بعيدا عن الابتهاج الباريسي، ترى كرة القدم الأوروبية بوصول النجم الأرجنتيني ليونيل ميسي الى باريس سان جرمان زيادة في عدم المساواة وفقدان القدرة التنافسية، وسط قلق من الهيمنة المالية لنادي العاصمة الفرنسية المملوك قطريا ، في سوق غير منظم "يستفيد منه الأقوى". وإذا كانت فرنسا تنتظر بفارغ الصبر رؤية أفضل لاعب في العالم ست مرات يخوض مباراته الأولى في دوري "ليغ 1"، فإن بقية القارة العجوز تشكك بهذه الصفقة وتبعاتها.
في إنكلترا بشكل خاص، تحدثت معظم العناوين في وسائل الإعلام الأربعاء عن الطبيعة "العبثية" لصفقة من هذا النوع، وتساءلت صحيفة "غارديان" عن "كيف يعقل أن أعظم لاعب في جيله لا يتحكم في مسيرته؟"، معربة عن خيبة أمل لأن ميسي كان "آخر شيء نقي وجيد في عالم الانتقالات والاحتيال".
أما صحيفة "كورييري ديلو سبورت" الإيطالية، فتساءلت "متى سيقرر فيفا (الاتحاد الدولي لكرة القدم) وويفا (الاتحاد الأوروبي للعبة) تنظيم مسألة ما إذا كان بإمكان الدولة امتلاك ناد لكرة القدم؟"، وذلك في إشارة منها الى قطر للاستثمارات الرياضية التي تملك سان جرمان منذ عام 2011.
في إسبانيا، استخدمت صحيفة "ال موندو" شعار نادي برشلونة "ميس كي اون كلوب"، أي أكثر من ناد ، لتنتقد سان جرمان ومالكيه القطريين بالقول "بي أس جي أكثر من ناد : الذراع الرياضي لقطر".
المسألة لا تتعلق وحسب بميسي الذي رحل عن برشلونة بعدما دافع عن ألوانه طيلة 21 عاما بسبب قواعد سقف الرواتب التي فرضتها رابطة الدوري الإسباني ما جعل النادي الكاتالوني غير قادر على دفع راتب الأرجنتيني.
لقد تعاقد سان جرمان هذا الصيف مع الإسباني سيرخيو راموس، الهولندي جورجينيو فينالدوم، الحارس الإيطالي جانلويجي دونارونا من دون مقابل بعد انتهاء عقودهم مع فرقهم ريال مدريد وليفربول الإنكليزي وميلان تواليا ، إضافة الى المغربي أشرف حكيمي القادم من إنتر ميلان الإيطالي في صفقة قدرت بستين مليون يورو.
صحيح أن ميسي وراموس وفينالدوم ودوناروما انضموا الى سان جرمان من دون مقابل، إلا أن رواتبهم مرتفعة جدا ، لاسيما ميسي الذي سيتقاضى من بعد الضرائب 40 مليون يورو سنويا بحسب التقارير الإعلامية، ما طرح علامات استفهام حول التزام نادي العاصمة الفرنسية بقواعد الاتحاد الأوروبي للعب المالي النظيف والتي أصبحت أكثر ليونة بسبب التداعيات المالية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا.
إن تخفيف التشدد في تطبيق هذه الآلية التي تمنع الأندية من إنفاق أكثر مما تكسب، ترك مساحة تحرك أكبر للفرق الكبيرة، في انتظار "الإصلاح" الذي وعد به الاتحاد الأوروبي مع انطلاق الموسم الجديد.
ورأى رافاييلي بولي، رئيس مرصد كرة القدم في المركز الدولي للدراسات الرياضية ومقره في نوشاتيل، في تصريح لوكالة فرانس برس أن "ما أراد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم تجنبه بإلغاء القيود، قد حصل"، موضحا "هذه الأزمة الصحية دفعت أكثر نحو ذلك، نحو تحرير السوق مما يفيد الأقوى، أولئك الذين لديهم رأس مال يسمح لهم بالاستثمار".
بسبب الصعوبات المالية الهائلة الناجمة بشكل خاص عن تداعيات تفشي فيروس كورونا، ولوائح رابطة الدوري الأسباني الأقل مرونة من فرنسا في ما يتعلق بسقوف الرواتب، اضطر برشلونة للتخلي عن نجمه على الرغم من الاتفاق مع اللاعب الذي كشف بأنه وافق على تخفيض راتبه السنوي الى النصف وتقاضيه على دفعتين.
وبعدما حسم الطلاق بين الطرفين، كان سان جرمان متربصا لكي يخطف خدمات ابن ال34 عاما ، حاسما الأمور في غضون ساعات قليلة بحسب ما أقر ميسي بنفسه قائلا "كل شيء سار بسرعة كبيرة".
ودافع الرئيس القطري لسان جرمان ناصر الخليفي الأربعاء خلال تقديم ميسي كلاعب جديد في النادي عن الوضع المالي، مؤكدا "لقد التزمنا باللعب المالي النظيف منذ اليوم الأول. يتحقق فريقنا المالي من كل شيء قبل القيام بأي خطوة. كانت لدينا القدرة على التوقيع مع ميسي مع احترام اللعب المالي النظيف وسنتبع القواعد دائما ".
لكن أندية أوروبية كبرى عدة ليست مقتنعة بالتزام النادي الباريسي باللعب المالي النظيف، واستنكرت "الممارسات المناهضة للمنافسة المشروعة"، مثل بايرن ميونيخ الألماني على لسان حارسه السابق والمسؤول الإداري الحالي أوليفر كان.
وقال كان الثلاثاء "إني أقدر كل اللاعبين (في سان جرمان). السؤال الذي يطرح نفسه على سينجح الأمر؟ هل سيكون هناك انسجام؟"، مشيرا الى أن بايرن تمكن دائما من "تحقيق التوازن التنافسي".
هل سيكون التعاقد مع ميسي كافيا ليكون إشارة تحذير لسلطات كرة القدم؟ لا يبدو كذلك.
فبالنسبة لرافايلي بولي "إنهم لا يريدون منع المساهمين في الأندية من ضخ أموال جديدة في وقت تواجه فيه بعض الفرق خطر الإفلاس"، معتبرا أن سان جرمان والخليفي كانا الداعمين الرئيسيين للاتحاد الأوروبي في هجومه على الأندية المتمردة ال12 التي أرادت إطلاق الدوري السوبر الأوروبي المنافس لدوري الأبطال، قبل أن تنسحب تسعة منها بسبب التهديد.
وأضاف "لا يمكن مقارنة العجز التشغيلي لسان جرمان مع الأندية الأوروبية الأخرى (بسبب الأموال التي تضخ فيه من القطريين)"، معتبرا أن صفقة مثل التي تمت الثلاثاء أو في الأسابيع القليلة الأخيرة ستزيد من عزم الأندية الأوروبية المتمردة، أي برشلونة وريال مدريد ويوفنتوس الإيطالي، على إطلاق الدوري السوبر الأوروبي.