في سؤاله عن “ما هي الأنوار؟” أجاب الفيلسوف الألماني كانط على أنها خروج الانسان من حالة الوصاية التي هو نفسه مسؤولا عنها، اذ أن الوصاية مرض خطير يفقد الانسان استقلاليته و يجعله ينظر الى نفسه والى الكون المحيط به بمنظار غيره، فيكون بذلك اداة طيعة لهذا الغير الذي يعامله معاملة السيد بالعبد: فتتكرس بذلك الطبقية و الاستغلال و احتكار الدين و الثقافة و السياسة و الاعلام و الاقتصاد، و أكثر من ذلك الحجر على العقل الذي يصبح قاصرا. ان الانسان المغلوب على أمره ليس له نفسه على حد تعبير كانط لاعمال فكره و عقله و تفجير طاقاته الابداعية التي تخرجه من حالة القاصرين الى حالة الرشد و النضج و يبقى بذلك طفلا يتعامل مع الأشياء دون الانتباه الى شحوناتها الثقافية و الاديولوجيا، بل ان الوصي ما يلبث يهدده بمخاطر الخروج ان هو حاول ذلك، و نحن نرى كيف يحاول الأوصياء في الخارج و الداخل ان يمنع شعبا من الشعوب من المشي و الحركة فيقفوا له بالمرصاد و يمنعوه من ذلك و يصادرون بالتالي حقه في التعبير و التحرر. لكن هذا التهديد مايلبث ان يضمحل و يزول بمجرد محاولة تعلم الطفل المشي و الحركة و سقوطه في المراحل الأولى مسألة عادية و طبيعية بل هي خطوة مهمة في طريق التعلم و التحرر، لكن الشعب المتنور حسب كانط يحتاج الى من يأخذ بيده من مفكرين و علماء اذ قد يصل الى تحقيق الثورة لكنها تبقى ناقصة اذا لم تصاحبها ثورة فكرية حقيقية، و بالتالي ما تلبث أن ترجع الأفكار القديمة السابقة على الثورة الى الواجهة من جديد. هب على سبيل المثال أن شعبا من الشعوب استطاع اسقاط النظام المالي الفاسد الذي يخدم القلة أو اسقاط المؤسسة الدينية الوصية على الزاد الروحي للفرد و المجتمع فهل لدى هذا الشعب ما يكفي من الاطر الفكرية التي ترسم المشاريع الاجتماعية البديلة للاديولوجيا القائمة و التي تحتاج الى نقد حقيقي يفضح منطقها الهيمني على الانسان و الطبيعة ويتم بذلك ترجمة شعارات العدل و الحرية و المساواة الى برامج حقيقية و طموحة؟ بكلمة ان الحرية مسألة لا بد منها طال الزمن أم قصر و هي الشرط الأساسي للابداع و المدخل اليها هو قراءة الواقع بعيون نقدية و تربية الجماهير على ذلك للمساهمة في ايجاد البديل الحقيقي المادي منه و الرمزي.