في أولى زياراته بعد الاستقلال: الوحدة والاعتراف بتضحيات المجاهدين ورهانات التنمية شكلت أهم مضامين الخطاب التاريخي في 15 يوليوز 1956 أريفينو / خالد بنحمان إذا كانت ذاكرة الريف قد ارتبطت ارتباطا وثيقا بشهر يوليوز من سنة 1921 باعتباره موعدا حقق فيه المجاهدون انتصارا كبيرا في ملحمة أنوال الخالدة على القوة العسكرية الإسبانية فإن يوليوز من 1956 يمثل حدثا بارزا أرخ للقاء حار جمع بطل التحرير المغفور له محمد الخامس بساكنة الناظور في أولى زيارات جلالته بمجرد الإعلان عن استقلال المغرب. حيث جاء في خطابه “وقد أبينا إلا أن يكون في طليعة ذلك زيارة هذه الربوع من جبال الريف عرين الأبطال الميامين لما نحبو به ساكنتها من عطف وأبطالها المغاوير من تقدير وأولائك الذين حفزتهم شهامتهم وأهابت بهم بطولاتهم، فلبوا نداء الواجب واستجابوا لداعي الوطن”. 15 يوليوز من 1956، الساعة العاشرة صباحا حجت الجموع الغفيرة من الشباب والنساء والشيوخ منذ الساعات المبكرة تترقب قدوم موكب المغفور له وهتاف الكبار والصغار من على جنبات الطريق المكتظة وأسطح المنازل والبنايات المحيطة بساحة التحرير حيث مقر البلدية القديمة. فقد كانت مدينة الناظور على موعد مع التاريخ في مشهد عظيم تعالت فيه زغاريد النساء وكلمات الله أكبرو يحيا الملك احتفالا بالزيارة الميمونة لبطل التحرير التي استعرض فيها ما يفوق 2000 من الجنود بسلاحهم وانتظامهم، قدموا من مختلف نقط ومراكز جيش التحرير كلهم فخر لأداء التحية لعاهل البلاد، مناسبة وجه خلالها جلالته خطابه الشهير الذي اعتبره اعترافا ووفاءا بما قدمه المجاهدون بربوع الريف من إيواء طلائع المقاومة وجيش التحرير كما كانت نقطة لاستقبال السلاح والعتاد. فكانت المقاومة بالريف قاعدة وصلة وصل مع نظيرتها الجزائرية. جاءت زيارة الناظور بعد ثلاثة أشهر من زيارة مماثلة لتطوان كانت منطلقا لتأكيد وحدة شمال المغرب وجنوبه وأن شمال المغرب الذي كان يخضع للإدارة الإسبانية جزء لا يتجزأ من الوطن. التذكير بتضحيات الأجداد والمجاهدين مثلت أهم ما ورد في خطابه الشهير “فكانت هذه البقعة المباركة من معاقلهم مهد المقاومة الأولى، انتشرت منها حركة التحرير انتشارا عم سائر أرجاء البلاد وكانوا السباقين للنضال عن الحق المغصوب والتراث المسلوب”. الذاكرة المحلية وهي تعيد سيناريو الزيارة التاريخية تتلمس حرارة اللقاء الذي كان إشارة قوية تحمل دلالات بأبعاد سياسية وتاريخية من خلال صلة الرحم مع أبناء الريف ورجالاته من المجاهدين الذين كتبوا صفحات مشرقة من أجل الحرية والكرامة وصيانة المقدسات الدينية والوطنية. لقد شكل التلاحم من العرش و الشعب نقطة قوة المغرب ماضيه وحاضره، مسألة سجلها التاريخ الطويل فمنح المغرب مناعة ضد التفرقة لمواجهة التحديات بالرغم من كل الإكراهات والرهانات. امور فطن إليها طيب الله ثراه حين ألقى خطابه المليئ بالمغازي فكان مقتنعا وأشد إيمانا بأن استقلال المغرب ليس مرهونا بجلاء المستعمر وإنما بمواصلة معركة النشييد وبناء دعائم دولة الحق و القانون” وإن المعركة الفاصلة التي ندعو شعبنا الوفي لخوضها بكل ما أوتي من إيمان وحزم لهي معركة تحقيق العدالة للجميع حتى يتمتع كل أفراد الشعب بجميع حقوقهم”. لم يكن خطاب جلالته وهو يؤكد على مكانة إقليمالناظور تمليه أجواء فرحة فقط، بل كان تأملا في المستقبل الذي تصوره لهذه المنطقة كي تتبوأ مكانتها على حوض المتوسط. وها نحن في شهر يوليوز من 2009 نلامس عن قرب آمال وتطلعات المغفور له محمد الخامس تتحقق على عهد حفيده الملك محمد السادس .آمال وجدت سبيلها على أرض الواقع بفضل السياسة التنموية التي استفاد منها الإقليم فتحول إلى أحد الأقطاب الاقتصادية والسياحية بشمال المغرب، أوراش ومشاريع ومظاهر التنمية في كل صوب. يوليوز 2009 مرآة تنقلنا إلى ما أكد عليه المغفور له محمد الخامس في يوليوز 1956 فنستحضر من خلالها بطولات الشعب المغربي والبلاء الحسن لرجالاته ونفتخر بأمجاد قامت على تضحيات وصبر وجلد فشكلت إحدى حلقات مغرب اليوم ليبقى التلاحم والارتباط بالعرش ووحدة البلاد ميزة المغرب عبر ماضيه وحاضره ومستقبله رحم الله بطل التحرير وكل المجاهدين.