نشرت جمعية اللغة الألمانية قائمة بالأسماء الأكثر شعبية في ألمانيا عام 2018، حيث برز فيها اسم “محمد”. الأمر الذي أثار جدلاً واسعاً وضجة إعلامية كبيرة. فلماذا أصبح الاسم مثيراً للارتباك لهذه الدرجة الكبيرة في ألمانيا؟ أصدرت مؤخرا جمعية اللغة الألمانية (GfdS)، منظمة مستقلة سياسياً مكرسة للغة الألمانية ودراستها، قائمتها السنوية بأسماء الأطفال الأكثر شعبية في ألمانيا لعام 2018. تقوم الجمعية ببحثها مزودة ببيانات من قبل أكثر من 700 مكتب من مكاتب السجلات المدنية في جميع أنحاء ألمانيا. وقد كشف التقرير أن الأسماء الأكثر شعبية في ألمانيا في عام 2018 كانت “ماري” للفتيات، و”بول” للفتيان. ويأخذ التصنيف في الاعتبار جميع الأسماء المقدمة. ولكن سرعان ما أصبح هذا التقرير البسيط مادة للتشويش السياسي والتقارير الإخبارية الكاذبة. وحدث كل ذلك بسبب منح 280 من أصل 22 ألف مولود جديد في برلين اسم “محمد”. لخصت الصحيفة اليومية في برلين “تاغيس شبيغل” التقرير بأن “(محمد) أكثر شعبية من كارل هاينتس”. في حين أشارت الصحيفة الأكثر انتشاراً في بريطانيا “ديلي ميل” إلى أن “محمد كان ضمن أسماء الأولاد ال10 الأكثر شعبية ضمن 6 ولايات من أصل 16 ولاية في ألمانيا”، دون وضع النتائج في سياقها الصحيح. ومن جهة أخرى، كانت أليس فايدل، الرئيسة المشاركة في الكتلة البرلمانية لحزب “البديل من أجل ألمانيا” (AFD)اليميني الشعيوي المناهض للهجرة، سريعة جداً في استخدام تويتر لإعادة نشر مقال نشرته صحيفة “بيلد” الألمانية الشعبية الواسعة الانتشار عن الدراسة. وكتبت “حسناً.. ماذا بعد! في العام الماضي، كان الاسم الأول الأكثر شيوعاً في برلين للأطفال حديثي الولادة هو “محمد” … وهو توجه يتصاعد”. بينما كان فرع حزب البديل في برلين أقل تشفيراً فيما يخص التقرير، حيث نشر رسماً على حسابه في موقع تويتر حول الدراسة التي صورت امرأة ترتدي الحجاب وهي تدرس فصلاً مدرسياً مليئاً بالطلاب المسلمين كما يبدو، كتب على الصورة “وقف الأسلمة: فقط مع (AFD) !” ونشرت سوسن شبلي، سياسية ألمانية من أصل فلسطيني، رداً موجهاً ل(AFD) عبر تغريدة على حسابها في موقع تويتر: “والدي يدعى محمد. واسمي سوسن محمد شبلي. أكبر ابن أخ لدي يدعى محمد… سنحرص على ألا يختفي اسم محمد أبداً!”. بعد ذلك، علق موقع تويتر حسابها مؤقتاً بسبب تشغيل خوارزميات تهدف إلى منع التلاعب بالانتخابات. فشل تقرير جمعية اللغة الألمانية (GfdS) في توفير السياق الضروري المطلوب لنتائجه، حسب رأي غابرييله رودريغيز، الباحثة في “اسم العائلة” بجامعة لايبزيغ، وتقول لDW: إن هذا النقص في الوضوح في مجتمع حساس لتغيير تركيبته السكانية، وغارق في النقاشات السياسية حول قضايا الهجرة واللاجئين، أدى إلى انتشار معلومات مضللة. وقد يكون صحيحاً إلى حد ما أن اسم “محمد” قد برز في أسماء المواليد الجدد نتيجة لتنامي أعداد المهاجرين في ألمانيا. غير أن ذلك يعود بسبب تقليد عائلي في العالم العربي يقوم على تسمية واحد من أطفال العائلة على الأقل محمد تيمناً باسم النبي. وتضيف رودريغيز “لا توجد مجموعة كبيرة من الأسماء للاختيار بينها، كما هو الحال مع العائلات الألمانية”، مشيرة إلى أن أكثر من نصف أسماء الأطفال المسجلين في أي سنة معينة في ألمانيا فريدة من نوعها، وإن أسماء الأطفال الشائعة تتراوح بين 2 في المائة و3 في المائة من جميع المواليد الجدد. وغالباً ما يكون اسم “محمد” الاسم الأول في الاسم المركب الذي قد يشمل اسمين أو حتى ثلاثة اسماء، مما يؤدي إلى تكراره أكثر من الأسماء الأخرى فضلاً عن فروقات بسيطة أخرى في كتابة الاسم. ومن جهة أخرى، كان الاسم الأكثر شيوعاً للأولاد في برلين عندما أخذت جميع الأسماء المقدمة بعين الاعتبار “ألكسندر”. وقد صنفت الدراسة اسم “محمد” في المرتبة ال24 لأكثر الأسماء شيوعاً في ألمانيا عندما أخذت الأسماء الثانية والثالثة في الاعتبار. وتقول رودريغيز إن منهجية التقرير لم توضح بشكل كامل، الأمر الذي جعل من الصعب على الناس التوصل إلى معلومات سليمة. إذ لغاية تقرير عام 2017، كان يتم تجميع كافة الأسماء الأولى، بغض النظر عن الترتيب، لتحديد الأسماء الأكثر شعبية. ومع ذلك، بدأت (GfdS) على مدى العامين الماضيين بنشر قائمتين منفصلتين معاً، الأولى: أسماء الأطفل كاملة الأكثر شعبية، بما فيها الاسم الثاني والثالث المعطى له، والثانية: الاسم الأول الأكثر شعبية المعطى في شهادة الميلاد. وتضيف رودريغيز أنه دون شرح المنهجية الجديدة لتحديد مستوى شعبية الاسم، أو إعطاء أرقام محددة لأي اسم بعينه، من المتوقع أن يشعر الناس بالارتباك. وترى رودريغيز أن هذا التقرير الذي أطلق دون سياق بشكل غير متعمد، يعكس مخاوف الألمان من تغيير المجتمع. وتقول إن “معظم أسماء الأطفال الجدد في ألمانيا من الخارج، لذا تعتبر غريبة.. وتحتاج الأذن الألمانية إلى بعض الوقت لاعتيادها”. وتتابع “لا يتعلق الأمر بالأسماء الأولى فحسب، وإنما بكل ما يخص الأجانب.. إنه مجرد شحن من قبل حزب البديل (AFD)، الذي لديه هدف واضح هو خلق الخوف تجاه هذه الأشياء ليتمكنوا من الحفاظ على أنفسهم”.