الأستاذات الفاضلات والأساتذة الأفاضل شهدت بلادنا يوم ثامن شتنبر المنصرم كارثة طبيعية مفجعة، حيث ضربت هزة أرضية عنيفة بعض أقاليم المملكة، مخلفة ضحايا بشرية وأضرار مادية كبيرة. ونترحم، بهذه المناسبة الأليمة، على الأرواح الطاهرة لكل الضحايا، ومنهم تلاميذ وأستاذات وأساتذة، الذين قضوا في هذه الفاجعة، متوجهين إلى أسرهم وذويهم بأصدق مشاعر العزاء والمواساة، كما نتمنى الشفاء العاجل لكل المصابين والجرحى. وتنفيذا للتعليمات السامية لجلالة الملك محمد السادس نصره الله، بالاستئناف السريع للخدمات العمومية، وإعادة بناء وتأهيل المناطق المتضررة، وبفضل قيم التضامن الأصيل، والمبادرات التطوعية المتنوعة التي انخرطت فيها مختلف فئات المجتمع، بمن فيهم نساء ورجال التعليم، تجندنا جميعا من أجل تطويق تداعيات هذه المحنة على منظومتنا التربوية. وفي هذا الإطار، فقد تعبأت الوزارة، بتنسيق مع السلطات المحلية وباقي المؤسسات المعنية، منذ الساعات الأولى لحدوث الزلزال، من أجل مساعدة ومؤازرة الأستاذات والأساتذة بالمناطق المتضررة، كما تم توفير الرعاية الطبية لعدد من المصابين من طرف مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للتربية والتكوين. ومن أجل تأمين استمرارية الدراسة بالمناطق الأكثر تضررا، تم اتخاذ مجموعة من الحلول الميدانية السريعة، كنقل التلميذات والتلاميذ، بموافقة أسرهم، إلى مؤسسات تعليمية أخرى وتقديم الخدمة التربوية في خيام مجهزة، وإحداث حجرات دراسية مركَّبة، في انتظار تأهيل أو إعادة بناء المؤسسات المتصدعة أو المنهارة. بما يرافق ذلك من مواكبة وعمل تربوي ودعم نفسي واجتماعي للتلميذات والتلاميذ من طرف أطر مختصة، تم تكوينهم لهذا الغرض، بتعاون مع مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة. ولقد قمنا بعدد من الزيارات التفقدية لمجموعة من المؤسسات التعليمية بالمناطق التي تضررت جراء زلزال الحوز، وقفنا من خلالها على مستوى التعبئة الذي أبانت عنه أطر هيئة التدريس في سبيل تأمين الخدمة التربوية العمومية، بحرصهم على القيام بواجبهم التربوي، وبسهرهم على مواكبة ودعم التلميذات والتلاميذ، رغم الظروف الصعبة التي خلفتها هذه المحنة المؤلمة بالنسبة لهم أيضا. وقد أكد هذا الانخراط الجماعي، من جديد، على الدور الحاسم للمدرسات والمدرسين في تدبير الأزمات، وفي إعلاء قيم التضامن والتعاون، بعد الدور البارز الذي قاموا به إبان جائحة كورونا. الأستاذات الفاضلات والأساتذة الأفاضل إن اليوم العالمي للمدرس، هو مناسبة للإشادة بمجهودات المدرسات والمدرسين والوقوف على أوضاعهم واستشراف آفاق هذه المهنة النبيلة. وهو مناسبة، كذلك، لاستحضار مركزية أدوار المدرس في كسب رهانات الإصلاح التربوي. وقد أفردت خارطة الطريق 2022-2026 "من أجل مدرسة عمومية ذات جودة"، وإطارها الإجرائي لسنتي 2023 و2024، مكانة متميزة للمدرسات والمدرسين، بما تضمناه من برامج للتحول ومبادرات، تتعلق، أساسا، بتجويد التكوين الأساس والتكوين المستمر، وتعزيز استقلالية المدرس في اتخاذ المبادرة، من أجل تقوية التزامهم بإحداث التحول المنشود، الظي ينطلق من الفصول الدراسية، ويجعل المؤسسات التعليمية فضاءات للنجاح والتفتح، إذ تزود التلميذات والتلاميذ بالكفايات والمهارات والمعارف الضرورية لجعلهم مستقلين، وقادرين على رسم معالم مستقبلهم. وفي سياق هذه الدينامية الإصلاحية، يعتبر مشروع مؤسسات الريادة مدخلا مهيكلا للإصلاح التربوي، يروم تثبيت التعلمات لدى التلميذات والتلاميذ، وتقليص الفوارق التعلمية بينهم، بفضل أنشطة الدعم والمعالجة التربوية، والانخراط الكبير للمدرسات والمدرسين، بالمؤسسات المتطوعة لاحتضان هذا المشروع، سواء خلال التكوينات أو عبر تنزيل العدة البيداغوجية للمشروع أو مواكبة المتعلمات والمتعلمين. وهو ما يضعنا أمام فرصة حقيقية للتغيير، ينبغي استثمارها، لتجديد وتأهيل المدرسة العمومية، واسترجاع الثقة فيها. الأستاذات الفاضلات والأساتذة الأفاضل إن تعزيز انخراط أطر هيئة التدريس في أوراش الإصلاح، يستدعي الاستثمار في تحفيزهم، بما في ذلك تحسين وضعيتهم المهنية والاجتماعية. وفي هذا السياق، يأتي النظام الأساسي الجديد لموظفي قطاع التربية الوطنية، الذي تم إعداده وفق مقاربة تشاركية مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية الموقعة على اتفاق 14 يناير 2023، والذي صادق عليه مجلس الحكومة المنعقد يوم الخميس 27 شتنبر 2023. وهو نظام يحافظ على جميع المكتسبات السابقة، ويستجيب لمطلب توحيد المسارات المهنية، إذ يطبق على جميع موظفي القطاع، بمن فيهم الأطر النظامية للأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين سابقا، الذين سيتم إدماجهم جميعا في هذا النظام الموحد، والبالغ عددهم ما يناهز 140 ألف، بما سيسمح للجميع بالاستفادة من نفس الحقوق والضمانات، والخضوع لنفس الواجبات والالتزامات. كما يتضمن النظام الجديد مقتضيات هامة في مجال التحفيز، ستستفيد منها هيئة التدريس، تستجيب لمطالب طال انتظارها، ولاسيما من خلال فتح أفق الترقي لولوج الدرجة الممتازة لمجموعة من الفئات. كما سيتم إقرار نظام وآليات أخرى للتحفيز، تراعي المردودية المهنية. الأستاذات الفاضلات والأساتذة الأفاضل إن هذا الاستثمار الكبير في الارتقاء بالمسارات المهنية لموظفي القطاع، لن يضاهيه إلا استثمار تربوي قوي للفاعلين التربويين، ينعكس إيجابا على كسب رهانات الإصلاح التربوي، ويسمح بالاستجابة للتطلعات وللانتظارات الملحة للمواطنات والمواطنين في إرساء مدرسة الجودة، وهو ما يحثنا على خلق دينامية جماعية للتعبئة الشاملة لنساء ورجال التعليم حول أوراش تجديد وتطوير المدرسة العمومية، وتكريس جهودهم بهدف تحقيق الأثر الملموس على تحسين تعلمات التلميذات والتلاميذ، باعتبار ذلك الغاية الأسمى لمنظومتنا التربوية. وتثمينا لمهنة التدريس، ستعمل الوزارة على إطلاق منتدى سنوي للمدرس، كفضاء علمي وتربوي، يساهم في ترسيخ الثقافة الإيجابية حول فعل التدريس وفي تعزيز جاذبية المهنة، إلى جانب تسليط الضوء على نجاحات أطر التدريس والانفتاح على الممارسات التربوية المجددة والملهمة. الأستاذات الفاضلات والأساتذة الأفاضل أوجه إليكم، جميعا، تحية إجلال وإكبار، في يومكم العالمي، الذي نريده أن يكون محطة لتجديد التعبئة من أجل الانخراط الجماعي في السيرورة التحولية للمدرسة، وتقوية الالتزام بإقامتها على أسس الجودة. وبالنظر للأهمية القصوى التي يحظى بها إصلاح المنظومة التربوية ضمن الرؤية التنموية المتبصرة لصاحب الجلالة، حفظه الله، واعتباراً لما يوليه جلالته من عناية لتعزيز الرأسمال البشري وبناء الوطن، فإن خدمة المصلحة الفضلى للتلميذات والتلاميذ، والالتزام بنجاحهم وارتقائهم، هي أفضل وسيلة لتقوية صرح المدرسة العمومية ولتوطيد أسس المشروع المجتمعي لبلادنا.