تقدم الأستاذة الجامعية والخبيرة في الاقتصاد والمالية وريادة الأعمال، السيدة مريم الشرقاوي، في حوار أجرته مع وكالة المغرب العربي للأنباء، رؤيتها حول إنعاش الاقتصاد الوطني بعد أزمة فيروس كورونا (كوفيد-19). وفي ما يلي أجوبتها على خمسة أسئلة بهذا الخصوص : 1 - ما هي قراءتكم لتأثير فيروس كورونا على الاقتصاد ؟ في البداية، ومن وجهة نظر اقتصادية، يبدو أن حصيلة وباء كوفيد- 19 تنذر بذات الخطر الذي تمثله الحصيلة الصحية. فقد أوقفت المقاولات بكل بقاع العالم أنشطتها، ووجد المستخدمون أنفسهم في حالة بطالة مؤقتة أو دائمة، كما أن الأسواق الحقيقية والمالية تعيش على وقع الاضطراب (تضخم في المخزونات غير المباعة، انهيار أثمنة البترول، شكوك تحيط بسوق الأسهم، توترات في سوق الأبناك..) ولا تعيش الوضعية الاجتماعية وضعا أفضل، فقد حذر البنك الدولي من إمكانية تسبب الوباء في إغراق بين 40 و60 مليون شخص في براثن الفقر المدقع هذه السنة. وتحتل إفريقيا جنوب الصحراء صدارة المناطق الأكثر تضررا، متبوعة بجنوب آسيا، فيما تتوقع منظمة العمل الدولية فقدان ما يعادل 195 مليون وظيفة. ويبقى تعافي الاقتصادات، أكثر من أي وقت مضى، مسؤولية الجميع، ويجب تحقيقه بفضل مبادرات عمومية وطنية وإقليمية ودولية أيضا. وقد تم تكليف المفوضية الأوروبية من طرف الدول ال27 الأعضاء بوضع مخطط للخروج من هذه الأزمة، كما شرعت منظمة الأممالمتحدة في إعداد مخطط عالمي للإنعاش الاقتصادي والاجتماعي بعد "كوفيد-19". على المستوى الوطني، تقوم العديد من الدول بتشخيص التداعيات الأكثر عمقا للأزمة المرتبطة بكوفيد-19، وإعداد خطط للإنعاش الاقتصادي. 2 - ما هو تقييمكم للوضع بالمغرب ؟ يتعين في البدء إبراز الطابع المعتدل الذي انتشر به هذا الوباء بالمغرب، من وجهة نظر صحية، مقارنة بالحجم الذي انتشر به داخل بعض الدول كفرنسا أو اسبانيا أو تركيا. وتضطلع هذه المعطيات الصحية بأهمية بالغة من وجهة نظر اقتصادية أيضا، اعتبارا لكونها محددة لانطباع الأسر، وبالتالي نزوعها إلى الاستهلاك، ولثقة المستثمرين الحاليين والمحتملين، وبالتالي نزوعهم نحو الاستثمار. 3 - برأيكم، كيف يمكن إنعاش الاقتصاد الوطني ؟ يمر تعافي الاقتصاد المغربي أولا عبر رفع حالة الطوارئ الصحية، ورفع الحجر الصحي عن السكان بكافة ربوع المملكة، بالإضافة إلى اتخاذ قرارات جريئة في سياق خطر دائم، وبالموازاة أيضا مع إرساء آليات صارمة تهم احترام ومراقبة تدابير الوقاية في الأماكن العمومية وأماكن الشغل، مرفوقة بتقييد بعض التنقلات، وتعزيز جودة واستمرارية مبادرات اليقظة/الكشف عن هذه الجائحة. وستمكن هذه الإجراءات الضرورية لمواصلة الأنشطة الاقتصادية وبالتالي الإنتاج والاستهلاك، المقاولات المغربية من إعداد استراتيجيات حول تكييف نموذج الأعمال الخاص بها مع الإكراهات الجديدة للأسواق. ويتعين أن تكون هذه الاستراتيجيات مرفوقة على المستوى المركزي بعمل إنصات مستمر وتحليل للصعوبات، وبحث عن الحلول على مستوى كل قطاعات الأنشطة وفروعها. وهكذا، فإن تأطير المقاولات المغربية من قبل التنظيمات المهنية (غرف التجارة، والفدراليات المهنية والبيمهنية...)، يشكل إحدى المتطلبات الأساسية خلال هذه المرحلة. 4 - أي دور يمكن أن يضطلع به القطاعان العام والخاص، كل على حدة، من أجل إنجاح هذا الإنعاش الاقتصادي ؟ المسؤولية مشتركة في هذا الصدد، بين القطاعين الخاص والعام، من أجل إعادة تأهيل اشتغال هذه البنيات، وتوظيفها كرافعة هامة للتنزيل العملي للاستراتيجيات العمومية القطاعية في فترة الأزمة هاته. الإبقاء على الاستثمار العمومي خلال السنتين المقبلتين يظل مهما، بغية تجويد عرض المغرب في ما يتعلق بالبنيات التحتية الخاصة بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة، وكذا من أجل المساهمة بكيفية مباشرة في مجهود المستثمرين الخواص بهدف إعادة هيكلة مقاولاتهم، من جهة أخرى. في الواقع، يتعين أن تشكل الشراكة بين القطاعين العام والخاص أولوية الإنعاش الاقتصادي، قصد خلق نسيج من المقاولات الوطنية المرنة والتنافسية. وهكذا، سيكون الدعم العمومي لتمويل المشاريع الصناعية والتكنولوجية ذات القيمة المضافة القوية مفيدا لاسيما خلال هذه الفترة، كما هو الشأن بالنسبة لمساعدة المقاولات التي تواجه صعوبات. وعلى هذا الأساس، من المهم إحداث خلية للوقاية من فشل المقاولات، بهدف مرافقة المقاولات الأكثر هشاشة في تجاوز مرحلة الاضطراب الاقتصادي هاته. وفي الأخير، لا يجب إغفال الإدماج الضروري للفاعلين الاقتصاديين غير النظاميين في القطاع المهيكل، من خلال وضع برامج مواكبة لخلق مقاولات صغيرة، وإرساء آليات تحفيزية للانخراط في صناديق التقاعد والضمان الاجتماعي. من جهة أخرى، لا يمكننا الحديث عن انتعاش اقتصادي دون الحديث عن شروط تمويلية مواتية للاستثمار. ومما لا شك فيه أن البنوك المغربية أبانت هذه السنة عن مرونة كبيرة في هيكل التسعير، لاسيما في ما يتعلق بتمويل المقاولات الصغيرة جدا وحاملي المشاريع. ولا تقل باقي الإجراءات أهمية، مع ضرورة بذل جهد ضروري لتقليص كلفة القروض سواء تلك الخاصة بالاستثمار أو بالاستهلاك. ويتعين أيضا عدم إغفال ضرورة زيادة سيولة السوق المغربية للأسهم من خلال فتح رأس مال المقاولات المدرجة سابقا، بالإضافة إلى تحسين شروط ولوج المقاولات الأخرى ( إجراءات مبسطة، حوافز ضريبية، شفافية...). 5 - ما هي القطاعات الاقتصادية الأكثر تضررا من جائحة كوفيد- 19 ؟ إذا كانت كل القطاعات الاقتصادية الوطنية قد تضررت من أزمة كوفيد-19، فهناك اختلافات بالتأكيد في طبيعة التأثير وحجمه. وتأتي قطاعات السياحة والنقل الجوي، والطرقي والسككي، وتنظيم الفعاليات في صدارة القطاعات الأكثر تضررا من هذه الأزمة. ويجب التذكير بأن الأنشطة المرتبطة بهذه القطاعات ستظل في أضعف مستوياتها، أو موقوفة إلى غاية توفر لقاح أو علاج فعال لفيروس كورونا. كما ستتأثر قطاعات أخرى لكن بشكل أقل وضوحا. ويتعلق الأمر بقطاعات السيارات، والتجارة، والخدمات الفاخرة، المعروفة بحساسيتها إزاء أي انكماش اقتصادي. كما سيرخي تراجع نمو الاتحاد الأوروبي بظلاله على المقاولات المصدرة المغربية (حوالي 60 بالمائة نحو الاتحاد الأوروبي)، إلا إذا غيرت هذه المقاولات وجهة صادراتها نحو أسواق جديدة. وسيتجلى هذا التأثير أيضا في القطاع المالي المغربي، حيث سيصعب على بورصة القيم الاضطلاع بدورها كممول للاقتصاد في ظروف عدم اليقين هاته، وستكون البنوك أكثر عرضة لمخاطر القروض.