المركز الأورو متوسطي للهجرة والتنمية بأمستردام ينظم لقاءً حول موضوع: الجهوية الموسعة ودور الجالية المغربية بالخارج مع أهم الخلاصات التي توصل إليها المشاركون * أعد هذا البيان الختامي: التجاني بولعوالي تعتبر اليومَ قضية الجهوية الموسعة أهم مستجد يهيمن على المشهد السياسي والثقافي المغربي، ومرد ذلك ليس إلى الطبيعة الإدارية والمجالية والتنظيمية لهذا الملف فحسب، وإنما إلى ارتباطه الوثيق بجملة من القضايا الحساسة والوازنة، كالتنمية والمواطنة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والهجرة، وغيرها. ومن شأن هذه القضايا أن تشكل تحديات صلدة وعويصة في وجه تحديث المجتمع المغربي وتطويره وترقيته، ما لم تعالج بكيفية علمية ومتوازنة وتشاركية بين مختلف مكونات المجتمع. وعندما نتحدث عن المجتمع المغربي، يتحتم أن نستحضر دوما شريحة المهاجرين المغاربة، الذين قدر لهم أن يغادروا الوطن قسرا أو عن طواعية، مجبرين أو عن طيب خاطر، فتحملوا مختلف ضروب المعاناة، من غربة واستغلال وعنصرية و(حكرة)، وهلم جرا! ومع ذلك كله، ظلوا متعلقين بالوطن، وأوفياء للجهات التي ينحدرون منها، دون أن يعيروا أي اكتراث، سواء للحكومات المغربية التقليدية التي ظلت تكافئ تضحياتهم الجسام بالتهميش، أم للمصالح الإدارية المغربية (القنصلية والجمركية) التي ظلت تمارس عليهم مختلف أصناف الاستغلال، أم لوسائل الإعلام الوطنية التي ظلت تعاملهم بالتغييب والتعتيم! أم لغير ذلك. إن الإحصائيات الرسميةَ الموثقةَ لعدد أفراد الجالية المغربية بالخارج، تناهز 3 ملايين شخص، أي بنسبة 10% من مجموع سكان المغرب، هذا ناهيك عن تحويلات المهاجرين المغاربة، إذ تشير الإحصاءات إلى أنه قام المهاجرون المغاربة عام 2007 بتحويل 55 مليار درهم (7.579 مليار دولار)، لتقفز ودائع المصارف المغربية من 70 مليار درهم (9.646 مليار دولار) سنة 2002 إلى 104 مليارات درهم (14.33 مليار دولار) سنة 2007. على هذا الأساس لا ينبغي، بشكل أو بآخر، الاستهانة بهذه الأرقام الثقيلة في ميزان التنمية، كما كان يحصل في العقود الماضية، فقد آن الأوان لأن تعتبر الدولة المغربية مواطنيها المقيمين بالخارج رقما أساسيا في المعادلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المغربية، وإلا فإن أي حديث عن إشراك الجالية يظل مجرد كلام معسول، أو مجرد سراب بقيعة يحسب الظمآن ماء! في ضوء هذه الرؤية الاستراتيجية الشمولية والمتوازنة، التي تسعى حثيثا إلى رد الاعتبار لشريحة المهاجرين المغاربة بالخارج، وبعيدا عن أية مطامحَ أيديولوجية أو دِعائية، تفضل المركز الأورو متوسطي للهجرة والتنمية بتنظيم هذا اللقاء المتميز، حول موضوع (الجهوية الموسعة ودور الجالية المغربية بالخارج)، يوم السبت 29 ماي 2010، وقد أتاح بذلك الفرصة لمختلف مكونات المشهد الثقافي والسياسي المغربي، من باحثين وإعلاميين وسياسيين وممثلين حزبيين وفاعلين جمعويين ومواطنين، لأن يشاركوا في هذا اللقاء، ويساهموا بأفكارهم ورؤاهم ومقترحاتهم في إثراء مضامينه ومحاوره وجلساته. وكما ورد في البلاغ الصحافي بخصوص هذه التظاهرة، “يعتبر هذا اللقاء منتدى للجالية المغربية بالخارج للتعبير عن انتظاراتها تجاه السياسة العامة للحكومة المغربية، كما أنه سيتم كذلك من خلال المناقشات طرح تجاربِ المغاربة المقيمين بالخارج، المتعلقة بشراكاتهم مع جمعيات المجتمع المدني بالمغرب، من أجل دعم التنمية الجهوية والديمقراطية والمواطنة، إضافة إلى آفاقهم المرتبطة بالجهوية الموسعة”. وقد تطرقت جلسات هذا اللقاء إلى أغلب حيثيات الجهوية الموسعة في علاقتها بالجالية المغربية في الخارج، إذ توزعت إسهامات المشاركين على ثلاثة محاور رئيسة: أولها؛ التنمية، الشراكة والديمقراطية؛ تجاربُ وآفاق المجتمع المدني المغربي بالخارج والمغرب. وثانيها؛ آفاق ومشاركة المجتمع المدني المغربي بالخارج في مشروع الجهوية الموسعة. أما ثالثها وآخرها فهو؛ تصور الأحزاب السياسية المغربية حول مشروع الجهوية الموسعة ودور الجالية المغربية بالخارج. وبعد يوم طويل من العروض والمداخلات التي تناوب على تقديمها صفوة من السياسيين والباحثين والفاعلين الجمعويين المغاربة، سواء القادمين من المغرب، أم المقيمين بالمهجر، وتخللتها مناقشات الحضور والمتابعين وكلماتهم، تم تسجيل جملة من الخلاصات الوجيهة والمحصلات المعتبرة، التي توصل إليها المشاركون في هذا اللقاء، وتتحدد كما يأتي: لماذا الجهوية الموسعة الآن بالذات؟ السؤال واحد، غير أن الأجوبة متعددة؛ لاسيما في هذه الظرفية الوطنية والعالمية الحساسة، الجهوية الموسعة لاحتواء قضية الصحراء، أو لقطع الطريق على دعاة الحكم الذاتي والانفصال، أو لتخفيف الحمل الإداري على الدولة المركزية، أو بدعوى الهاجس الأمني، أم أنها قضية قديمة عادت إلى الواجهة من جديد، ليتصالح من خلالها المخزن مع ذاته وتاريخه، وينفتح على العديد من الجهات التي ظلت طوال عقود طويلة وممتدة مقصية ومهمشة. إلى جانب تلك الأجوبة كلها، ثمة تفسير عميق واستشرافي، وهو أن الجهوية الموسعة أصبحت ضرورة استراتيجية، إذ آن الأوان لانخراط المغرب في محيطه الجيو – سياسي، ولا يمكن ذلك الانخراط إلا بعد تأثيث البيت المغربي الداخلي، عن طريق الاندماج الوطني لمختلف الجهات الوطنية، وتعتبر الجالية المغربية بالخارج مكونا أساسيا في المجتمع المغربي، لا ينبغي التغاضي عنه، وتجاهل وزنه الاجتماعي والاقتصادي والثقافي. يمكن لمغاربة الخارج أن يؤدوا أدوارا رائدة، ذلك أن إعادة تأهيل مناطق الانتماء الأصلي هو بديل إيجابي خاصة وأن المناخ العالمي يطبعه صراع الهويات والانتماءات، كما أن تجاربهم المهنية والاجتماعية والسياسية المكتسبة في بلدان الإقامة سوف تكون لها قيمة مضافة. على هذا الأساس يمكن الاستفادة من تجربة الجالية المغربية المكتسبة في مختلف الميادين والقطاعات، دون نسيان أن هذه الجالية تعيش في بعض البلدان التي قطعت أشواطا طويلة في هذا الميدان كإسبانيا وألمانيا وإيطاليا وغيرها، بل ويعمل الكثير من أبناء المهاجرين في تلك المؤسسات الرسمية والسياسية، ويمكن الاستفادة من هذه الكفاءات في مشروع الجهوية الموسعة. فيما يتعلق بالمشاركة السياسية لمغاربة الخارج في الانتخابات الوطنية، سبق وأن طُرح قرار ملكي هام، تحول إلى قانون تمت المصادقة عليه في البرلمان، وهو قانون من الأهمية القصوى بمكان، ويتضمن ذلك القرار الملكي أربعة عناصر، وهي: المشاركة السياسية للجالية المغربية في الانتخابات، وضرورة فتح دوائر تشريعية في بلدان الإقامة، وإنشاء مجلس استشاري أعلى لمغاربة الخارج، ثم السماح لأفراد الجالية المغربية سواء بالاقتراع أم بالترشح. هكذا فإن هذا القانون يؤسس، بلا محالة، للمشاركة السياسية للجالية المغربية في الانتخابات المغربية، مما يقتضي المقام الدعوة الأكيدة إلى تفعيل هذا القرار الملكي السامي، وإنزاله على أرض الواقع، حتى تستفيد الجالية المغربية من إمكاناته الهائلة، التي تجعل المهاجر المغربي أكثر ارتباطا بالجهة التي ينحدر منها. ثم إنه تم عقد العديد من اللقاءات والندوات والمؤتمرات حول قضايا الهجرة والتنمية، سواء من قبل الجهات الرسمية والحكومية، أم من لدن منظمات المجتمع المدني، وقد توصلت تلك التظاهرات إلى العديد من التوصيات العميقة والمكاسب المعتبرة، غير أنها بقيت رهينة الظل والأوراق الصفراء، ولم تنفع تلك الجهود الجبارة في شيء يذكر، باستثناء التراكم المعرفي، مما يقتضي بشدة دعوة الجهات المعنية من حكومة ومجتمع مدني وباحثين ومثقفين، إلى تفعيل تلك المحصلات والتوصيات، وترجمتها إلى سلوكات وممارسات واقعية وملموسة، أو على الأقل نشرها وتعميمها على مختلف هيئات المجتمع المدني والباحثين المتخصصين، حتى تتم الاستفادة منها، واستثمار نتائجها ومحصلتها، التي بلا شك سوف تغني تجربة الجهوية الموسعة. إجماع ممثلي الأحزاب الحاضرين على أنه آن الأوان للمشاركة السياسية لأفراد الجالية في الانتخابات المغربية، وقد عاهدت الحضور على أنها سوف تحرك هذا الملف، وتطالب الحكومة والمعنيين بالأمر من جديد، بإقرار هذا المطلب والدفاع عنه، حتى يتم تنفيذه. الجهوية الموسعة فضاء للاستثمار، ولا يتم ذلك الاستثمار إلا من خلال تضافر جهود مختلف الأطراف الرسمية والمدنية، الداخلية والخارجية، وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى إشراك الجمعيات والفاعلين المدنيين في مشروع الجهوية، عن طريق خلق مؤسسات جهوية مختصة في تقوية جمعيات المجتمع المدني، مع إشراك جمعيات الهجرة في مختلف المؤسسات الجهوية وبلورة مختلف المخططات التنموية الجهوية والمحلية، ثم الحفاظ وتطوير المكتسبات الهامة التي حققتها الحركة النسائية المغربية، بضمان تمثيلية المرأة في كل المؤسسات الجهوية. إن القضية الأمازيغية لا تشكل أي تعارض مع مشروع الجهوية الموسعة، فعندما نتحدث عن الجهوية لا ينبغي أن نتخوف من الاختلاف والتنوع الثقافي واللغوي، وفيما يتصل بالمكون اللغوي الأمازيغي، يتطلب التعامل معه بعيدا عن أي استثمار أيديولوجي أو استغلال سياسي، بقدر ما نأخذ منه، بكيفية علمية وموضوعية، الجانب التواصلي والثقافي الذي يثري العلاقات البينية، بين مختلف مكونات المجتمع المغربي، فعادة ما يؤدي خلل التواصل إلى الكثير من العواقب الاجتماعية غير المحمودة. إن مسألة التواصل على بساطتها الظاهرة، تشكل قيمة رمزية معتبرة، غير أنه غالبا ما يُقصى هذا الجانب الرمزي ويُغيب، بصيغة واعية أو لا واعية. في ضوء هذه الرؤية العلمية، بإمكان البعد الأمازيغي أن يقدم الكثير لمشروع الجهوية الموسعة، في مقابل ذلك يتحتم إعادة الاعتبار للمقومات التاريخية والثقافية المحلية، من خلال إدماجها في المقررات الدراسية الجهوية، ثم الحفاظ على التعدد اللغوي والثقافي حتى تصير معه اللغة الأمازيغية لغة رسمية. إن علاقة الجالية المغربية بالوطن لا ينبغي أن ترتهن بما هو ديني أو ثقافي أو اقتصادي فحسب، وإنما من خلال مبدأ المواطنة، الذي مؤداه أن المهاجر المغربي، هو قبل كل شيء مواطن مغربي، حسب الانتماء والثقافة والدستور، بيد أن هذا المهاجر يحرم من نعمة هذه المواطنة، ولا تتأتى له هذه النعمة إلا من خلال آلية المشاركة السياسية الشفافة والنزيهة، التي تجعل المهاجر المغربي أكثر ارتباطا بالوطن وبالجهات التي ينحدر منها، على أساس من التكافؤ وتبادل المصالح، لا الاستغلال والتبعية. توصيات المركز الأورو متوسطي للهجرة والتنمية بأمستردام بخصوص الجهوية الموسعة ودور الجالية المغربية بالخارج 1- الهجرة والجهوية الإقرار بالمساهمة الاقتصادية والاجتماعية للجالية المغربية بالخارج، في دعم الاقتصاد الوطني وضرورة إشراكها في الاوراش الوطنية كورش الجهوية الموسعة. الرفع من وتيرة استثمار تحويلات الجالية المغربية بالخارج نحو المناطق المنحدرة منها، (حاليا يتم استثمار اقل من 7% من التحويلات في المناطق المصدرة للهجرة). دعم الشراكة وعقلنتها بين أفراد الجالية المغربية بالخارج وبين الجهات التي ينحدرون منها عبر خلق شبكة من التواصل والتعاون بين الجمعيات التنموية والجمعيات المغربية بالخارج بشراكة مع الجهات. إحدات صندوق تضامني لفائدة المناطق الفقيرة والضعيفة المصدرة للهجرة، ويجب أن تساهم الدولة والجهة والجمعيات التنموية بالمغرب والخارج والمنظمات الدولية في إحداث هذا الصندوق التضامني، ليتسنى تحقيق الرخاء الاجتماعي والاقتصادي بالجهة، ومن ثم نوع من التوازن والتكافؤ بين مختلف الجهات. التواصل مع الكفاءات المغربية بالخارج من أجل تفعيل مشروع الجهوية الموسعة. الأخد بعين الاعتبار البعد الثقاقي والاجتماعي والتنموي للسكان من أجل تقليص الفوارق وفك كل أشكال العزلة والتهميش. وضع آليات وميكانزمات تخول للجان من المجتمع المدني داخل المغرب أو خارجه، تتبع ومتابعة صيرورة عمل الأوراش والمشاريع الخاصة بالجهوية الموسعة. خلق فضاءات تواصلية مع الشباب المغاربة بالخارج وتعريفهم بالإنسية المغربية الجهوية، حتى يتسنى لهم أن يصبحوا فاعلين اجتماعيين واقتصاديين بالجهة الأصلية. div id=”_mcePaste شارك التعليقات مغلقة