داخل مكتبه بمقر حزب الاستقلال بمدينة الرباط، أجرى موقع القناة الثانية حوارا مع نزار بركة، الأمين العام للحزب، الذي حملته صناديق التصويت في السابع من أكتوبر 2017، إلى رأس حزب الميزان. بركة، الاقتصادي المتدرج في أسلاك الإدارة وهيئات حزب الاستقلال، وجد نفسه في مهمة صعبة تكمن في إعادة ترتيب البيت الداخلي الذي شهد العديد من الهزات والصراعات، سيما وأن الحزب شهد تراجعا في النتائج خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2016. ويقول بركة، الذي تولى حقيبة وزير الاقتصاد، إنه تمكن على الرغم من الصعوبات من الحفاظ على وحدة البيت الاستقلالي عبر العمل على تجديد فروع الحزب وضخ دماء جديدة وتقوية بعد الديمقراطية الداخلية والعمل على خدمة المواطنين والمواطنات عن طريق هذه الفروع، فضلا عن الاشتغال على القيام بتنظيمات المؤتمرات الموازية كمنظمة المرأة الاستقلالية والشبيبة الاستقلالية، وهو ما ساهم في تقوية البيت الداخلي للحزب، وأصبح أكثر حضورا على الساحة السياسية. توجه جديد يدافع بركة عن التوجه الجديد الذي اتخذه الحزب في عهده، مؤكدا في حواره مع موقع القناة الثانية أن خيار الاصطفاف في المعارضة نابع من سياسات الحكومة التي تسببت حسبه في تراجع مستوى النمو وارتفاع البطالة وتراجع منسوب الثقة في المستقبل بالنسبة للشباب وتوسيع الفوارق الاجتماعية واندحار الطبقة المتوسطة. وأضاف أن الحكومة تفتقد الرؤية الواضحة للمستقبل وأفرطت في الليبرالية وخدمة مصالح الأثرياء والشركات الكبرى عوض الاهتمام بالمواطنين والمقاولات المتوسطة والصغرى ومتناهية الصغر والمقاول الذاتي. القطبية وتحالفات 2021 وتعليقا على مستجدات المشهد السياسي والحزبي الوطني، قال بركة إن المشهد الحزبي المغربي شهد محاولات في السابق لخلق قطبية حزبية، وآخرها ما بين سنة 2012 و 2016، مؤكدا أن هذه المحاولات أدت إلى إفراز قطبية حزبية مصطنعة. ويرى بركة أن كل قطبية تبرز على مستوى المشهد الحزبي المغربي يجب أن تكون نتيجة حركية داخل المجتمع ومرتبطة أساسا بمشاريع مجتمعية ومخططات وبرامج ورؤى واختيارات بالنسبة للمستقبل، معتبرا ما دون ذلك مجرد قطبية مصطنعة. ومع اقتراب الانتخابات التشريعية، شدد بركة على أن حزب الاستقلال ينطلق من القناعات في رسم خريطة تحالفاته، مؤكدا أن الحزب لا يمكنه التحالف إلا انطلاقا من برنامج ورؤية محددين والرغبة في القطع مع منطق الاستمرارية في السياسات التي تؤدي إلى توسيع الفوارق المجالية والاجتماعية. وأضاف في هذا السياق أنه على الرغم من حدوث اختلاف في التوجهات، فإن الحزب ما زال منفتحا على التحالف مع أحزب الكتلة الوطنية التي تضم إلى جانب حزب الاستقلال كل من حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية. وعبر بركة عن استعداد الحزب للعودة إلى صفوف المعارضة في حالة ما إذا تبين له أن السياسات التي سيتم إتباعها في الائتلاف الحكومي المقبل لا تصب في مصلحة تقوية التماسك الاجتماعي وثوابت الأمة المغربية كما حددها الدستور. نفس جديد لورش الجهوية وعلى ضوء المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة التي احتضنتها مدينة أكادير، اعتبر بركة أن ورش الجهوية المتقدمة في حاجة ماسة إلى نفس جديد، ذلك أن هذا المشروع يواجه في رأيه العديد من العقبات التي تسببت في عدم انطلاقته بالشكل المطلوب. بركة، الذي سبق له تولى رئاسة المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، يعتبر أن غالبية الجهات لم تتمكن من الوصول إلى تعاقدات مع الحكومة، باستثناء جهتي العيون الساقية الحمراء والداخلة واد الذهب، التي يتولى حزب الاستقلال رئاستهما، والتي عرفت إطلاق النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية، حيث تمكنت من توقيع تعاقدات مع الحكومة، فيما تصطدم الجهات الأخرى بصعوبات في هذا الإطار. وفي هذا المحور من الحوار، استعرض أمين عام حزب الميزان أبرز النواقص التي تعرقل مشروع الجهوية بالمغرب وأبرز المشاريع المندرجة في هذا الورش والتي لم تر النور بعد. "النموذج التنموي" غير كافٍ ويرى بركة أن استعداد المغرب للمستقبل يبدأ من خلال وضع الرؤى والخطط وتحديد الاختيارات الواضحة ما يجعل البلاد تدخل إلى العقود المقبلة وهي تقف على أرض متينة وتتحرك بثقة نحو تحقيق الأهداف التي تترجم تطلعات كافة قطاعات المجتمع. وأوضح أن مشروع النموذج التنموي الجديد بحد ذاته شيء إيجابي و يشكل بداية الاستعداد للمستقبل ووضع تصور تنموي للعقود المقبلة يستجيب لكافة حاجيات فئات المجتمع المغربي، بعد أن وصل النموذج الحالي إلى مداه، مؤكدا أن نجاح اللجنة المشرفة على هذا الورش يبقى رهينا ببلورة اختيارات واضحة لمغرب الغد والأخذ بعين الاعتبار التحديات الراهنة التي يواجهها، لا سيما التغيرات المناخية وندرة المياه بالعديد من مناطق البلاد. وشدد الأمين العام لحزب الاستقلال على ضرورة إشراك اللجنة لمختلف الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والمجتمعيين في وضع هذه الاختيارات، مضيفا أن هذا النموذج يجب أن تواكبه تعاقدات مجتمعية جديدة. نقاش الحريات الفردية واعتبر بركة أن النقاش الدائر حول الحريات الفردية بالمغرب أمر مهم، مستدركا أن موقف حزب الميزان من هذا النقاش يلخصه المبدأ القاضي بعدم إمكانية تحريم الحلال أو تحليل الحرام، وضرورة اللجوء إلى الاجتهاد لتطوير النصوص القانونية في هذا الإطار. وأكد بركة أن الاستقلال حزب ذو مرجعية إسلامية أسسه العلماء ويشتغل في بلد إسلامي يرأسه أمير المؤمنين، مشيرا أن الحزب لطالما كان مدافعا عن الحرية في إطار المسؤولية وذلك تحت شعار مواطنون أحرار في وطن حر. و شدد الأمين العام لحزب الاستقلال على ضرورة إشراك العلماء في هذا النقاش إلى جانب القوى الأخرى السياسية والمجتمعية والاقتصادية داخل المجتمع، مؤكدا على أن مواكبة النقاشات المجتمعية من هذا النوع يجب أن تتم وفق مقاربة وحدوية تروم ضمان تماسك كافة مكونات المجتمع دون إحداث شرخ فيه.