-"ثغاربوت ن نوح":حين تختزل "الهجرة " المسافة المحفوفة بصمت الجراح التي تتأجج في الأعماق . هو المخرج محمد بوزكو سيحملنا معه في رحلة جديدة في إطار تشويقي ، لواقع معاش قد يكون غامضا أوجَلِيّا أو قد يحمل حبكة الغموض..أو الوضوح.وهو الذي عوّدنا على الأعمال التي تحترمنا، ابن آيث سعيد صاحب رصيد متميز من الافلام و المسلسلات التي تعتبر بصمة هامة في الدراما في الريف والثقافة الامازيغية عموماً وله العديد من الكتابات المميزة...كتاباته لا تشبه كل الكتابات تحمل همومنا وجراحاتنا وتلامس انتظاراتنا ... ولد وترعرع بالريف ويعرف جيدا جراحاتنا وتطلعاتنا عكس من يأتي من اماكن اخرى في البلد محملا سيناريوهات مهترئة لا تشبهنا في شئ ، لم يجد لها أصحابها مكانا في مدنهم فيأتون بها الى الريف ليُمزغوها ويمرغوا الممثل في وحل الانسلاخ .. الطموح والتحدي هي الاسلحة التي يحملها في رحلاته في عالم السينما .. مواضيع وأخرى كثيرة تطرق اليها ، تُشرعن لنا تساؤلات كثيرة ... أخرها وليس أخيرها الهجرة السرية أو لأسميها اليوم الهجرة الانتحارية... التيمة التي يشتغل عليها محمد بوزكو حاليا ..."ثغاربوت ن نوح" ( = قارب نوح) هو الاسم الذي اختاره لشريطه التلفزي الجديد.. لن أبالغ لو قلت إن اختيار عنوان الفيلم فن قائم بذاته "و الخطاب يظهر من عنوانه"... هذا الخطاب الذي قد يكون القصة، أو الصراع، أو الشخصيات..او قد تكون هي كلها مجتمعة في هذا العمل. اختيار صائب "قارب نوح" ولما لا ! ونحن لازلنا نعيش تحت وقع نفس الظروف التي دفعت الانسان قديما إلى الهجرة إلى وطن الحرية و العدل و التسامح و ترك وطن الظلم والفساد ... نفس الظروف التي دفعت الانسان أن يهاجر في سفينة نوح من موطن يحكمه الظلم والاستبداد، إلى موطن جديد تسوده حرية الاعتقاد و حرية الرأي و التعبير، موطن لا يتحكم فيه المفسدون في مصائر البلاد والعباد... فما أشبه اليوم بالأمس...!! ونحن ننتظر " ثغارابوت ن نوح" نتذكر من خلالها جراحاتنا و مآسينا التي لا تكاد تنتهي فالظلم و الإستبداد و انتهاك حقوق العباد لا زال مشهدا يوميا يتكرر في كل وقت وحين...و المأساة أعم و أكبر فهي غير محصورة في الريف ، بل خارطة المآسي تشمل غالبية المدن في البلد .فأصبحت الهجرة شعار المرحلة بإمتياز، وسفينة النجاة من الظلم و الطغيان بالوطن. البلاد اصبحت فعلا طاردة لأبناءها ..يأتون الى الريف من كل حدب وصوب حاملين شعارا واحدا "لا شيء يغري بالبقاء هنا" ليركبوا قوارب الهجرة التي تحمل شباب في مقتبل العمر.. اصبحت جل ارصفة الناظور "محتلة" و مزدحمة بشباب وأطفال قادمين من مختلف جهات المغرب بحثا عن مخبئ فارغ في شاحنة بضائع قد تعبر بهم نحو الضفة الاخرى ، او عن منفذ يوصلهم إلى مليلية ، وإلى غاية أن تحين ساعة معانقة حلمهم يضطرون إلى استجداء الناس لمنحهم ما يسدون به رمقهم ، يتسلقون الشاحنات والحافلات وهم يركبون المجهول هربا من الظلم و الفقروالبطالة ولا حديث يعلو بينهم إلا عن اختراق الحدود والنفاذ إلى مليلية. وإذا كان العديد من الشبان اختاروا ركوب القوارب لبلوغ شواطئ إسبانيا، فإن هؤلاء يختارون الاختباء في الشاحنات والحافلات التي تؤمّن رحلات إلى الموانئ الإسبانية لولوج مليلية. وهو ما انتبه اليه محمد بوزكو ليلبس معطف مخرج متمكن من أدواته ويحملنا معه في سفينته لاكتشاف أغوار رحلة هجرة مظلمة ليس لها سقف و لا قاع و لا خريطة و لا معالم. فمن المسؤول عن هجرة هؤلاء الداخلية منها و الخارجية ،هل سيحمل "قارب" بوزكو الإجابات المنتظرة رغم أن الامور واضحة تماما فمن دون شك أنهم أولائك الذين يتولون المسؤوليات في البلد ، الذين يغلبون مصالح الأقلية الحاكمة المحتكرة للثروة و السلطة على حساب تفقير و تجويع و نهب ثروات الأغلبية.. في `قارب نوح` سيتكرر لامحالة الصراع بين الحق و الباطل، بين العدل و الجور، بين الحرية والطغيان..و سفينة الهجرة هناك ، هي سفينة النوح التي بإمكانها أن تنقد كل من يمتطيها و تنجيه من طوفان الظلم و الفساد والطغيان ، لكن "سفينة" بوزكو ليست فقط من خشب و إنما هي قبلاً ، أدغال وشاحنات وأسلاك ومطاردات وجوع وتسكع .. وانتظارعلى أرصفة المدينة ليل نهار لتصيد فرص سانحة تمكنهم الشباب من عبور الحدود واللحاق بالضفة الأخرى من المتوسط...يختزلون المسافة المحفوفة بصمت الكلمات التي تتأجج في أعماقهم "لا شيء يغري هنا... بالبقاء " و"سفينة نوح" هي... النجاة. – نقطة آخر السطر . "ثغارابوت ن نوح" تحمل هذه المرة كذلك – وكما جرت العادة في أعمال بوزكو- وجوها جديدة، مواهب جديدة صاعدة، وهوفكر يعتمده بوزكو في كل عمل كوسيلة لدعم وتسليط الضوء على المواهب الصاعدة ، يأخذ بيدها من خلال إتاحة الفرص أمامها للظهور..والكشف عن امكاناتها..ايمانا منه أن الطموح كبير والموهبة تحتاج من يرعاها ويفتح لها أبواب الظهور والوصول والنجاح.. وهو واجبنا جميعاأن نثق في هذه المواهب الصاعدة خاصة في غياب تام لمدارس التمثيل، وغيابالكوادر التي تصقل المواهب الصاعدة، وغياب الدعم الكافي سواء منه المادي أوالمعنوي... شكرا لكل فنان يحترم نفسه ومشاهديه ويقدر ذكاءهم وفكرهم وعقلياتهم. سننتظر بكل ترقب و بفارغ الصبر بدء تمخر"قارب نوح" لأننا نتذوق من خلال مثل هذه الاعمال واقعنا.أملنا أن تكون " ثغاربوت ن نوح" عملا يُشعرنا فعلا أننا أمام إنتاج يستحق وقتنا وفكرنا ومتابعتنا ؟