جاء الجنيرال دوغول إلى رئاسة الجمهورية من بوابة الخدمة الطويلة في الجيش وصولا إلى رتبة عالية، وجاء إليها من المقاومة ضد الاحتلال النازي، ورغم أنه لم يكن مشهورا إلا أن مصلحة الفرنسيين في بناء دولة في مقام التحرير اقتضت وصول الجنيرال إلى السلطة مؤسسا لقواعد وقوانين جديدة ودستور جديد، هو الذي يحكم فرنسا اليوم، وأصبح منهجه في المقاومة والتحرير والرئاسة والفكر والخطابة يحمل اسم الديغوليزم. ولم يحد عن الديغولية أي رئيس فرنسي سواء كان اشتراكيا أو لبيراليا، لأنها تمثل عنوانا لفرنسا الفاعلة والمتفاعلة، إلى أن سقطت فرنسا فريسة لاستسهال مقام الرئاسة، فأصبحت مثل ابن آوى لا يخرج للفعل الدولي إلا بعد أن ينتهي الأسد الأمريكي من فريسته. يمثل اليمين المتطرف عقدة فرنسا الانفتاح، لكن زعيمته قالت مؤخرا كلاما له مغازٍ كثيرة ودلالات عميقة، قالت "إننا اليوم بدون رئيس للجمهورية الفرنسية". فمع فرنسوا هولاند أصبحت رئاسة فرنسا مبتذلة موزعة بين محاولات الانتقام من الخصوم وخصوصا مع اليمين بزعامة الرئيس الفرنسي السابق، الذي يستعد للعودة لقصر الإليزي، وبين الخليلات، اللواتي تجرأن على فضحه. آخر فصول هذه المهازل هي محاولة إهانة فرنسوا فيلون، رئيس الوزراء الأسبق على عهد ساركوزي، الذي لجأ للقضاء من أجل جر كاتبين صحفيين إلى المحكمة. والقصة أن الكتاب الذي سيصدر قريبا يتعلق بساركوزي، وبتسجيلات صوتية لما قاله فيلون لجان بيار جوية، الأمين العام لقصر الإليزي أثناء غداء قريب من القصر، حيث نُقل عن فيلون، الذي يتطلع ليكون مرشح حزب اليمين للرئاسيات في 2017، انه طلب من جوية تسريع محاكمة ساركوزي، مؤكدا عليه بضرورة الضغط بقوة وبسرعة. الصحافيان الاستقصائيان حاورا جوية حول الموضوع، وكانا قد حصلا على التسجيلات من المحيطين به حسب ما يقولان. في القصة غرائب كثيرة، أولا ان الأمين العام للقصر الجمهوري ليس في مستوى منصب كبير جدا باعتباره كبير موظفي رئاسة الجمهورية، وبالتالي فإن هذه السلوكات تجعل الفرنسيين يحنون إلى عهد بومبيدو وديستان ومتيران بل إن الفرنسيين بطبعهم يحبون الرئيس القوي لا الشخص الضعيف الذي تتلاعب به العشيقات. فجوية خبير في الإدارة المالية لكنه لا يفهم في أمور السياسة، وجاء إلى قصر الاليزي فقط لأنه صديق الرئيس، فهما خريجا فوج فولتير من المدرسة الوطنية للإدارة، وأصبحا صديقين حميمين وهذا ما جعله يحتل هذا المنصب ضدا على الحزب الاشتراكي، الذي ليس عضوا فيه. وهذه القصة توحي أيضا بأن القضاء في عهد فرنسوا هولاند فقد بريقه واستقلاليته، ولم يعد محط احترام، بل هو رهينة في يد نقابة الاشتراكيين، الذين يحركونه في مواجهة خصومهم الداخليين من أمثال ساركوزي، الذين حاولوا التخلص منه، أو الخارجيين مثلما حدث مع تحريك دعاوى قضائية كيدية ضد مسؤولين أمنيين اجانب.