألف طن، أي أقل من 5 في المائة من حاجياتها، وهذه المعطيات تجعل من الرسوم الجمركية أداة حقيقية لإعادة تشكيل التوازنات وتحديد من يستطيع أن يصل إلى المستهلك الأمريكي ومن يُقصى من اللعبة. ومنذ دخول الرسوم الجمركية الجديدة حيز التنفيذ، أصبح واضحًا أن المغرب يوجد في موقع تفاوضي مريح نسبيًا، إذ تخضع صادراته نحو السوق الأمريكية لرسوم لا تتعدى 10 في المائة، وهي نسبة أقل بكثير من تلك التي فرضت على الاتحاد الأوروبي (20 في المائة) أو على تونس (28 في المائة)، ناهيك عن الجزائر (30 في المائة) وسوريا (41 في المائة). هذه الخريطة الجمركية الجديدة، وضعت المغرب ضمن قائمة الدول التي يمكن أن تستفيد من الفضاء الذي أحدثه تراجع الكبار، فإسبانيا المورّد الأول لزيت الزيتون إلى الولاياتالمتحدة، والتي يمثل فيها هذا القطاع رقمًا هائلًا يبلغ 6 مليارات أورو ويشكل 12 في المائة من صادراتها الغذائية، مهددة بخسارة تصل إلى 40 في المائة من حصتها في السوق الأمريكية. وهذا التراجع يفتح فجوة كبيرة، قد لا تتمكن دول الاتحاد الأوروبي من سدها، ما يمنح لمنتجين من خارج هذا التكتل، على رأسهم المغرب، هامش مناورة واسع وجب حسن استغلاله من طرف الحكومة المغربية رغم واقع الجفاف الذي ضرب القطاع. وفي هذا السياق، يبدو أن المغرب لم يركن إلى الحظ فقط، فعلى مدى العقود الماضية، عمل على تطوير إنتاجه من زيت الزيتون، سواء من حيث الكمية أو من حيث الجودة، وقد أولى أهمية خاصة لتثمين الزيوت البيولوجية، والزيوت القادمة من مناطق ترابية معروفة مثل مكناس وتاونات وفاس. هذه الزيوت، بخصائصها المرتبطة بالأصالة والبيئة والمنشأ المحلي، تستجيب تمامًا لمتطلبات المستهلك الأمريكي الذي بات أكثر حساسية لقضايا التتبع والجودة والمنتجات "النظيفة"، كما أن الرسوم الجمركية المنخفضة، إلى جانب تكلفة اليد العاملة التنافسية، يجعل من زيت الزيتون المغربي منتجًا قادرًا على دخول منافسة قوية في السوق الأمريكية. في الجهة المقابلة من الخريطة المغاربية، تقف تونس على مفارقة حادة، ففي سنة 2020، كانت ثاني مصدر عالمي لزيت الزيتون بعد إسبانيا، واستفادت حينها من اتفاق تفضيلي مع الاتحاد الأوروبي مكّنها من توسيع صادراتها. ومع ذلك، فإن القرار الأمريكي جعلها تخضع لرسوم جمركية بلغت 28 في المائة، أي أعلى من تلك المفروضة على أوروبا ذاتها، وبالتالي هذه النسبة المرتفعة من شأنها أن تقوض الموقع الذي بنته تونس بصعوبة على مدى سنوات، رغم الاعتراف الدولي بجودة زيت الزيتون التونسي وخبرته في مجالات الزراعة العضوية. الواقع، أن هذه الزيادة في الرسوم على تونس تجعلها الخاسر الأكبر في المعادلة الجديدة فبخلاف المغرب الذي يستفيد من تعريفة تفضيلية، لا تمتلك تونس أي هامش تحرك حقيقي داخل السوق الأمريكية، خاصة في ظل المنافسة الجديدة التي تفرضها دول مثل تركياوالأرجنتينوتشيليوأستراليا، والتي تخضع كلها لنفس تعريفة المغرب (10 في المائة)، كما أن هذه الدول تسعى أيضًا إلى ملء الفراغ الذي تركته أوروبا، ما يعني أن المنافسة لن تكون فقط من الشمال بل من دول الجنوب أيضًا. أما الجزائر، التي كانت تتهيأ خلال السنوات الأخيرة لإطلاق قطاع زيتون تنافسي، فتواجه معضلة مزدوجة من جهة، فُرضت عليها رسوم جمركية مرتفعة جدًا بلغت 30 في المائة، وهو ما يجعل صادراتها غير قابلة للمنافسة في سوق مثل السوق الأمريكية ومن جهة ثانية، لا يزال قطاع الزيتون الجزائري في مرحلة البناء، ويعاني من غياب سلاسل إنتاج مصدّرة بشكل منتظم، ومن نقص في منظومات التتبع والمعايير الصحية والبيئية المطلوبة في السوق الدولية. وبينما تنظر الدول المغاربية إلى السوق الأمريكية على أنها فرصة، فإن هذه الفرصة لا تخلو من التحديات، ذلك أن هذه السوق معروفة بصرامتها، ليس فقط من حيث الأسعار، ولكن من حيث المعايير التقنية، وشروط التتبع، والشهادات العضوية، والتصنيفات المتعلقة بالأصل المراقب وبالتالي فإن دخول هذه السوق يتطلب أكثر من رسوم منخفضة، بل يتطلب استثمارًا في الجودة، وهيكلة الإنتاج، والتسويق الذكي. مع ذلك، تبقى هذه اللحظة فرصة حقيقية للمغرب، الذي يبدو مؤهلًا أكثر من غيره للاستفادة من الفراغ الذي خلّفه تراجع أوروبا، لكن في المقابل فإن الوضعية تبقى هشّة فطبيعة القرارات الاقتصادية في عهد ترامب، كما أثبتت التجارب، غير قابلة للتوقع. ويمكن لأي تغيير سياسي في الإدارة الأمريكية أن يؤدي إلى تعديل فوري في السياسات الجمركية، وقد يبدأ بعض المنتجين الأوروبيين بتجاوز هذه الرسوم من خلال إنشاء مصانع تعبئة داخل الأراضي الأمريكية، في خطوة ذكية تُمكنهم من تجاوز القيود، وتضع المنتجين من خارج الاتحاد أمام منافسة غير متكافئة. كما أن المنافسة داخل الجنوب لا ترحم، ذلك أن تركيا، الأرجنتين، تشيلي، أستراليا، وجنوب إفريقيا، كلها دول تتحرك بسرعة لاقتناص هذه الفرصة فجنوب إفريقيا مثلًا، رغم كونها منتج متواضع، بدأت تفرض اسمها في السوق الأمريكية بفضل منتجات موجهة نحو فئات نخبوية تبحث عن الجودة. وبالتالي، فإنها لحظة إعادة ترتيب واسعة النطاق يعاد فيها تحديد من يملك حق الوصول إلى الأسواق، ومن يُقصى منها، أي لا يكافئ فقط من يملك المنتج، بل من يملك الرؤية، والقدرة على التكيف، وسرعة التحرك، والمغرب، في هذه اللعبة الجديدة، يملك ورقة رابحة، لكن عليه أن يلعبها بحذر، لأن النافذة رغم أنها مفتوحة اليوم، قد تُغلق في أية لحظة.