كل متتبع لما يحصل في الناظور منذ أربع سنوات تقريبا سيلاحظ التراجع الكبير الذي تعرفه الدينامية التنموية بالإقليم و التي أعطت انطلاقتها الزيارات الملكية السنوية منذ سنة 1999 والتي بفضلها رسمت لهذا الإقليم إستراتيجية تنموية طموحة تتوخى جعله قطبا اقتصاديا متميزا بالجهة الشرقية. و قد بدأ هذا التراجع واضحا في الاستثمارات العمومية التي عرفت تراجعا واضحا ما بعد سنة 2010 سواء تعلق الأمر ببرامج انجاز الطرقات والربط بالماء الصالح للشرب والتطهير والتأهيل الحضري والحماية من الفيضانات بل وحتى المشاريع المندرجة في إطار المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ناهيك عن المشاريع المهيكلة الكبرى كمشروع مارشيكا السياحي والحظيرة الصناعية بسلوان اللذان يعرفان تأخرا كبيرا في الانجاز وتخبطا واضحا في التدبير. إضافة إلى انسحاب وكالة تنمية الجهة الشرقية من تمويل أي مشروع مهم من الناظور منذ 2013. في المقابل يلاحظ جميع الناظوريين خلال هذه الفترة التدهور الكبير الذي يعرفه النسيج الحضري لجميع المدن و القرى بإقليم الناظور نتيجة تراكم الازبال وسطو الباعة المتجولين على المجال العمومي من طرق وساحات و مساحات خضراء وانتشار غير مسبوق للبناء العشوائي أمام أنظار السلطات المعنية التي يبقى عدم تدخلها أمرا غير مفهوم، إضافة إلى الارتفاع الذي لاحظه الجميع في عدد الاحتجاجات اليومية تقريبا أمام العمالة وإدارات أخرى بسبب عدم قدرة المسؤولين على حسن الإنصات للساكنة وحل بعض المشاكل البسيطة و فض الاحتقانات المجتمعية. كل هذا اغرق الناظور في شبه فوضى عارمة أعطت للأسف صورة باهتة وغير جذابة للإقليم الذي أصبح مقصد المهمشين بدل رؤوس الأموال والاستثمارات التي وعدت بها الساكنة. في الصورة المقابلة يمكن للجميع أن يلاحظ استمرارية نفس الوتيرة التنموية بمشاريع عمومية وخاصة في مدن مجاورة كوجدةوالحسيمة تتحسن من خلالها قوتهما وجاذبيتهما على المستويين الجهوي و الوطني. لا شك أن أي باحث عن أسباب هذه الوضعية ستتراءى أمامه عوامل موضوعية مرتبطة بالظرفية الاقتصادية الصعبة على المستوى الوطني والعالمي والتي لا تأثر على الناظور فقط بل على كامل التراب الوطني وسيجد نفسه مضطرا لان يأخذ بعين الاعتبار مجموعة من العوامل والاختيارات والقرارات الذاتية والداخلية التي تجمعت كلها، في لقاء لا يخلو من غرابة، للوصول بالناظور إلى هذه الوضعية الخطيرة التي تشبه إلى حد كبير تلك الحالة المأزومة التي عرفتها الناظور قبل انتفاضة 1984 والتي احد سماتها الأساسية، في اعتقادي المتواضع، عرقلة وتعطيل بروز الناظور كقطب صناعي و سياحي وضرب البنية التجارية للإقليم مع احتراق سوق المغرب الكبير والتضييق المستمر على تجارة التهريب المعاشي مع مليلية و التي شكلت دائما المكون الأهم لاقتصاده. في هذا الإطار، إن أهم ما يمكن فهمه من خلال الدينامية التنموية التي بدأت بعد 2000 هي أنها كانت أول محاولة جادة من أعلى مستويات الدولة لتخليص الناظور مدينة و إقليما من القبضة الاقتصادية لمليلية والتي حولت الناظور الى مدينة- بازار تتلخص مهمتها في تكديس السلع المهربة وتوزيعها على كامل التراب الوطني (حوالي 80 في المائة من كمية السلع التي يستقبلها ميناء مليلية يتم تهريبها إلى الناظور). لاحظوا معي أيضا انه تزامنا مع هذا التراجع المتعمد في المشاريع التي كان بإمكانها إخراج الناظور من اقتصادها الهش المعتمد أساسا على تجارة التهريب، يلاحظ الجميع العودة القوية لتجارة التهريب مع مليلية، حيث سجلت السلطات الاسبانية ارتفاعا في عدد الممارسين، بل أن بلدية الناظور أحيت بعد تردد كبير مشاريعها المتعلقة ببناء مركبات تجارية جديدة لاستقبال هذه التجارة، وكان الناظور لا تحتاج إلا للمزيد من المحلات التجارية لخدمة اقتصاد سلطات الاحتلال بمليلية. كل هذا يجري في إطار تنافس وصراع حقيقي بين المجالات داخل الجهة الشرقية في أفق التقسيم الجهوي الجديد الذي يضيف للجهة الشرقية إقليمي الحسيمة وجرسيف والذي من الواضح أن وجدة و الحسيمة قد ربحت خلال الأربع سنوات الأخيرة نقاطا مهمة على حساب تراجع الناظور. من اجل فهم ما جرى و يجري لابد من الأخذ بعين الاعتبار النقاط التالية: – حتى سنة 2010 كانت استرتتيجية تنمية الناظور واضحة المعالم في جميع القطاعات سياحيا من خلال مشروع مارشيكا وصناعيا عبر مشروع الحظيرة الصناعية بموازاة مشاريع واعدة للسكن و التاهيل الحضري. منذ ذلك الحين لم يكن ينظر لهذا التسلق نظرة الارتياح خاصة من بعض الأوساط بالجهة وخاصة بوجدةوالحسيمة. نتذكر كيف كان والي الجهة السابق غير متفق مع مشروع مارشيكا وتوظيف ميزانية مجلس الجهة لمعاقبة الناظور. وخير دليل على ذلك رفض هذا المجلس دعم مشروع الحظيرة الصناعية بسلوان وقبوله في نفس الوقت بدعم المنطقتين الصناعيتين بكل من وجدة و بركان (technopole et agropole) مما جعل ثمن بيع البقع الأرضية للصناعيين يزيد بكثير في الناظور عما يساويه في وجدة و بركان . إذا لم يكن هذا عملا مدروسا لتوجيه الاستثمارات الصناعية خارج الناظور فماذا سيكون إذا؟ – لإيقاف هذه الدينامية التنموية للناظور والمقلقة لهذه الأوساط تم اللجوء إلى ابسط وأنجع التدابير الغير مثيرة للشكوك ألا و هي تعيين مسؤولين في نهاية مشوارهم المهني ذوو كفاءات ضعيفة في مختلف مناصب المسؤولية بالناظور غير قادرين على مسايرة هذه الدينامية و على اقتراح و إبداع مشاريع جديدة بل و غير قادرين حتى على استكمال المشاريع التي هي في طريق الانجاز و إخراجها إلى الوجود. في هذا الإطار يجب فهم تعيين مسؤولين كبار كعامل الإقليم الحالي الذي تظل حصيلته جد متواضعة في إخراج مشاريع جديدة للناظور في الوقت الذي وصلت فيه الناظور إلى فوضى عارمة وتسيب إداري مع انتشار غير مسبوق للباعة المتجولين في كل شوارع المدينة و للبناء العشوائي الذي بلغ حدا لا يطاق. حصيلة جد هزيلة كانت دون شك السبب الرئيسي لانقطاع الزيارات الملكية للإقليم للسنة الثانية على التوالي بسبب عدم القدرة والرغبة لهؤلاء المسؤولين في اقتراح وتركيب مشاريع تنموية. كل هذا يجب ربطه في اعتقادي بأمر لافت جرى خلال المؤتمر الوطني الأخير لحزب الأصالة و المعاصرة، عندما تعرض ممثلوا الناظور لعتاب قاسي من احد قياديي هذا الحزب الريفيين بسبب الإقالة الغير متوقعة للعامل السابق. لنتذكر كذلك ما قام به العامل الريفي منذ ان وطئت قدماه الناظور من اختلاق لمجموعة من الصراعات والمشاكل التي سممت الأجواء مع رئيس بلدية الناظور والسلطات الاسبانية بمليلية المحتلة و القنصلية الاسبانية بالناظور، ليتضح فيما بعد أن الهدف كان محاولة دفع السلطات الاسبانية إلى إغلاق قنصليتها بالناظور و نقلها إلى مدينة الحسيمة. و كلنا يتذكر كيف عبئي الإمكانيات وجند بعض الأشخاص عن علم أو غير علم للقيام بهذه الأدوار المريبة كالاحتجاجات شبه اليومية أمام القنصلية الاسبانية بالناظور أو بالمعابر الحدودية أو حتى بمنابع المياه المغذية لمليلية و المتواجدة بمنطقة "اترترا" ببني شيكر. و يمكن أن نجزم أن هذه الإستراتيجية الانتقامية قد نجحت إلى حد كبير في إعطاء صورة سلبية عن الناظور و توقيف الدينامية التنموية. حيث انه للسنة الثانية لم تعرف الناظور زيارة ملكية لأنه بكل بساطة لم يكن المسؤولون المحليون الذين تم تعيينهم راغبين أو قادرين على تجميع الشركاء واقتراح و انجاز خطة تنموية ومشاريع تعزز مكانة الناظور و تحافظ على الحركية التنموية التي دشنتها الزيارات الملكية السابقة للإقليم. عندما نربط كل هذه الخيوط ببعضها البعض في قراءة كرونولوجية و تحليلية ندرك حجم المؤامرة على الناظور بمجالها المتميز بين وجدة و الحسيمة و ساكنتها و مؤهلاتها كونها القطب الصناعي و التجاري للجهة الشرقية. و نحن على أبواب تقسيم جهوي جديد يبدو أن أطراف سياسية ، عجزت عن تركيع الناظور وأصيبت بانتكاسة كبيرة في الانتخابات البرلمانية والجماعية الأخيرة، تريد اقتسام الكعكة بين وجدة و الحسيمة و إضعاف دور الناظور وتهميش دور نخبتها إلى أقصى حد. فهل يمكن أن تكون كل هذه الحقائق مجرد صدف. في عرف وزارة الداخلية، هناك مبدأ راسخ في التعامل مع تعيينات رجال السلطة من ولاة وعمال وباشوات وقواد: إذا أردت أن تعاقب إقليما وتوقف سيرورة تنميته، فما عليك إلا أن تعين به واليا أو عاملا يفتقد الكفاءة و الكاريزما اللازمة للنهوض به . هذه هي الوصفة التي يبدو أنها قد طبقت بنجاح خلال الأربع سنوات الفارطة بالناظور. اللهم اني قد بلغت. تعليق