مشاريع مهيكلة أحدثت تغييرات أضرت بمصالح مستفيدين من الوضع السابق أحدثت المشاريع المهيكلة بالمدينة، مثل ميناء الناظور غرب المتوسط، وتهيئة بحيرة مارشيكا وغيرها من المشاريع، تغيرات عميقة على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. لكن شرائح من المجتمع المحلي تحن إلى الماضي، خاصة أولئك الذين كانوا يستفيدون من الوضع السابق، مثل ممتهني التهريب، الذين أثر الوضع الجديد على نشاطاتهم، وشبكات الهجرة السرية والمخدرات التي اشتد الخناق عليها، كما لم يصب الوضع الجديد الذي يتسم بتشديد المراقبة على المخالفين لقوانين التعمير في مصلحة المخالفين، إذ ما يزالون يقاومون ويواصلون خرق القانون رغم تغير الأوضاع ويتخوفون من أن تطولهم المتابعة عما اقترفوه في السابق، لذا ما يزالون يحنون إلى الماضي. بالمقابل وفرت مشاريع البنيات الهيكلية التي تنجز في المدينة مداخيل لفئات لم تكن تحلم بها. لا تبدو علامات الأزمة بارزة بإقليم الناظور رغم تشديد المراقبة على معبر مليلية الذي يمثل شريان الحياة بالنسبة إلى المدينة، إذ منه تنطلق المواد المهربة لتتوزع عبر مختلف مناطق المغرب. صحيح أن التهريب خف بشكل ملحوظ، لكن ما تزال الحركة التجارية متواصلة بفعل تساهل السلطات مع التهريب المعيشي، إذ يسمح لسكان الإقليم بالولوج إلى المدينة السليبة مليلية وجلب بضائع تتشكل أساسا من البطانيات وألبسة وحلويات ومواد غذائية وتنظيف وقطاع غيار وأقفال، إضافة إلى الملابس المستعملة (البال) فيعاد بيعها بأسواق خاصة بها أو تحمل في سيارات في اتجاه مدن أخرى. باب مليلية… رحلتا الصباح والمساء يمثل التهريب مصدر رزق عدد من الأسر القاطنة بالناظور أو المناطق المجاورة، ما جعل السلطات تغض الطرف عن الأشخاص الذين لا يتوفرون على مصدر رزق بديل، ما دفع السلطات إلى تخصيص فترة معينة يسمح بها بتمرير السلع من باب مليلية. وأفادت مصادر أن النساء اللائي يشتغلن في هذا النشاط يقتصر دورهن على حمل السلع من مليلية إلى داخل التراب المغربي، وأصحاب السلع يفضلون عدم الكشف عن هوياتهم، ويكلفون نساء يتحدرن في أغلبهن من مناطق أخرى، إذ أن نسبة كبيرة تأتي من تازة وبعض المناطق الشرقية، نظرا لقدرة تحملهن، إذ أن وزن الحمولة يتراوح بين 70 كيلوغراما و 90، وتعين نقلها في فترة محددة، ما يفرض التوفر على القوة اللازمة لإتمام العملية. ويتعين عليهن الحضور إلى معبر مليلية على الساعة الرابعة صباحا من أجل احتلال الأماكن المتقدمة للتمكن من الولوج ضمن الأوائل عندما تفتح الأبواب على الساعة السابعة صباحا، ويتعين أن يغادرن في الثانية عشرة ظهرا لضمان مرور سالم. وتنتهي مهام الحمالات عند الخروج من المعبر، إذ يفرغن حمولتهن ويتكلف أصحاب الطاكسيات والسيارات الخاصة بنقل البضائع داخل المدينة أو في اتجاه مدن أخرى. وأفادت مصادر من المدينة أن أجرة النساء الحاملات لا تتجاوز 100 درهم عن كل مهمة، ما يمكنهن من توفير دخل شهري في حدود 1600 درهم، لأنهن لا يشتغلن سوى 4 أيام في الأسبوع، من الاثنين إلى الخميس، لكن الدخل يزيد عن ذلك بالنسبة إلى النساء اللائي يجلبن بعض السلع معهن لإعادة بيعها وتحقيق هامش ربح من العملية. ومهما يكن المبلغ، فإنه لا يخرجهن من دائرة الهشاشة، ويظل الفقر مهددا لهن، ما جعل السلطات تغض الطرف عما أصبح يعرف بالتهريب المعيشي. بالموازاة مع النساء "الحمالات"، اللائي يعتمدن على عضلاتهن وجهدهن الجسدي لتمرير السلع من مليلية إلى الناظور، عبر معبري بني نصار والحي الصيني، هناك أصحاب السيارات الذين يصطفون بدورهم أمام معبر فرخانة، في انتظار السماح لهم بالولوج إلى داخل المدينة السليبة لجلب السلع وإعادة توزيعها، ومنهم من يشتغل لحسابه الشخصي في حين أن آخرين يعملون لفائدة مهربين كبار مقابل أجر يومي في حدود ألف درهم، علما أن نصف المبلغ يتم إنفاقه لتسهيل مرور السلع. رغم التسامح مع التهريب المعيشي، فإن رجال الجمارك ينصبون حواجز مراقبة لا تبعد إلا بكيلومترات عن المعابر ويراقبون حجم السلع التي يتم تمريرها، إذ يتصدون إلى السلع المهربة عندما يتبين لهم أنها تعود إلى مهربين كبار، وأن الأمر يتجاوز حجم التهريب المعيشي، وغالبا ما يسقط أصحاب السيارات في أيدي رجال الجمارك للاشتباه في نشاطهم فتنطلق المفاوضات بين الطرفين. ميناء الناظور… "همزة" التعويضات تحول المشروع المهيكل ميناء الناظور المتوسط إلى فرصة للعديد، من أجل الحصول على موارد مالية بالمطالبة بالتعويض عن الأراضي التي تم انتزاع ملكيتها لإنجاز المشروع والبنيات التحتية التابعة له، إذ تم نزع ملكية 46 هكتارا من الأراضي المحيطة بالمطار. وأفادت مصادر أن هناك وسطاء يتصلون بسكان المناطق المجاورة للمشروع من أجل إعداد لفيف عدلي والتقدم بطلب للمحكمة للمطالبة بالتعويض. ودخل على الخط بعض سياسيي المنطقة ومحامون يحثون السكان على البحث عن 12 شاهدا من أجل إقامة لفيف عدلي يؤكد ملكيتهم للأراضي التي تم انتزاعها من أجل إقامة مرافق الميناء. وأفادت مصادر محلية أن أحد المحامين ينوب في مئات الملفات، ما جعل زملاءه يشتكون فتم التوافق على أن يتم توزيع ملفات إقرار الملكية والمطالبة بالتعويضات على باقي المحامين الآخرين وألا يتم تمركزها في يد قلة قليلة من المحامين، إذ هناك من لديه 500 ملف، كما أكدت ذلك مصادر "الصباح". وتفاجأت الشركة المكلفة بإنجاز المشروع بعدد من الدعاوى في المحاكم تطالبها بأداء تعويضات عن أراض سبق أن انتزعتها، علما أنها عمدت إلى تسوية الملف مع المياه والغابات على أساس أن تلك الأراضي تابعة لها، قبل أن تفاجأ بملاك جدد يتقدمون بلفيف عدلي يؤكد تملكهم مساحة من الأراضي المزمع إقامة مرافق فوقها. وتحول هذا الأمر إلى فرصة بالنسبة إلى عدد من سكان المنطقة والمحامين على حد سواء لتحقيق مداخيل هامة، إذ أن بعض المحامين يتصلون بالسكان لحثهم على المطالبة بحقوقهم، ويعدونهم بأنهم سيتكلفون بالأمر مقابل عمولات تحدد بنسب مائوية من المبلغ الإجمالي المنتظر أن يحصلوا عليه، أو يحددون أتعابهم بالاتفاق على مبلغ جزافي ويشرعون في سلك المساطر والإجراءات القانونية للمطالبة بالتعويضات من الشركة. ويعمل سياسيون، أيضا، حسب مصادر بالمنطقة، على تحفيز الناس على المطالبة بتعويضات ويقدمون لهم كل النصائح والإرشادات من أجل إعداد الإثباتات القانونية لتملكهم الأراضي التي ستقام عليها مرافق تابعة للميناء. وغصت المحكمة الابتدائية بالناظور بالقضايا المرفوعة ضد الشركة المسؤولة عن المشروع من أجل التعويض. وهكذا فإن المشروع الذي ينتظر أن يحدث أزيد من 100 ألف منصب شغل مباشر بالمنطقة، تحول قبل إنجازه إلى "همزة" بالملايين يسعى عدد من سكان المنطقة إلى الحصول على نصيب منها بالمطالبة بالتعويض عن أراض تثبت ملكيتها بلفيف عدلي. الهجرة والمخدرات…تحديات الأمن يعتبر الناظور وجهة الراغبين في الهجرة السرية نحو الضفة الأوربية أو على الأقل التسلل إلى مليلية المحتلة في انتظار العبور إلى أوربا. ويطرح وفود العديد من الأشخاص من مختلف الأعمار والجنسيات تحديات بالنسبة إلى أمن الناظور، إذ أن هناك قاصرين تتقطع بهم السبل بالناظور لعدم تمكنهم من العبور إلى مليلية فيتحولون إلى متسكعين داخل شوارع المدينة. ويتعامل رجال الأمن بالمنطقة بمقاربة إنسانية، إذ يعملون على تحديد هويات هؤلاء القاصرين وربط الاتصال بذويهم من أجل تسلمهم، كما يتم نقل المهاجرين الأفارقة والسوريين إلى مناطق أخرى من المغرب، لأن محاولاتهم للتسلل إلى مليلية تنتهي في بعض الأحيان بأحداث عنيفة، ما يدفع الأمن بالمدينة إلى ترحيلهم. بالموازاة يتصدى رجال الأمن بالجهة لشبكات التهجير، إذ تمكنوا من تفكيك 12 شبكة. وساهم تشديد المراقبة وإحباط العديد من المحاولات واعتقال المهربين السريين إلى تراجع أعداد الوافدين على المدينة. وتمثل المخدرات التحدي الثاني لأمن الناظور، باعتبار أن المدينة تعتبر معبرا للشحنات الموجهة إلى أوربا، إذ يتخذها بارونات المخدرات قاعدة لهم للتخطيط لعملياتهم، كما تمثل فرصة من أجل تبييض أموال التهريب والمخدرات في مشاريع عقارية بالمنطقة. وتمكن المجهودات المبذولة من قبل أمن الجهة الشرقية من تفكيك ما لا يقل عن 9 شبكات متخصصة في تجارة المخدرات، خلال السنة الماضية، ما يعتبر إنجازا هاما للأمن وضربة قوية لشبكات الاتجار في المخدرات. بني انصار…واحة البناء العشوائي الراقي إذا كانت جل المدن المغربية تعاني إشكالية البناء العشوائي، فإن الناظور تتميز بأنها تحتضن سكنا عشوائيا من الصنف الراقي، إذ توجد قصور وفيلات ومساكن فاخرة بضواحي المدينة ، تم بناؤها خارج الضوابط القانونية، على مسمع ومرأى من السلطات، وما تزال منتصبة تتحدى الجميع وتطرح أكثر من علامات استفهام. تنتشر البنايات الفاخرة بطريق القرمود، المنطقة الموجودة بتراب المقاطعة الأولى لفرخانة التابعة لجماعة بني انصار بإقليم الناظور، يعود بعضها إلى إسبان وأخرى إلى مغاربة مقيمين بالمدينة المسلوبة مليلية لا يقصدونها سوى في فترات العطلة، رغم العديد من المراسلات إلى وزارة الداخلية من أجل فتح تحقيق في مخالفات التعمير وصمت السلطات المحلية على هذه التجاوزات. وأفادت مصادر محلية في تصريحات ل"الصباح" أن من بين البنايات، الفاخرة توجد فيلا كبيرة على شكل قصر تابعة لضابط في الجيش الإسباني، بنيت هي الأخرى بطريقة عشوائية. وهناك فيلا فخمة تعود إلى أحد التجار المغاربة الكبار المقيمين بمليلية، التي صدرت في حقها، حسب المصادر ذاتها، ثلاثة قرارات لهدمها، لكن السلطات المحلية ترفض تنفيذ القرار لأسباب مجهولة ، كما منعت من الربط بشبكة التيار الكهربائي لعدم حصولها على الرخصة وبنائها بشكل عشوائي، لكن الأشغال جارية حاليا، من أجل ربطها بالتيار الكهربائي. ما لم يستسغه السكان المحليون هو أن أحد المسؤولين بالمقاطعة سبق أن اتخذت في حقه قرارات تأديبية في عهد العامل السابق، بسبب إخلاله بمسؤولياته في ما يتعلق بمراقبة مخالفات التعمير، لكن أعيد تعيينه في منصبه وتحوم حوله شبهات بالوقوف وراء انتشار البناء العشوائي الراقي بالمنطقة. وسبق لجمعيات محلية مهتمة بحقوق الإنسان ومحاربة الرشوة أن أثارت الموضوع ووجهت رسالات إلى وزارة الداخلية في الموضوع منذ سنوات، لكن لم تتم الاستجابة لمطلبها ببعث لجنة من أجل التحقيق في خروقات التعمير بالمنطقة، بعدما تأكد سكان المنطقة أن السلطات المحلية عاجزة أمام بارونات البناء العشوائي. وأكدت مصادر "الصباح" أن وزير الداخلية الحالي على علم بالموضوع، إذ سبق أن شن حملة تطهير بالمنطقة عندما كان عاملا على الإقليم، إذ سبق له أن قاد حملة هدم بعض البنايات التي أنجزت خارج الضوابط القانونية، لكن الوضع زاد استفحالا بعد أن غادر الإقليم. ومن المفارقات الكبيرة أنه أمام هذا التسيب وسيطرة النافذين على المنطقة، نجد أن هناك أسرا فقيرة تحرم من الربط بالتيار الكهربائي بدعوى أن مساكنها بنيت عشوائيا، في وقت تبذل كل المجهودات لإيصال القصور والفيلات الفاخرة العشوائية بالتيار الكهربائي. ووقفت "الصباح"، بالفعل، على فيلات على شكل قصور بنيت في مناطق غير مجزأة ولا تتوفر على المعايير والشروط المطلوبة، لكنها تتوفر على كل مظاهر البذخ ومجهزة بأحدث طراز. ولا يمكن أن تكون هذه البنايات الفخمة أنشئت دون علم من أوكل إليهم القانون السهر على مخالفات مقتضيات قانون التعمير.