دأب طفلٌ على ارتداء قبعات رعاة البقر، وحمل مسدسات «الخرز» لتهديد الأقران، مقلدًا أدوار الشرير في أفلام «الكاوبوي» الأمريكية، فلما كبر صار أعظم من قدم أدوار الشر في السينما المصرية. كانت ملامحه أجنبية خالصة، فلا يقدر الناظر إليه أن يميز ما يدل على شرقيته، واجتذبت وسامته جموع النساء المفتونات بسحره، حتى صار لقبه بين أصدقاء شبابه «دون جوان سيدي بشر»، ومع ذلك كان له رأيٌ خاص في الحب، فتعامل معه بقدسية وعظمة، رافضًا البوح بأسماء شريكاته. وفي ذكرى وفاته، يرصد «المصري لايت» جوانب من حياة الفنان السينمائية والعاطفية، تلك التي منحته لقب «أشهر عازب في الوسط الفني»، رغم وسامته الفذة التي جعلته معبودًا للنساء. 7. النشأة عادل أدهم المولود في 8 مارس 1928، بحي الجمرك البحري في الإسكندرية.. كان أبوه محمد حسن أدهم، أحد كبار موظفي الحكومة، وأمه خديجة هانم تاكوش، تندرج من أصول تركية – يونانية، ورثت عن أبيها شاليهًا في سيدي بشر، فانتقلت للإقامة في الإسكندرية، وهناك تعلم الابن رياضة السباحة والملاكمة والجمباز وغيرها من ألعاب القوى، ونتيجة لفرط اعتزازه بنفسه، اشتهر بين زملائه ب«البرنس»، ولم يمنعه اللقب الوقور عن الرقص، فأجاد رقصات «التانجو والرومبا والفوكستروت». 6. بداية بائسة تشكلت لدى الشاب «أدهم» ملامح الفنانين بفضل مواظبته على ممارسة الألعاب الرياضية، فقرر الاتجاه إلى التمثيل، وفي بداية مشواره قابل الفنان أنور وجدي في إحدى زيارته إلى الإسكندرية طالبًا إليه أن يساعده في الدخول إلى عالم السينما، ولكن الفنان الكبير قسى عليه الرد، قائلًا: «أنت لا تصلح أن تمثل إلا أمام المرآة». انتقل بعد ذلك إلى تعلم الرقص مع الفنان الاستعراضي علي رضا، حتى كانت بدايته مع السينما من خلال فيلم «ليلى بنت الفقراء» عام 1945، الذي ظهر فيه كراقص، ثم فيلمي «البيت الكبير» و«ما كنتش على البال». ابتعد الشاب عن السينما، ليلتحق بالعمل في بورصة القطن، ونتيجة لتعلمه في كلية الزراعة أصبح أشهر خبراء القطن في بورصة الإسكندرية. وكان قرار تأميم جميع الشركات في ذلك الوقت ضربة أخرى في مشواره مع الحياة، فقرر الهجرة إلى الخارج، وقبل إتمام إجراءات السفر، قابل المخرج أحمد ضياء الذي صدّق موهبته، فقدمه في فيلم «هل أنا مجنونة» عام 1964. 5. «فيلسوف الشر» منذ بداية علاقته بالمخرج أحمد ضياء تجلت مواهبه الفنية، فقدم العديد من الأفلام التي تميز فيها بأدوار الشر المصحوبة ببعض الكوميديا، حتى اعتبره البعض امتدادًا للفنان استيفان روستي، وبلغ رصيده في السينما 84 فيلمًا، وأطلق عليه لقب «برنس السينما المصرية»، بعد تألقه في جميع أدواره. وتميز «أدهم» بالقدرة العالية على تقمص كل شخصية أسندت إليه، فكان يعيش تفاصيلها مهما بلغت خطورتها، وأثناء تصوير دوره في فيلم «هي والشياطين»، أصيب بكسور في العمود الفقري، أجرى بعدها 14 عملية جراحية. ورغم براعته الكبرى في أداء أدوار الشر، كان يقول: «السينما تأكل نجومها، وأنا لم أقدم خلال مشواري الفني شخصية تشبهني، فأنا لست شريرًا، أو متخصصًا في أدوار الشر»، وأثبت ذلك لجمهوره في فيلمي «أخطر رجل في العالم» و«العائلة الكريمة»، و«سواق الهانم» كما أنه كان كثير الضجر بلقب «الشرير»، وكان يفضل عليه لقب «ابن البلد». 4. الوطنية والعالمية في عام 1968 عرض عليه شيخ المخرجين الأمريكيين، إيليا كازان، العمل في هوليوود، مؤكدًا له أنه سيجعل منه فنانًا من طراز كاري كوبر وهمفري بدجارت، وكاد يغريه بعروضه السخية، غير أنه رفض لشدة تعلقه بمصر». 3. «دون جوان» سيدي بشر الناظر إليه في شبابه لم يجد وجهًا شرقيًا، وإنما غربيًا؛ فكان يتمتع بمواصفات شكلية جعلت منه معبودًا للنساء، حتى صار «برنس» أطفال سيدي بشر «دون جوانًا» في شبابه، ومع ذلك كان له رأي خاص في الحب والزواج والنساء، وكان يقول للمجلات: «أيام الشباب كانت حياتي مليئة بالنساء الجميلات لكنني ظللت لفترة طويلة عازفًا عن الزواج لأنه مسؤولية لا أقدر عليها، أما الحب فهو شئ آخر». كما تمتع في شبابه أيضًا برشاقة عالية، جذبت إليه أغلب بنات مدرسته المفتونات بجماله، ويقول الناقد محمود قاسم: «من القصص التي أتذكرها عنه، واقعة طريفة عندما كان يتنزه على شاطئ ميامي، وبينما يمشي مختالًا وقعت عيناه على فتاة حسناء ذات جمال أخاذ، فابتسم لها وحاول مغازلتها، لكنها نظرت إليه نظرة قاسية، فرد عليها بنظرة أكثر قسوة، ورغم أنه لم يتطاول عليها فإنها ردت على نظرته بعدة شتائم، ثم هددته بأن تستدعي أسرتها لمعاقبته، إلا أنها ذهبت ولم تعد، ولم يتأثر بتهديداتها ولم يخف، وسار واثق الخطى يمشي ملكًا». 2. زيجتان في حياة «ابن البلد» رغم النساء الكثيرات في حياة الشاب، فإنه خالف توقعات الجميع وأقبل على الزواج من «هانيا» أرملة المخرج عاطف سالم بعد حرب 1973، ومع ذلك فإن الخلافات ما لبثت أن فرقتهما مرة وأخرى، فطلقها مرتين ثم ردها بعد توسط المخرج نيازي مصطفى، وبعدها بفترة قصيرة انفصل عنها للمرة الثالثة عام 1977. صار وحيدًا بلا زوجة لمدة خمسة أعوام، حتى تعرف على لمياء نصر السحراوي بنت السابعة عشر، في حمام السباحة بفندق «الماريوت»، فتزوج منها عام 1982 زيجته الثانية والأخيرة. وتقول «لمياء» عن علاقتها به: «كنت أخشاه في البداية بسبب أداؤه لأدوار الشر، إلا أنني غيرت رأيي ووجدت نفسي أمام أطيب وأرق قلب لإنسان، كما أنه صارحني بعد ذلك بأنه رأى فيّ صفات من والدته جعلته يقترب مني ويحبني، ولعل أهما الحنان والرقة والإخلاص، وتزوجته وأنا في السابعة عشر من عمري، وكنت أتمنى دائمًا أن أموت قبله لأنني أحببته جدًا». 1. أشهر عازب في الوسط الفني عاني الفنان القدير في أيامه الأخيرة من المستعمرات المياه الساكنة على رئتيه، فحجبته عن التقاط أنفاسه تمامًا، حتى توفي في يوم الجمعة 9 فبراير 1996، في مستشفى الجلاء العسكري. وتقول أرملة الراحل «لمياء السحراوي»: «اشتهر بلقب أشهر عازب في السينما المصرية، رغم زواجه مرتين، وبعد انفصاله عن زوجته الأولى (هانيا)، قابلني فأحبني وسرعان ما تزوجني، والطريف أنني أول من بادر بطلب الزواج منه، لأنه كان يشعر بأنني لن أقبله زوجًا بسبب صغر سني، كما كانت عائلتي تنظر إليه نظرة تقليدية على أنه (مشخصاتي)، فكسرت أنا هذه القاعدة، وطلبت منه الزواج، وعشنا معًا 15 سنة من العسل». مات الذي تعامل مع الحب بعظمة، رافضًا البوح بأسماء شريكاته، وكان يقول لإحدى المجلات الأسبوعية: «أعترف أنني خضت أكثر من 10 قصص حب، ولكني تعاملت مع الحب بعظمة حتى وإن كانت قصص الحب تموت كما يموت كل شئ في الحياة لكن يبقى لي شئ خاص جدًا، هو أنني لا أبوح بأسماء هؤلاء اللاتي أحببتهن وكانت لي معهن صولات وجولات، حيث يتساوي عندي من أحب بمن أتزوج، فكل هذه الأسماء أسرار في رأسي ولا يعلمها أحد».