ذ: عبد المجيد بن الشاوية من أبدع الخلاصات الذهبية التي استوقفتنا عند قراءتنا لكتاب المفكر المغربي،التاريخاني الأستاذ عبد الله العروي،والموسوم بعنوان "من ديوان السياسة"،وهو يطرح ويناقش ويحلل، ويستخلص عند كل نقطة/موضوع على حدة خلاصة ما،في هذا الكتاب الطيب الأثر و النفحات الفكرية على العقل والتصور معا، والحامل بين ثنايا طروحاته رؤية نقدية للواقع المغربي،مع جعله أمام محكمة العقل والمنطق،واقفا شاخصا ،شاهدا على نفسه من خلال مؤسساته وأفكاره ومعطياته وتصوراته المادية والرمزية،الرسمية وغير الرسمية، المدنية و السياسية ، الاقتصادية والاجتماعية ، النفسية والمعرفية، الإيمانية والنزوعية، ومن تم تقويض بنياته وهدمه من الداخل والخارج معا ،ووضع اليد على مكمن الداء الذي ينخر هذا الواقع بالذات,و المتجلي في مفهوم تربية الأم الأمية .قلنا وهو يستخلص خلاصة /موضوعة، والتي تثير الانتباه وينشد العقل إليها،حيث الوقوف عندها، لا تحتاج إلى كثير من الجدال والسجال عند طرحها أمام القارئ الجاد والنبيه والكيس،في موضوع ذي أهمية قصوى في النسيج الاجتماعي، ألا وهي "لا يدخل مجتمع ما التاريخ الحديث إلا إذا ما عرف من أين رزقه"(العروي،من ديوان السياسة2010ط2ص41). إنها الخلاصة الموسومة بأرقى شكل من أشكال العقلانية والتبصر ،والتي بدورها،تؤشر على الفيصل بين الاقتصاديات المجتمعية التقليدية/ الكلاسيكية،المبنية على خلفيات ومرجعيات إحراز وإيجاد مركز اجتماعي و اقتصادي سياسي/إداري داخل الهرم المجتمعي،بوسائل وأدوات نمط تفكير وثقافة ذات علاقات/ارتباطات عضوية /عصبية بمكوناتها ومحدداتها،والمؤطرة للسلوك الاقتصادي والمعيشي الإنتاجي/الاستثماري ،وذلك في شتى ألوانه ومظاهره، ومن ثم نيل الحظوة والنفوذ والغنيمة والحماية والاستمرارية مقابل لازمة الولاء والطاعة والخضوع والانقياد ،ضدا على الأخلاق والقيم والكرامة والعقل والإنسانية ومفاهيم الإنتاجية التطورية الإبداعية، و بين اقتصاديات البلدان المتقدمة،المتسمة أدواتها وعلاقاتها ومظاهرها بالطابع الحداثي والتطوري والعقلاني،والتي تحاول من حين لآخر فسح المجال وجعله مفتوحا أمام الطاقات والقدرات والإمكانات، واستثمارها لكل ما هو متاح أمامها من فرص ومبادرات ذات الأبعاد القيمية والوطنية والإنسانية، وجعل الكل في حالة استنفار قصوى لتلقي كل الإبداعات والاختراعات والمبادرات الإنتاجية، العلمية والصناعية و التكنولوجية والفنية والإدارية والتسييرية/التدبيرية، سواء في أبعادها المادية او الرمزية، حيث تجيش كل الأفكار و المعارف والادراكات والمقدرات، لابداع وسائل الإنتاج، والبحث في كيفيات الإنتاجية في جميع المجالات الاقتصادية، كهدف أسمى في العمل التفكيري الاقتصادي بغية تعصير وتقطير الطاقات والقدرات في عمليات البناء والنماء، في تفاعل بيني بين العنصر البشري وما يستبطنه، والموارد المادية وما تتيحه،مع مأسسة كل فعل أو سلوك، وجعله هادفا في القيام بوظيفته حسب الهدف المنشود والمراد المأمول، لما تم التخطيط له وهندسته في أبعاده، ليس فقط، الاقتصادية المادية، والتي تلبي الحاجيات الملموسة والمحسوسة، أو التي تحفظ بقاء الجنس البشري، أو الحاجات الكمالية والترفيهية، ولكنها، تتعدى هذا وذاك، لتفي بأغراضها وأهدافها ذات الأبعاد الكيانية للوجود الإنساني وحمايته من الضياع والهدر، وكل اشكال الاستنزاف والتبخيس، والحرمان وحلقات المكبوتات البنيوية،في مجالات الحياة الإنسانية، التربوية،المعرفية/العلمية،الثقافية،السياسية،الاقتصادية،الاجتماعية،و الإنسانية،في محاولة منها،,وبشكل مسترسل الحلقات، جعل إنسيتها في أوضاع صحية ايجابية ومتوازنة نفسيا(صحة جسدية ونفسية) ،اجتماعيا( توفير/وفرة الحاجيات والخدمات الاجتماعية)،اقتصاديا(القضاء على الفقر و مظاهر العوز ،توفير الحاجات الضرورية للبقاء وتنشيط الدورة الاقتصادية الإنتاجية) ،إنسانيا(حفظ الكرامة الإنسانية والقدرات-لا قيمة إنسانيا مع البطالة والتعطيل- ...).أي,إنها الاقتصاديات التي تستثمر كل الموارد المادية والطبيعية والبشرية،لأجل الإنسان كقيمة أسمى،ومن ثمة الحديث عن تنمية الانسان والمجتمع والوطن، ذلك ما يتيح امكانيات التحقيق الفعلي للاقتدار الاقتصادي والاجتماعي والمؤسساتي،في أبعاده النمائية على جميع المستويات،لما حصل من اقتدار كياني وعقلي و معرفي وتفكيري، بداية،مرورا بمرحلة التخطيط المتفاعل بين كل الطاقات والكفاءات والفعاليات المؤسساتية،وصولا إلى مرحلة التنفيذ لكل ما فكر فيه،وخطط له ،مع ترك الهامش لإمكانية الاقتدار التجريبي،في محاولة من أنظمة هذه الاقتصاديات، الوقوف على الثغرات والفجوات في أبعادها المصلحية والانتاجية والوطنية،بغية جعل العقل والفكر في محك المختبرات الاجتماعية والمؤسساتية، ومن تم عملية سد النقائص، أو تعديل المناهج والأساليب وأنظمة القوانين والمؤسسات، او حذف ما يمكنه ان يشكل عبئا،لا فائدة مرجوة منه،كل هذا يتم في إطار من الفعالية الناجعة لكل مؤسسات المجتمع،والمبادرات الفردية والجماعية /الفئوية/النقابية /السياسية/الاقتصادية/العلمية /الثقافية،لهذه البلدان المتقدمة،اذ يحصل هذا، حيث الاشتغال على آليات من صميم الفعالية البشرية/الإنسانية،من قبيل الاقتدار/الإمكان الذاتي،العلمي والمعرفي،الثقافي والنفسي، مرورا بالارتكاز على دعائم الانجاز من مثل الأهلية والكفاءة والأداء الجيد، والتنافسية الشريفة بين الفعاليات الفردية والجماعية والمؤسساتية سواء بسواء، على شهادات الاستحقاق وحسن الأداء والعمل الشريف،وصولا إلى التنظيم المؤسساتي والقانوني والمحاسباتي وقنوات المساءلة في حال الاخلال بالواجبات أو إهدار الحقوق، وليس على الولاء والروابط العصبية الورمية التي تنخر المجتمعات المتخلفة والنامية ،والتي تشتغل على "المحسوبيات العصبية وتغليب الولاء والاستزلام"، والسلوكات الاستبدادية في اتخاذ القرارات والمبادرات ،ضاربة عرض الحائط كل الفعاليات الاخرى، وكل الاقتدارات المجتمعية برمتها، واقبار كل الطاقات والقدرات والامكانيات البشرية، واستغلال الثروات الوطنية، مما يساهم، بالجملة، في الهدر الانساني والمجتمعي والوطني، نظرا لما تم التفكير فيه ،من قبل المجموعات الضيقة ذات المصالح الفئوية/الطبقية المغلقة ،وحجز كل إمكانيات التفكير هاته، من دون اشراك فعلي لكل القوى المجتمعية الأخرى،واحتكارها كل الادوات والأساليب والقنوات للاشتغال الاقتصادي، في كل مستوياته، والتربع على الكراسي المؤسساتية، ومعرفتها الحقة بخيوط اللعبة الشطرنجية،فتبدو وكأنها شبكة عنكبوتية،بمجرد فك خيط من خيوطها، تجده مشدودا إلى آخر، وهكذا دواليك، فتختلط على المواطن كل المعلومات وتتبعثر كل الامور امام عينه،فلا يستطيع التمييز بين السياسي والإداري،بين المدني والعسكري، بين الاجتماعي و الاقتصادي، الحق والامتياز، بين الواجب والتطوعي ،بين الانتقائي والجبري،أي،لا يستطيع التمييز بين حقول الخاص والعام، وبين فواعل اللعبة ومكوناتها وعلاقاتها، ولا فك شفراتها البينية، ولا فهم الأدوار المسرحية على الركح المجتمعي والوطني،وذلك في علاقات خادمية وتابعية ووظيفية،مع التنافس لاجل الحصول على المراكز والمواقع بداخل النسيج المجتمعي، واقتسام المنافع والمصالح، والصراع على المغارم والمغانم والنفوذ، "الحظ والحظوة والنصيب من الغنيمة مخصصة للاتباع وللحلقة الضيقة من زعامة العصبية.وبالتالي فلا مكان لبناء وإنماء،ولا للكفاءات"(مصطفى حجازي الانسان المهدور2006ط2ص212.) ،إذ إن الأمر يزيد استفحالا، ويستعصي على الفهم والإدراك، مع تحالف أقطاب الداخل النافدين، سياسيا وإداريا وإقتصاديا، مع الرساميل المستَقطبة من الخارج، عبر تخصيص الحصص والاسهم سواء فعلية او غير ذلك،وآليات السمسرة والوكيلية والوسيطية،لينتفي،مع هذا البعد الوطني والصالح العام للمجتمع، ومن ثم تقديم الخدمة للرساميل الخارجية المتنقلة،والباحثة عن مراتع الاستثمار اينما كانت،بتكاليف هزيلة جدا،وفي اسواق شغل مهيئة ومتوفرة على الفائض العبء الزائد،ومستعدة للرضوخ والانبطاح بأي ثمن كان، وغير ذلك من التسهيلات و الإمتيازات التي تقدم في طبق من ذهب وفضة،مع العلم ان هناك رساميل خارجية،يُطرح بصددها التساؤل بدءاً بمصادرها،مرورا بنوعية وطبيعة استثماراتها وانشطتها، وصولا الى اهدافها ومراميها،لدى البلد المستثمر فيه،ليزداد الشرخ عمقا بين التصور الوطني المفترض لبناء اقتصاد وطني وتنموي، ومستقبل زاهر لكافة وعموم الشرائح العريضة للمجتمع، والمفترضة ان تكون ماسكة بزمام الأمور، والمخططة لكل المصائر المستقبلية، بمسؤولية ووعي وطنيين وانسانيين، وبين واقع الحال الغارق في احوال الازمات على جميع الأصعدة، والذي يدبر بعقليات الانتهازيات والوصوليات، والماسكة بزمام أزرار اللعبة ذاتها. فعود على بدء، وانطلاقا من تلك الخلاصة الذهبية لمفكرنا عبدالله العروي، والمدبجة في مقدمة هذه الورقة،يمكن ان نطرح التساؤلات الآتية:كيف يمكننا ان ننجز أي مشروع اقتصادي يراعى فيه كل المصالح لكل الشرائح والفئات والقدرات المجتمعية المغربية مع هكذا سيادة وتربع قلة محظية ومحظوظة ،على كراسي وثيرة من ذهب وفضة ، تنعم في بحبوحة النعم والمغانم والترف المادي الاقتصادي؟وكيف يمكننا ان نخطط لانجاز اية تنمية مستدامة وبناء اقتصاد وطني ،نابع من الاشتراك الفعلي لكافة الطاقات البشرية، انطلاقا من الاعتراف بقيمة الانسان المغربي ومؤهلاته وكفاءاته مع هكذا سيادة الاقصاء والتهميش من لدن الماسكين بزمام الامور؟أية تنمية مع هدر الاقتصاد الوطني المغربي،مع استفحال وتجدر قيم منافية للأخلاق والانسانية والوطنية الحقة؟وهل تؤشر الانشطة الاقتصادية المعلولة والمشبوهة عن روح وطنية بناءة تشي بالتقدم والتنمية الشاملة للوطن وللصالح العام المجتمعي معا؟اية تنمية او بناء أو إنماء مع استنزاف الخيرات والثروات الوطنية سواء من الداخل او بالتحالف مع الراسمال الخارجي؟؟. بأية شروط واستراتجيات وتفكير وتدبير ووعي،يمكننا، نحن المغاربة ان ندخل التاريخ عند معرفتنا بارزاقنا وخيراتنا وثرواتنا ؟وكيف السبيل لاستخلاصها وتوزيعها توزيعا عادلا ومنصفا بناءا على الاهلية و الكفاءة والاقتدار الذاتي العلمي المعرفي والنفسي والسياسي والاجتماعي والمهني والقيمي وحب الانتماء الوطني، وذلك على ضوء الخلاصة المنطقية لمفكرنا عبد الله العروي ؟ إلى أي حد تساهم سياسات تدبير الحال/الواقع، المرتكزة على ثقافة العصبيات والولاءات والإستزلام والتزلف والنفوذ،بمشاريع اقتصاديات الريع، الإثراء بدون سبب،والدعارة،والرشوة،التهرب الضريبي، المخدرات،مشاريع"صفقات الجزرة وأكل الكتف"، اقتصاد عائدات النفوذ والمراكز/المناصب السياسية ودولة العطاء السياسي، الاحتكار الإقتصادي وعملية تحيين الفرص،في نسف المشروع التاريخاني الحضاري وتقويض المصير المستقبلي للكيان الوجودي المغربي امة ًومجتمعا ووطنا، من خلال استقراء منطوق الدلالة العميقة للخلاصة الحكيمة هاته؟. اننا بصدد نزوعات اقتصاديات لا وطنية، ولا تمت إلى الروح الاعمارية والحضارية والتنموية بصلة، لامن بعيد ولا من قريب، تنفي كل منطق وتفكير رصين في بناء حياة وطنية سوية، وبآليات معينة تعصف بكل القيم والاخلاق البناءة، وبالروح الجادة في تطوير الانتاج، ووسائله واساليبه ومناهجه،وتحاول جادة عبر فواعلها ومكوناتها وعلاقاتها الاخطبوطية، الحفاظ على واقع الحال وتأزيل الواقع ما أمكن عبر أليات سياسية واقتصادية، واجتماعية وثقافية وادارية,انطلاقا من المحلي الى الاقليمي والجهوي الى الوطني,مادام ان المهم في خانات التشكل الهندسي للنسيج المجتمعي هو"الهيئة والمرتبة والوظيف"، ومن تم الحصول على المكانة والوجاهة، والدخول في علاقات لولبية مع الفاعلين الاساسين والثانويين، الذين يسهلون عمليات الوساطة للتقرب أكثر وانتهاز الفرص الممنوحة لقرصنة المعلومة والتقاطها،اواستغلال الظروف الاجتماعية للبعض ولضعاف النفوس،الذين لا يعيرون اهتماما او يحجب الوعي عن عقولهم باوضاعهم وبكرامتهم وبعزة انفسهم، أو جهل البعض بحقوقهم وواجباتهم أو التحايل على منطوق النص القانوني وتحريفه عن مساراته الطبيعية ، او بمدى عدم وعي البعض بنتائج تهورهم واندفاعاتهم نحو امتلاك شيء من الماديات، يغنيهم عن شظف العيش وضنك الحياة، وتامين مستقبلهم المادي عبر أنشطة مشبوهة ولصيقة بسوق النخاسة وتجارة الرقيق،او محاولة القفز على واقع البؤس بالقيام بمغامرات ما،مما يظهر على أصحابها آثار النعمة المادية والمعنوية بما تزخر به الحياة من ملذات وشهوات ومحاولات إشباع الغرائز. واذا ما علمنا، من جهة ما أن المغرب يتوفر على ترسانة قانونية ومؤسساتية، تضاهي قوانين ومؤسسات الدول الحديثة والمتقدمة،الا ان مظاهر التخلف والتقهقر، تتزايد وتتفاقم في كل مجالات الحياة الخاصة والعامة،هل وجدت هذه المؤسسات بكافة فروعها لانجاز الفعل الوطني وتاطير السلوك الإنساني الفردي والجماعي المدني والسياسي الاقتصادي والاجتماعي النمائي والتنموي، و تقنينه ورسم حدوده، في علاقاته البينية، وادارة مجالات الصالح العام، وإيجاد وخلق الفرص ،وتحيين المبادرات واستثمار الكفاءات والمقدورات والمعارف والمعلومات من كل حدب وصوب، واحقاق الحق والالتزام بالواجب والاشراك في عمليات البناء والنماء، وتسطير خطوط المستقبل والمصير المشترك لكل الشرائح المجتمعية، وتاطير الرغبات والنزوعات و الحاجات والافكار، واحلال القانون وجعله سيد الموقف، بدل التحايل والتزييف والتسويف والتزوير، والعمل بآليات المحاسبة والمساءلة، أم ان الامر لا يعدو ان يكون عبارة عن ديكورات وشكليات ومحاولة اللعب ما امكن على ركح المسرح الوطني،بأقنعة سياسية واجتماعية وهوياتية مصطنعة، وباحترافية مسرحية مبدعة تستمد مقوماتها الابداعية من طبيعة السلوك الوصولي والانتهازي، ومن احترافية شيطانية ناقمة عن المصلحة الوطنية والبعد الحضاري والوطني والانساني بداخل هذا الوطن؟ إننا بصدد اقتصاديات لعينة تطرد الروح البناءة وروحانيات قيم العمل المأمولة من ساحة الفكر التقدمي والتطوري والتنموي، والتي تستمد مشروعيتها انطلاقا من مجموع الاعتقادات والايمانات الدينية والثقافية، والمتصورة ذهنيا لدى الانسان المغربي،وذلك من خلال منطوق النص الديني او تاويله,او من خلال التجربة الواقعية ومسارات الحياة التجريبية سواء على المستوى الفردي او الجماعي أو المؤساتي، وما تستتبعه من تاملات وتفكرات في نظم الانتاج والتداول عامة ، لما يمكن انتاجه وابداعه، ومن خلال اعطاء صبغة القدسية لمفهوم قيمة العمل كقيمة/ فعالية وجودية و مجموع القيم المرتبطة به والتي تبقى في غياهب المجرد، وهكذا,فأنشطة هذه الاقتصاديات واعتماداتها ومرتكزاتها وطبيعتها وبنياتها،على جميع الصعد،كما طرحت معنا في سؤال سابق ،في هذه الورقة، لم تترك المجال مفتوحا لاية امكانية للخلاص من براثن التخلف على جميع المستويات، و"لم يحصل معها بعد عندنا الفطام الضروري من الغريزة الى العقل ،من الاتباع الى الاستقلال، من التوكل الى الهمة، من المبايعة إلى المواطنة"عبد الله العروي من ديوان السياسة.2010 ط 2 ص 153)، لانها تربت وترعرعت في كنف القيم النابعة من غريزة حب الامتلاك الطفلية، مهما كانت الوسائل أولا، ومن التعلق الشهوي الغريزي الخاضع لنزعات نفسانية، ثانيا، وفي غياب الفكر النظامي العقلي، وأنماط تفكير لا تحث على الإنتاج وابداع الوسائل، والتي لا تسمح بحفظ الكرامة الانسانية وبناء الذات الآدمية ،انطلاقا من الاجتهاد و الاجهاد الفكريين لبلوغ الطموحات والآمال المرجوة، ثالثا،وشربت من حليب "الاميات التربوية والمؤسساتية "ذات العلاقات الولائية والتابعية و الخادمية، رابعا، ولأنها نبذت قيم الاستقلالية وثقافة الانجاز واستنجدت بثقافة الولاء، ف"يقوم الولاء على معادلة"التبعية، المكانة، الحظوة والنصيب من الغنيمة".فالثواب والمنفعة لا تقومان على الإنجاز والأداء بل على مقدار الولاء و الحظوة"(مصطفى حجازي،الإنسان المهدور 2006ط2ص55). خامسا،ولأنها تقوض كل مقومات المروءة والعزائم والهمم،فتحل الخسة والذلة و الشعور بعدم الفاعلية،وروح الإتكالية على الغير،محل العزة والكبرياء والمبادرة القادرة على الفعل،والإيمان بالذات كقيمة فوق القيم وكيان مبادر وفاعل،فبدل أن يبادر الفرد،ويتقدم بخطوة ما،بعمل ما،أو القيام بإنتاج ما،ويعتمد على مقوماته الذاتية أصلا،فإنه يرهق جهده,باديء دي بدء، في التفكير على من سيعول، إن أراد أن يبادر، كخطوة ذهنية أولى بالتفكير فيها، سادسا،إضافة إلى أنها تهدر كل قيم المواطنية، ولا تبني ثقافة المواطنة الحقة في نفسية الفرد والجماعة،وذلك بمقاييس الحق والواجب،مما يعزز الانتماء الى الوطن وخدمة الصالح العام،وتعزيز اللحمة الوطنية،لا أن تشتت الروح الوطنية،وتصبح في مهب الريح، بمجرد أن تطفو على سطح ارض الوطن شائبة ما، والتي لا تترك مجالا للبناء و النماء الإقتصادي و الاجتماعي،وتصليب الحصانة والمناعة الوطنيتين، ومع هذا ينزع الأفراد الجماعات لخدمة مصالحهم الخاصة،والذود عنها بكل الأشكال والأيديولوجيات والأقنعة، وفي إطار من علاقات المبايعة والولاء والإغتناء على حساب الآخرين، لتهدر فرص التنمية المستدامة،و تعتمد سياسة توزيع الفتات وقمقمة الطاقات والكفاءات الخلاقة، وحجب قنوات الإشراك الفعلي لكل منها سابعا. ومن وجهة نظر ما، "فلا هوية ولاحصانة إنتماء إلا من خلال استرداد معنى المواطنية ، واسترداد الإعتراف بالإنسان المواطن ودوره ورأيه وحريته ومشاركته الفاعلة في إتخاد القرارات التي تصنع مصيره الذاتي، ومصير وطنه، انطلاقا من حق المساءلة وما يوازيها من مسؤولية، وترسيخ الروح المؤسسية والتمسك بالإنتماء المؤسسي والعمل من ضمن اطره". (مصطفى حجازي،نفس المصدر ص319). مما يعزز كل الرساميل المادية والرمزية والبشرية في كل مناحي الحياة الخاصة والعامة، ينتج ذلك الزخم من الروحانيات الوثابة، ويوقظ معها، ونحو الأمام، كل الهمم والعزائم للبناء والنماء وبلوغ اهداف التنمية البشرية المأمولة. وإننا،نحن المغاربة، بصدد مآزق خطيرة للفكر الإقتصادي و الإجتماعي والتنموي المغربي، الذي يتحصن بأدوات ومناهج ومفاهيم الحداثة وديمقراطية العدالة الإجتماعية، ونماذج معرفية ومقاييس ومؤشرات السياسات التنموية، سواء في خطابه الإعلامي أو السياسي اوالحقوقي، في حين أنه يجد نفسه مشدودا من الخلف بثقافة تقليدية غارقة في تصورات أنشطة اقتصادية، سواء على مستوى المعيش، أو على مستوى الإنتاج ووسائله، أو كيفيات وطرق وطرح وإنجاز المشاريع وطبيعة مقاصدها ومراميها، في أبعادها النمائية و الوطنية، لا تمت إلى إمكانية بناء الروح الموضوعي للمغرب كوطن ومجتمع وأمة بصلة، في مساره المستقبلي التنموي المصيري، وبلوغ أهداف التنمية البشرية الشاملة، لما تنطوي عليه هذه الأنشطة الاقتصادية الملعونة، من خطورة وهدم وتقويض للبناء الاجتماعي المتراص، و قتل روح المبادرة، وإهدار الإمكانيات المادية والبشرية على كافة مستوياتها.