قبل سنوات خلت أصدرت السلطات "الإسرائيلية" قراراً عسكرياً بمنع البناء على جانبي الجدار العازل الذي أقدمت على إنشائه في المنطقة التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية بمسافة 250 متراً، وقد أصدرت " المحكمة الإسرائيلية العليا" قراراً في شهر يوليو (تموز) 2019 يقضي بهدم مبان سكنية تضم أكثر من 100 شقة في وادي الحمص (بلدة صور باهر). وتوجهت الجرافات إلى المنطقة وقامت بهدم المنازل بعد إنذار السكان بمغادرتها وسط حماس وهتافات من جانب الجنود الذين نفذوا القرار العسكري بفرح غامر، وهكذا تشرّد أكثر من 500 مواطن فلسطيني ، كما تعرّض بعضهم إلى الاعتداء لأنهم رفضوا مغادرة ومنازلهم. وتأتي هذه الخطوة وسط تجاهل دولي، لاسيّما بعد منح واشنطن "المحتل الإسرائيلي" ورقة بياض التصرّف كما تشاء من خلال الاعتراف بسيادتها على القدس ونقل سفارتها من تل أبيب إليها كجزء من "صفقة القرن"، إضافة إلى الضغوط التي مورست على السلطة الوطنية الفلسطينية اقتصادياً ودبلوماسياً وإنسانياً وأمنياً. وإذا كان لمسألة هدم البيوت وإجبار سكانها على مغادرتها جانب إنساني يتعلق بالحق في السكن في أرض آبائهم وأجدادهم وهم أهل البلاد الأصليين، طبقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة حول "حقوق الشعوب الأصلية" الصادر في العام 2007 فإن له أبعاداً قانونية دولية تتعلق بقواعد القانون الدولي المعاصر والقانون الدولي الإنساني والشرعية الدولية لحقوق الإنسان، إضافة إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لما تشكّله من انتهاكات سافرة من جانب المحكمة العليا "الإسرائيلية"، وهو ما ينبغي أن يتم متابعته دولياً من جانب الفلسطينيين والعرب، على الصعيد الرسمي أو على صعيد المجتمع المدني ومؤسساته الدولية والإقليمية والعربية. فالأممالمتحدة تقرّ بأن الأراضي التي احتلتها " إسرائيل" إثر عدوان 5 يونيو (حزيران) العام 1967 هي أراضٍ محتلة بما فيها الضفة الغربية وبضمنها القدس الشرقية، إضافة إلى قطاع غزة، وهذا يعني أن اتفاقيات جنبف لعام 1949 وملحقيها بروتوكولي جنيف لعام 1979 تنطبق عليها، ولاسيّما الاتفاقية الرابعة، وحسب القانون الدولي لا يجوز الاستيلاء على الأراضي طبقاً للاحتلال أو القوة المسلحة، وقد ورد ذلك في مضمون القرار 242 الصادر بعد عدون الخامس من يونيو (حزيران) العام 1967، وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري الصادر في 9 يوليو (تموز) العام 2004. وتحمي اتفاقية جنيف الرابعة " الأشخاص الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما وبأي شكل كان في حالة قيام نزاع أو احتلال تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه أو دولة احتلال، وهكذا تصبح حماية المواطنين الفلسطينيين " تحت الاحتلال الإسرائيلي" واجباً قانونياً على دولة الاحتلال ويحظر على دولة الاحتلال تدمير الممتلكات الخاصة التابعة أو المنقولة التي تتعلق بالأفراد أو الجماعات أو غيرها، علماً بأن ليس للمحكمة "الإسرائيلية" العليا التي اتخذت قراراً بالسماح بهدم المنازل سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة. كما أن ليس من حق سلطة الاحتلال بناء جدار عازل على أراضي لا تعود لها أصلاً، فما بالك إذا كانت محتلة بالقوة العسكرية. وقد زعمت "إسرائيل" انها تبني هذا الجدار كسياج دفاعي في العام 2000، وكانت الأممالمتحدة قد طلبت في العام 2003 رأياً استشارياً (فتوى قانونية) من محكمة العدل الدولية في لاهاي بشأن بناء الجدار الواقع في الأراضي الفلسطينية وصدر القرار كما ورد ذكره بعدم شرعية ذلك ودعت المحكمة "إسرائيل" إلى التوقف فوراً عن أعمال البناء والقيام بتفكيكه وتقديم تعويضات عن الأضرار الناجمة عنه. ووفقاً لنظام محكمة روما الأساسي فإن هدم البيوت يعتبر من " الجرائم ضد الإنسانية" وكل ما يتعلق بإبعاد السكان قسراً أو نقلهم بالقوة والإكراه من مناطق سكنهم وهو "جريمة حرب" في الآن، حيث تنص اتفاقيات جنيف إن "إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة يعتبر جريمة حرب. وهكذا فإن مثل هذه العقوبات الجماعية ضد السكان المدنيين العزّل يعتبر جريمة حرب مثلما هو جريمة ضد الإنسانية، وهي انتهاك سافر لقواعد القانون الدول بما فيها حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير مصيره وعلى أرض وطنه وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف . وإذا كان هذا الوجه القانوني لعدم هدم المنازل، فإن الوجه السياسي والإعلامي المباشر وغير المباشر لعملية هدم المنازل له علاقة ب"الانتخابات الإسرائيلية" التي ستجري في شهر سبتمبر (أيلول) القادم وعلى خلفية دعم رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو المتهم بالفساد والمتشبث بالسلطة كأطول ر ئيس وزراء حكم "إسرائيل" منذ تأسيسها. * باحث ومفكر عربي