مرت ذكرى وفاة الحسن الثاني، وِفق التقويم الهجري، وتحدَّث الكثيرون عن جوانب من حياته، تفوَّق فيها، ومنها، بدون شك قِيادته للقطيع المغربي، الذي كان يُسميه بطريقة ماكرة "شعبه العزيز" طوال ثمانية وثلاثين عاما. وهو إنجاز ضخم حقا، بالنظر إلى الطريقة الكارثية التي حكَم بها البلاد والعِباد، بيدين، واحدة من حديد، والأخرى بقفاز. إنًَّه بدون شك واحد من أهم السلاطين الذين تعاقبوا على حُكم المغرب والمغاربة، حيث فهِم جيدا الطريقة "الملائمة" لقيادة القطيع المغربي إلى … حتفه. وهو نجاح "كبير" من منظور التدبير السياسي الميكيافيلي. غير أن مَن استحضروا شخص الحسن الثاني لم يلتفتوا إلى جانب خطير من حياته، ويتعلق بطرائق سلوكه بين أبنائه و"حريمه". إذ لا يخفى أنه في مثل هذا الفضاء تتضح الشخصية الحقيقية للمرء، حيث تُعلن عُقده الظاهرة والدفينة عن نفسها، نبسط أمامكم أجزاء متوفرة من حياة الحسن الثاني بين أفراد أسرته، عساها تمنحكم إضاءات عن طبيعة التكوين النفسي لواحد من أخطر الحكام الديكتاتوريين في القرن العشرين. ** يضرب أبناءه وخدمه بحبال مبللة ويُصلح أعطاب قنوات المياه لم يكن أحد من زوار الحسن الثاني، مهما بلغت أهميته، يعرف ما عليه الحياة داخل قصوره،. كانت تلك هي القاعدة، حتى لو تعلق الأمر برؤساء الدول والملوك من أصدقائه، أو كبار الوزراء الذين كان الحسن الثاني يدعوهم لحفلات أعياد ميلاده في نهاية السنة، فكل هؤلاء من كبار الضيوف، وغيرهم لم يكونوا يعرفون شيئا عن حميمية حياة الحسن الثاني. كيف لا؟ وقد كانوا يجهلون كل شيء عن الحياة الخاصة للحسن الثاني، وأبعادها السرية، وارتباطاتها وتناقضاتها. لم يكونوا يعرفون مثلا، أن الملك السابق للمغرب، كان يعيش في عالم تؤثثه عشرات النساء، تسهرن على خدمته بشكل خاص، وأنه كان قادرا على ضرب واحد من خُدامه – أو أحد أبنائه – بواسطة حبال مفتولة ومبللة بالماء والملح، وفي نفس الوقت، البرهنة على أريحية مذهلة، وبشكل سري، تجاه أسرة أحد الخدم تعيش ضنكا في الحياة، وأيضا إرسال خادم آخر إلى مستشفى الأمراض العقلية، مُتهم بنسج علاقة غرامية مع إحدى نساء حريمه، كما كان يُمكنه أن يعهد لخدمه بمهام سرية. إنه ذات شخص الحسن الثاني العقلاني، الذي كان مهووسا بالتنجيم، حيث يحمل في معصمه سلسلة تحميه من الأرواح الشريرة، كما أنه كان قادرا أن يكون قاسيا بشكل رهيب، والتأكيد على أن لديه قلبا من حجر، وفي نفس الوقت، إرسال مئات العشرات من المغاربة المجهولين للحج إلى مكة على نفقته. كما أن ذلك السيد المتعالي والمُنطلق (مطلوق) المُحاط على الدوام بجيش من الخدم، كان مُديرا مُمتازا لأعطاب البيت، حيث كان بإمكانه القيام بدور عامل الرصاص (بلومبيي، أي "السمكري") لإصلاح عملية تسرب للمياه، أو النقاش حول نوعية خلطة إسمنت، ولا يُفوت أية فرصة للتأكيد على أنه فنان فريد من نوعه، كما كان يرسم تصاميم سيارات، وعمارات، ويخترع أشكال مجوهرات، ويصمم نماذج من ألبسة نسائية، كان يضطلع بتنفيذها مزودوه الأوروبيون بإخلاص، وكان يؤدي لهم أتعابهم عدّا نقدا. نعم، لقد كان ذلك يتم بشكل متأخر لكنه لم يكن يتنصل من الأداء. كان هناك ظل أساسي يُخيم على حياة الحسن الثاني وأبنائه، حيث كان مسدودا عليها بباب كبير ضخم والمفتاح الوحيد كان دائما بيده. باب ضخم موصود ومفتاحه عند الملك الحسن الثاني كان ملكا رحالة. فقد كان لديه نحو عشرون قصرا رهن إشارته، موزعة على مدى المدن المغربية من طنجة حتى أكَادير، ومن مراكش إلى إفران، مرورا بالدارالبيضاء.. قصور كبيرة، بعضها كان حميميا، قصور ملكية في مِلكية الدولة، وأخرى خاصة أو فيلات مُصممة على أساس أنها قصور، مُخبأة خلف أسوار ضخمة، محروسة ليلا ونهارا من طرف رجال مُسلحين. كما كان يملك إقامات فاخرة بالخارج، منها اثنان على الأقل بفرنسا، هي "آرمان فيليي" في الضاحية الباريسية، وبها مائتا غرفة، وإقامة "بيتز" الأقل شساعة نسبيا. إن القصر الأكثر أهمية، وإن لم يكن المُفضل، هو ذاك الذي يوجد بالرباط. فهو رمز عُمراني لسلالة العلويين الحاكمة. ويتعلق الأمر بمدينة قائمة الذات، بأزقتها وشوارعها، ومصحة ومقبرة ومجزرة وثانوية،وإسطبل ومسبحين، وملعب غولف به ثمانية عشرة حفرة، وملاعب كرة المضرب، وفيلات وغابة وسجن. إنها مدينة غافية ومهجورة، ينحصر وجودها في الغالب، ضمن الخرائط السياحية في بقعة بيضاء غامضة. بقعة محروسة جيدا… فعند أي واحد من أبواب القصر ثمة حراسة مشددة. فهناك يلتقي بشكل مُتزامن، رجال الأمن الملكي، والمظليين وعناصر الألوية الخفيفة للأمن، التابعين أيضا لقيادة الجيش، وخدام القصر "لمخازنية" أو "لفرارج" (الديوك) كما يُلقبون لارتدائهم الشاشية الحمراء والبذلة البيضاء. إقامات الأمراء والأميرات القصر الملكي بالرباط يُحيل على ديكورات قصص الكاتب الأرجنتيني "لويس خورخي بورخيص": عالم من التهويمات، والأشياء المًُصطنعة والمتاهات. ففي رحاب القصر، ومخافة و قوع انقلاب آخر، فإن كل ما يُعتبر هاما يتم إخفاؤه، وما ليس كذلك يُترك مكشوفا. فأبواب خشب الأرز المنحوتة البالغة الضخامة، تُفضي إلى ساحات فارغة، والممرات هي منعطفات أكثر من أي شيء آخر، أما الأبهاء فلا تنتهي إلا لتضيع، في حين أن المداخل المجهولة، والأسوار التي لا أبواب لها، والأدراج الضيقة، يُمكن أن تُفضي لقدس الأقداس، أي الإقامات الخاصة للملك. من أجل الدخول إلى قصر الرباط، كان على رواده الحميمين – الأمراء والأميرات، وكذلك الخدم – ألا يستعملوا المدخل الرئيسي، بل باب مرآب (كَاراج) يوجد على الهامش. ويُفتح على موقف للسيارات وبناية مجهولة حيث يقضي السائقون والحراس الشخصيون سحابة يومهم. الإسطبل ليس بعيدا، عن ذات المكان، وتوجد فيه العربة الملكية. ثمة أيضا غرفة أخرى يشغلها "مخازنية". إنهم رجال يفعلون كل شىء، مثل جلب الغذاء لجراء (كانيش) الأميرات، أو حمل الزرابي الكبيرة حينما يتنقل الملك، أوتقديم كؤوس الشاي لضيوف الحسن الثاني، أو حراسة أبواب القصر الملكي من الداخل، إنهم هناك متوفرون للقيام بشتى المهام. المنزل الصغير حيث أقام محمد السادس، في فترة المراهقة، يوجد على بُعد خطوتين، وهو مُشيد على نفس مقاسات علو باقي البنايات الأخرى، وبه حديقة. يتعلق الأمر بمنزل صغير ومُغرٍ وبمرافق لا مبالغة فيها: صالة طعام، ومطبخ وغرفة للأمير، وأخرى مزودة بسريرين لأصدقائه. وحينما نال ولي العهد شهادة البكالوريا ذهب لقصر "الرميلات" بضواحي "سلا"، ليتسلم أخوه الأصغر رشيد البيت بعده. أما حينما كان الاثنان معا أصغر، فقد كانا يعيشان بقرب، ما كان يُسمى داخل القصر، ب"إقامة الأمراء والأميرات". وفيما بعد فرض الحسن الثاني على إبنيه الرحيل إلى مكان آخر، لأنه لم يكن يريد أن يستمر ابناه، بعد سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة، في الإلتقاء بالفتيات اللواتي كن ملازمات للأميرات. إقامة الأمراء عبارة عن مسكن كبير أبيض، بحواجز تفصله عن باقي بنايات القصر المتوجة أسوارها بالقرميد الأخضر. كل أبناء الحسن الثاني أقاموا ودرسوا في ذلك المكان بشروط إسبارطية. كيف كان الحسن الثاني يحترم محظيات محمد الخامس؟ وإذا ما واصل المرء السير عبر الطريق المحفوفة بالورود، والتي تؤدي بالتدرج هبوطا إلى الفناء الداخلي للقصر، فسيصل إلى المصحة التي وُلد فيها أربعة من الأبناء الخمسة للحسن الثاني. وهناك أيضا يتلقى هذا الأخير العلاج بشكل مناسباتي. صحيح، لقد كان يُجهد نفسه ليبدو كما لو كان بصحة من حديد، غير أنه كان يعاني من اضطرابات هضمية، مقيمة ومؤلمة، التقطها في بداية سنوات خمسينيات القرن الماضي، حينما كان إلى جانب والده بجزيرة مدغشقر، وذلك خلال نفي محمد الخامس بين سنتي 1953 و1955 من طرف المستعمر الفرنسي. يسير المصحة أطباء يوغوسلافيون، ولا شيء ينقصها: قاعة للعمليات، ومختبر التحليلات الطبية، وجهاز "سكانير"، وصيدلية، وصالة لعلاج الأسنان، وذلك في الطابق السفلي، بمعية بضع غرف. وثمة أيضا صالة أخرى لعلاجات الأسنان، وبضع عشرة غرفة إضافية، مؤثثة ومُعتنى بها جيدا، حيث يأتي إليها لفيف من خيرة الأطباء الفرنسيين والأمريكيين، مرة كل شهرين من أجل إنجاز كشف صحي شامل للحسن الثاني. كما أن طبيب أسنان القصر كان يأتي من الخارج. وبالجوار، تسكن آخر خليلات الملك محمد الخامس. فحينما توفي هذا الأخير جراء عملية جراحية عادية، سنة1961، كان رجلا حيويا في العقد الخامس من العمر، أما محظياته فكن أغلبهن في نحو الثلاثين العمر. وبعد مرور قرابة أربعين سنة، ما زالت هناك نحو عشرين منهن تسْكُنَّ المكان ذاته، وقد بلغن في معظمهن سن السبعين. كان الحسن الثاني يُعاملُهُن باحترام. كل واحدة منهن تتوفر على شقة. ومسبح قريب وحديقة، وسائق يسهر على مُشترياتها من وسط المدينة. كان السكرتير الخاص للملك يصرف لأولئك النسوة اللواتي لا معيل لهن، رواتب ببضع مئات آلاف من الدراهم، كل شهر، ليتمكنَّ من الاستمرار في الحياة. هؤلاء الخليلات القديمات، هن الزبونات الأساسيات للبقال والخباز والجزار الذين يأتون كل صباح لفتح دكاكينهن الصغيرة داخل رحاب القصر. على مبعدة من هذا المكان ببضعة أمتار يبدأ حي آخر، حيث توجد قاعة العرش، التي كان يلقي فيها الملك خُطبه، ويعقد بها ندواته الصحافية. وهناك أيضا تجري اللقاءات الرسمية، والأحاديث الدينية خلال شهر رمضان. وهناك أيضا، وعلى الأخص، خلف حيطان غير معروفة، ونوافذ ضئيلة، تختفي الإقامات الخاصة للحسن الثاني، حيث تعيش عشرات النساء. وأبناء الحسن الثاني الذين كانوا يأتون، كل واحد ودوره، للسلام على والدهم، وذلك حسب ما تقتضيه أعراف البروتوكول، وباستثناء ثلاثة من الأشخاص الذين يضطلعون بالترفيه عن الملك وبضعة خدم كبيرين في السن، صامتين مثل القبور.. باستثناء هؤلاء، لا أحد يضع قدميه في ذلك المكان. وحينما يكون ضروريا تبديل أحد مصابيح الكهرباء، أو مد إحدى الزرابي الجديدة، فإن العمال الملحقين بالقصر يدخلون لعين المكان لكن يُرافقهم دائما أحد أفراد "عبيد العافية"، وهو واحد من سلالة عبيد القصر السود. ويا ويل العامل الذي يتجرأ على رفع عينيه على النساء اللواتي يجدهن في طريقه. حيث إن قلب القصر يجب أن يظل غير مُخْتَرَق. لم يكن هناك أي مستشار أو وزير أو رئيس دولة مهما كان مقربا، مسموح له أن يتقاسم العالم الحميمي والسري للحسن الثاني. ممرات وسراديب سرية إلى غُرف إقامة الحسن الثاني كان الحسن الثاني يعيش في الطابق الخامس والأخير ضمن بناية بلون أبيض مُخضب. ومن هناك، وعبر ممرات أقل أو أكثر سرية، وسراديب مخفية، وأبهاء غامضة، يُمكن الالتحاق بأجزاء من القصر، دون أن يكتشف أحد ذلك، والذهاب إلى المصحة، والالتحاق ببنايات محظيات محمد الخامس، بل وايضا، كما تفيد بذلك بعض الشائعات، مغادرة القصر الملكي خُفية. غير أن سيد المكان – أي الحسن الثاني – هو الذي كان يعرف لوحده التصاميم السرية للمداخل والمخارج وطرق استخدامها، كما كان الشأن أيضا بالنسبة لباقي القصور والإقامات، حيث كان يتوفر على مفتاح متعدد الاستعمالات لفتح جميع الأبواب. الطابق الخامس عبارة عن صالونات متسلسلة، ومكاتب وغرف نوم، وحمامات تتمشى فيه نساء بأقدام عارية،أو يطللن من أبواب غرفهن، في انتظار أن ينادي عليهن الملك بكلمة "إيه" باترة. في بعض الغرف ثمة صور كبيرة معلقة أو مسنودة إلى الجدران، تثير الانتباه. يتعلق الأمر برواق لصور الحسن الثاني، ومن صورة لأخرى تتنوع الأوضاع والديكورات وتختلف. في بعضها كان هناك أحد أفراد أسرته إلى جانبه، غير أن الملك يظل هو الشخصية المحورية. إنها الصور التي سيتم توزيعها على الأقرباء، وهي من الكثرة بحيث بالكاد يُمكن ملاحظة أن الحيطان المغطاة بقطع قماش باللونين الأخضر والأصفر، حسب موضة سنوات السبعينيات، تتقاطع بعنف مع غطاء الأرضية ذي اللون البني، وأحمر الزرابي الصوفية. أما في السقف فتتأرجح الثريات الإيطالية المزودة بمصابيح محمية من التفحم. الحسن الثاني يراقب كل شيء من الطابق الخامس في كل الغرف تقريبا ثمة تدفئة لفصل الشتاء ومكيف للصيف. أما الأثاث فيقتصر على كرسي وجهاز تلفاز موصول بموزع فيديو داخلي. ففي بعض الليالي يكون الحسن الثاني مُحاطا بنساء حريمه لمشاهدة مسلسلات أمريكية مثل "ديناستي" أو "دلاس"… إلخ. وفي العديد من الغرف ثمة أكداس من الهدايا التي لم يتم فتحها أبدا، ورزم الجرائد والمجلات الأجنبية، من "لوفيغارو" و "لوموند" و "الإكسبريس" و "لوبوان" مرورا بمجلات الغولف وأسبوعيات الأعمال الأنغلوساكسونية، عشرات العناوين. وبالمقابل فإن مكاتب وصالونات وغرف الحسن الثاني مزدحمة بسلال المهملات حيث تتكدس ساعات موشاة بالماس وايقونات الصلاة من العاج وولاعات فضية… والمجموع يمنح الانطباع بجوطية باذخة. غير أن الأكثر مدعاة للدهشة في الطابق الخامس، هو المسبح المكشوف، بمساحة محترمة، ماءه دافئ، غير أن الحسن الثاني لم يكن يستفيد منه أبدا. لقد توقف عن السباحة في مستهل سنوات ثمانينيات القرن الماضي بعد موت الرقم الثاني في النظام – رسميا في حادثة سير- ونعني به الجنرال "احمد الدليمي". حيث كان الحسن الثاني يعيش في خوف مقيم من عملية انقلاب جديدة. وبالتالي خوفه من أن يُفاجأ وهو في وضعية غير لائقة مرتديا مايوه سباحة، ودون أية وسيلة للدفاع في مواجهة انقلابيين محتملين. الرؤية بانورامية من الطابق الخامس. فهي تمتد عبر ملعب الغولف – الذي يُسمى، بتواضع مصطنع أو بسبب الحرج: الحديقة. من ذلك المكان المرتفع كان الحسن الثاني يراقب كل شيء متزودا بمنظار مُكبر، فمن محطة المراقبة تلك كان يتتبع عمليات الدخول والخروج من مختلف مداخل القصر، وفضاء اللعب في ساحة الاستراحة بالمدرسة الملكية، والزيارات التي تتم إلى إقامة ولي العهد، والتحركات في مكتب المستشارين، لا شيء كان يُفلت عن بصره. غرفة مكدسة بملايين الدولارات الطابقان السفليان حيث قلما كان ينزل الحسن الثاني، مخصصان للخليلات و ل،"أم الأمراء" كما تُلقب زوجة الحسن الثاني، ما دام أن لقب الملكة غير موجود في المغرب. تتوفر لطيفة على إقامة شاسعة يمتد على مدى الطابقين. وبجوارها نحو ثلاثين استوديو مجهزة بشكل جيد حيث تقيم محظيات الحسن الثاني، والممرضات الفيلبينيات الشابات اللواتي منحهن له الرئيس الفيلبيني السابق فيرديناند ماركوس، وكذلك مدلكات الحسن الثاني وهن من أصول كورية أو يابانية. كل الاستوديوات متشابهة: غرفة نوم، وبهو بأرائك صغيرة، وصالة حمام وقاعة استقبال. وثمة صور موضوعة كديكور للحيطان. لا يتعلق الأمر بصور أفراد الأسر اللواتي تركنها خارج القصر، فهؤلاء لا وجود لهم، حيث تنقطع أية صلة لهن بهم عند "اختيارهن" العيش في ظل الملك، بل بصور رسمية لهذا الأخير وهو في هيئة ملكية أو محاطا بأفراد أسرته. وكل نسوة الحريم مطالبات، في حالة مرافقة الملك في أسفاره، بأخذ تلك الصور معهن كما لو تعلق الأمر بأيقونات ثمينة. وفي الأسفل ثمة العديد من الحجرات المُقفلة التي تستخدم كمستودعات. مخازن لألبسة القفطان (زي نسائي مغربي تقليدي) وفساتين الظهور الطويلة الخاصة بالنساء، ومستودعات قمصان وأحذية الملك المصنوعة كلها على المقاس بإيطاليا، ومخزن خشب الصندل الذي يُعتبر القصر أكبر مستهلكيه، وهناك في الأخير مخزن الأوراق النقدية، المُقفل بطريقة غرفة بنك مصفحة، وثمة بداخلها خزانة حديدية مصفّحة ("كوفر فور") تتوفر على رُزم العملة الفرنسية والسويسرية والألمانية والدولار والانجليزية… مُرتبة بعناية في أكياس بلاستيكية. والمجموع بعدة ملايين الدولارات. كيف كان الحسن الثاني يشاهد أفلام الرعب والمغامرات وبجانبه مسدسه؟ هناك أيضا قاعة عرض سينمائية، مصبوغة باللونين البني والليموني، تم إعدادها في صالون قديم بالطابق السفلي. حيث كان الحسن الثاني يستطيع أن يدلف إليها عبر مصعد مُخصص له، انطلاقا من غرف نومه بالطابق الخامس. في القاعة المذكورة، ثمة نحو خمسين مقعدا، يوجد في وسطها كرسي الملك، بلون مختلف. وأمامه طاولة وُضِع فوقها جهاز هاتف ومِطفأة سجائر، ومِسْبَحَات. كان الحسن الثاني يرتاد قاعة السينما بشكل مُكثف. وحينما كان يفعل فإن "طاقمه" الحريمي كان يُرافقه. وأقربهن إليه تحمل في يديها ما يشبه حقيبة يوجد بداخلها مسدس الملك. وبمجرد ما يتم إطفاء الأنوار تلتحق الخادمات بقاعة العرض دون إحداث ضجيج. كانت تُعرض أفلام الرعب والمغامرات. ففي حين كانت أمه تُفضل أفلام الهنود الحمر، كان الحسن الثاني يُفضل أفلام "ألان دولون" و"كاترين دونوف" و"لويس دو فينيس" و"سين كونري".. وأفلام التاريخ القديم المدبلجة بالفرنسية التي تعود لسنوات الستينيات، وكل أفلام الجمهور وعشاق السينما، كان يُشاهد كل الأنواع. وفي مواجهة قاعة السينما كان هناك بهو رخام أبيض يؤدي إلى صالة استقبال تتوسطها نافورة. المكان مخصص للأعياد الكبرى الرسمية، حيث كان الحسن الثاني يتلقى التهنئة من النساء (كُنَّ يُقبلن قدميه) ومن جزء من أفراد أسرته. خادمات القصر والعيش بين الصراصير ثمة أيضا أبهاء أخرى تُفضي إلى جناح مخصص للخادمات القائمات على خدمة الملك وخليلاته. المكان غادره البذخ الموجود في المرافق والأجنحة السابقة، ويحيل على الاكفهرار بالأحرى. ففي الصيف تظهر فيه الصراصير، أما في الشتاء فإن عدم توفر التدفئة يجعله قاسيا. إن الخادمات اللواتي يصل عددهن إلى نحو الستين، يعشن كما أغلب الناس خارج القصر مختلطات ببعضهن البعض. وتنام كل ثلاثة منهن، في فراش واحد، وتفصل بينهن أغطية موضوعة كالأشرعة أمام كل فريق منهن، ويطبخن طعامهن أمام غرفهن. لقد مرت العديد من السنوات منذ أن جيء بهن إلى القصر، حينما كان المطلوب أن يذهبن إلى المدرسة، وبذلك فإنه كان محكوما عليهن أن يقضين حياتهن منعزلات عن باقي العالم، اللهم إذا قرر الملك أن يُزوجهن بأحد موظفي القصر. وإذا ما كان من بينهن بضع شابات، فإن أغلبهن عبارة عن نساء مسنات. إذ أن بعضهن كانا في "الخدمة" أيام محمد الخامس. حينما يهجر الملك القصر، فإن الخادمات لا يستطعن الذهاب إلى الطوابق العليا. وحينها فإنهن يظلن قابعات في أماكنهن، حيث كان يقتصر فضاؤهن على حمام القصر ورقعة زرقاء من السماء. لماذا كان الحسن الثاني يكره قَصْرَيْ الرباطوطنجة؟ لم يكن الحسن الثاني يُحب قصر الرباط حيثُ كان مُرغما على قضاء عدة شهور من السنة، كما كان يكره قصر طنجة الذي كان يعتبره متواجدا في منطقة متمردة، سحق تمرد أهلها ضد الملكية في نهاية سنوات الخمسينيات من القرن الماضي. وحينما أصبح ملكا، فإنه لم يزر قصر عروس الشمال (لقب مدينة طنجة) سوى مرة واحدة. كما أن قصر "أكَادير" لم يكن يروق له، مع أن هذا الأخير، يُعتبر قطعة معمارية بديعة، بزخارفه الزليجية، ومُنمنماته المُعقدة. ذلك لأنه كان على اعتقاد راسخ بأن صحراويي البوليساريو والجزائريين حصلوا على تصميماته حين تشييده. أما قصر دار السلام حيث شيد حديقة يابانية، فقريب جدا من العاصمة. في حين أن قصر الدارالبيضاء المُزود بقاعة ندوات، وبأنفاقه الجديرة بمحطة ميترو، بلا روح بالرغم من حدائقه الشاسعة المناسبة للاستقبالات. أما قصر فاس فيتوفر هو الآخر على حدائق شاسعة. غير أن ذكرى محمد الخامس ملتصقة جدا بالمكان بالقدر الذي لا يجعل بال ابنه مرتاحا حينما يُقيم فيه. وهناك إشاعات تُفيد أن قصر فاس الملقب بقصر المآسي، تسكنه الأشباح، كما هو الشأن بالنسبة لقصر مكناس. وإذا ما حصل للحسن الثاني أن أقام لبضعة أشهر من السنة، وبالأخص أثناء فصل الربيع، بقصر فاس، فإن ذلك كان يتم لسبب عملي. ذلك لأنه انطلاقا من هناك كان بإمكانه الالتحاق بأماكن أقل فخامة، لكنها تستهويه حقا، مثل الضيعة التي يملكها عند مدخل المدينة. وهي موجودة بالقرب من عين مياه دافئة، كما أنها – أي الضيعة – معروفة لدى أهل القصر بثمارها الخلوية اللذيذة، وطزاجة خضرواتها وحليب أبقارها، التي يتم تعهدها في أجواء الموسيقى الكلاسيكية. كان الحسن الثاني يحب التجول في هذه الضيعة، ومنح توجيهاته للعاملين فيما يتعلق بالمجال الفلاحي، والاستماع للشروحات التقنية، إنه يتوفر على روح فلاح كما كان يقول عن نفسه. كيف كان الحسن الثاني يتنكر في هيئة عجوز ليثرثر مع الناس؟ على بعد بضع عشرات من الكلومترات من مدينة فاس، وبالتحديد في مدينة "إفران"، داخل عمق الأطلس المتوسط، يملك الحسن الثاني قصرا شُيد بطريقة معمارية غريبة، لذا فقد لقبه خِفيةً بعض المحيطين بالحسن الثاني ب"قلعة دراكولا". القصر ليس شاسعا كما أغلب القصور الأخرى. لذا فإنه كان على الخليلات أن ينمن أربعة أو خمسة في الغرفة الواحدة، بينما يقيم الأمراء والأميرات على مقربة، من القصر، في فيلات، ذلك لأن الحسن الثاني كان حريصا على إخفاء سلوكاته الحميمية. كان الحسن الثاني يشعر في مدينة "إفران" بالأمان، حيث إن قصره ذا اللون الرمادي المُشيد على سفح الجبل، بعيد عن أية طريق مهمة في الجوار، تُحيطه السرية ومن السهل حمايته. وفي ذلك القصر عقد الحسن الثاني لقاءه الشهير مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق شيمون بيريز سنة 1986. كان يُفضل تلك المدينة الصغيرة بسقوفها المنحدرة. حيث كان يحلو له أن يضع لحية مُستعارة على ذقنه ويرتدي بنطلونا باليا، ويضع نظارة غامقة، ويستند على عكاز ليتنكر في هيئة رجل مسن، ثم ينزل إلى المدينة ليثرثر مع سكانها. وانطلاقا من "إفران" كان الحسن الثاني يلف في المنطقة، حيث لا يُشاهد في محطة التزلج بمشليفن. بل يفضل عليها مواقع المياه المعدنية والأحواض المائية الغاصة بالسمك. وحينما كان يذهب عند بداية الظهيرة لاصطياد سمك "الترويت" أو للتنزه أو للعب الورق مع أصدقائه الحميمين، فإن المنطقة المجاورة تكون مُحرمة على أي كان لا ينتسب للقافلة الملكية. أما فيما يتعلق بالخليلات، اللواتي يتم نقلهن بواسطة حافلات مجهزة بشكل جيد (واحدة منها كانت عبارة عن هدية من أمير سعودي، مجهزة بمصعد داخلي) فإنه لا يكون عليهن سوى أخذ ثقل انتظارهن بالصبر، حتى حلول آخر النهار، فحينها فقط يعلن الملك العودة إلى القصر. الحسن الثاني كان يحب أيضا الإقامة في مراكش، فهذه المدينة تكون رطبة وجافة في الشتاء، وهو طقس كان يُناسبه، ويملك في عين المكان إقامتين فخمتين: القصر الملكي و إقامة "الجنان" في قلب النخيل بمعزل عن الأنظار. وهناك تتكدس أكوام الهدايا التي مُنحت له على مدى الفترة الطويلة التي استمرها حكمه. حريق قصر مراكش الذي كاد يودي بحياة الحسن الثاني كان الحسن الثاني يقضي عادة أعياد نهاية السنة في قصر مراكش، هذا الأخير الذي كان قد تعرض، في نهاية سنوات الثمانينيات، لحريق إرادي تسببت فيه إحدى الخليلات، وكاد يأتي على القصر برمته (وبطبيعة الحال لم تتعرض الجرائد المغربية بكلمة للحدث كما كان الشأن بالنسبة لكل الأمور المرتبطة بالقصر وأهله). لم يكن الحسن الثاني يجد أية غضاضة في أن ينسب نفسه لسلالة النبي محمد، واتخاذ لقب "أمير المؤمنين" وفي نفس الوقت الاحتفال بأعياد رأس السنة. بطبيعة الحال لم يكن هناك مجسم للمهد المسيحي في القصر، ولكن كان هناك شجرة عيد الميلاد ("سابان) وخادم متنكر في شكل "بابا نويل" وجبال من الهدايا التي كان الملك يوزعها على الأطفال، بدون تمييز. وبتلك المناسبة كان لأطفال المدرسة الملكية الحق في تناول البيض بالشوكولاطة. أما بمناسبة اختتام آخر لحظة في آخر يوم من السنة، فإن الحسن الثاني كان يمنح للمئات من ضيوفه، المغاربة أو الأجانب، الذين تتولى مصلحة البروتوكول دعوتهم، هدايا ثمينة، ويتم إسكانهم في فندق المأمونية، وتكون ليلة لا تُنسى. فالأكل كان يتم جلبه من فرنسا، والأوركسترا والمشاهد الراقصة من الولاياتالمتحدةالأمريكية، أو أمريكا اللاتينية. غير أن هذا لا يمنع من أن الرجال كانوا في جانب والنساء في آخر، ويفصل بينهم حاجز موضوع بالمناسبة. الملك وحده يشكل صلة الوصل بين الطرفين. كان الحسن الثاني يرتدي حينها "سموكينغ" ويكون بمزاج رائق. ثم يشرع في العزف على الساكسوفون، ويجلس إلى آلة البيانو كما يقود الأوركسترا العازفة، ويرقص التانغو أو ال"شا – شا" او ال"رومبا" مع ضيوفه. إنه الرجل الوحيد الذي كان بإمكانه الرقص. وفي اليوم الموالي صباحا لا يتم نسيان أي واحد من حاضري الحفل الملكي، حيث تذهب النساء ومعهن حقائب مستحضرات الزينة من النوع الثمين، أما الرجال فتكون من نصيبهم معدات إلكترونية، أو ساعة أو جهاز تلفاز صغير. يوم فكَّر الحسن الثاني في اعتزال الحكم من بين كل القصور والإقامات التي كانت رهن إشارته، كان هنالك اثنان يُحبهما الحسن الثاني كثيرا: قصرا "الصخيرات" و"بوزنيقة". إن انجذابه للصخيرات يُعتبر مُفارقا، بالنظر إلى ذكريات الانقلاب العسكري الأول الذي وقع صيف سنة 1971 ، فضلا عن أنه لا الطراز المعماري ولا الديكورات تتوفر على شيء استثنائي. فالبنايات المواجِهة للبحر هي من النوع العادي جدا، غير أن هذا لا يمنع من أن كل شيء مُتوفر. فالقصر يتوفر على ملعب غولف وميناء ترفيه حيث يربض مركب يستعمله الحسن الثاني، يأخذ فيه خليلاته عبر جولات بحرية ترويحية، وكنَّ ترتدين كلهن قمصان صيفية مكتوب عليها "الصخيرات 19″ متبوعا برقم السنة، وهناك أيضا إسطبل وفيلا للأميرات والأمراء، وثلاثة أحواض سباحة، بمياه بحرية وعذبة، منها اثنان مخصصان للحسن الثاني، وثمة أيضا أغراس محمية مخصصة للفواكه الخلوية، غير أن كل هذا لا يُعد شيئا بالمقارنة مع القصور الأخرى. إن ما يصنع الجاذبية السرية للصخيرات هو الموقع الجغرافي، على ساحل المحيط الأطلسي، واحتفاظه بطبيعته الخلوية، وموقعه على بُعد نصف ساعة من العاصمة. حيث يحلو للملك أن يجلس وراء الحواجز الزجاجية المصفحة، الساعات الطوال، لا يمل من النظر إلى لعبة الأمواج التي تأتي لتموت على الشاطئ. فحتى في نهاية الصيف، حينما تبدأ الحرارة في الهبوط داخل القصر فقد كان الحسن الثاني يُحب البقاء في وضعه المتأمل ذاك لمدة طويلة. وقيل أن الحسن الثاني فكَّر يوما في تسليم شؤون الحكم لولده، مع الاحتفاظ بإمكانية العودة إليه في حالة استعجال قصوى. ولو كان قد رضخ لتلك الرغبة لاختار قصر "بوزنيقة" لقضاء أيامه الأخيرة. كيف كان الحسن الثاني ينام حينما يستيقظ شعبه والعكس بالعكس؟ إن شخصا فريدا مثل الحسن الثاني، لم يكن بإمكانه أن يحيى حياة يومية عادية. بل مُدهشة وشاذة. كان الحسن الثاني ينام حينما يستيقظ أفراد شعبه، يتناول فطوره، عند الظهيرة، ويقضي أغلب الوقت في ملعب الغولف وليس في المكاتب،ومُحَلِّقا بين خليلاته ومستشاريه، ويتناول عشاءه في منتصف الليل، ثم ينام في الساعة الرابعة صباحا.. إنه سيد الوقت وساعة المنبه الكبيرة في القصر الملكي. فكيفما كان الحال والظرف، وحتى لو كان الأمر متعلقا بملك أو ملكة، أو رئيس جمهورية أو صحافي مشهور أو أكاديمي مرموق، فإنه كان يضرب لهم مواعيد يذهب إليها متى شاء. الحسن الثاني كان الملك "الأقل لباقة" كما وصفته يوما الصحافة البريطانية، وذلك حينما جعل الملكة إليزابيت الثانية تنتظره قرابة ساعة، حين قيامها بزيارة رسمية إلى المملكة المغربية. مما أشَّر على أن الحسن الثاني كان يجد متعة خبيثة في جعل ضيوفه ينتظرونه ساعة إضافية، أو يوما إن لم نقل أكثر. فالأمد كان رهينا بمزاج الملك وقيمة الضيف. لقد خَبَر ذلك العديدون، ومنهم الملك الإسباني خوان كارلوس والرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران، والصحافي جان دانييل وغيرهم كثيرون. إن هذا الملمح السلوكي طبع حكم الحسن الثاني إلى درجة أن الملك محمد السادس يحرص على أن يبدو مختلفا في هذا المجال بالتزامه الدقيق بمواعيده. قبل الانقلاب العسكري بالصخيرات، كان للحسن الثاني إيقاع حياة عادية. يستيقظ باكرا ليكون في مكتبه في الساعة التاسعة، ثم يتناول غذاءه في منتصف النهار، ليعود لواجباته كرئيس للدولة، كما كان يمارس رياضة السباحة بشكل منتظم، ويتبادل بضع ضربات كرة التينس ويلعب الغولف حيث عُرِف بمهارته. لقد كان قادرا على التطويح بالكرة الصغيرة مائة مرة خلال جولة واحدة وفي ظرف ساعة. كان يعيش دوما في خوف من انقلاب ثالث إن الانقلابين العسكريين اللذين كادا يُطيحان به، ليس فقط خارج الحكم، بل خارج الحياة، زعزعا التنظيم الحياتي العادي للحسن الثاني. صحيح، لقد كان يُظهر اعتدادا بالذات من النوع النادر، وثقة كاملة بالنفس، فقد قال ذات مرة للتلفزة الفرنسية: "حينما أقوم بإنجاز حصيلة لحياتي، أجد أن الرصيد أكثر من المديونية، لم أقم إلا بالصالح، ولم أسيء ولم أضر أحدا، وأنا بين شعبي كما السمكة في الماء، حسب تعبير ماو". غير أن الذين كانوا يترددون عليه يوميا يعرفون أن تلك الثقة سطحية. لقد كان مسكونا بالخوف من عملية انقلاب ثالثة ضده، ومخذولا لأن رعاياه ظلوا ساكنين حينما كان مصير العرش بين قوسين. لقد أصبح كائنا مؤرقا وحذرا. نعم لقد ظلت أمور البروتوكول عادية من ناحية الجدولة الزمنية، لكنها اضطربت حسب إيقاع اضطرابات نوم الملك. فحتى لو كان في أكثر الأماكن جذبا له، مثل قصري الصخيرات وبوزنيقة، إلا انه لم يكن يجد راحته إلا بصعوبة، ونادرا ما كان ينام قبل الساعة الرابعة أو الخامسة صباحا. وحينما يستيقظ في اليوم الموالي فإن الشمس تكون في كبد السماء، وعلى التو يجعل المحيطين به يعيشون حياة فريدة ومرهقة. حيث كانت ساعات الصباح تمر وكل شيء مُعلق في انتظار أن يستيقظ الملك، حيث كان هذا الأخير ينام نهارا ويعمل ليلا. لذا، فغالبا ما كان يستدعي وزراءه حينما يكون مفروضا أن يكون هؤلاء في أسِرتهم نائمين. إن جو الرعب كان ثقيلا على حياة نساء الحريم. فمثلا، حينما كان مطلوبا من خليلات الحسن الثاني مرافقته إلى الخارج، فإن حقائبهن اليدوية، كانت تتعرض للختم في المطار، ولا يستعدنها إلا ساعة قبل الانطلاق، مع منعهن من فتحها.