لم يهضم حكام الجزائر مسألة احتضان المغرب لملتقى عالمي للطريقة التيجانية، وراح أباطرته يطلقون الكلام على عواهنه، من قبيل "الهيمنة"المغربية"، "التوسع" و"الاحتلال" المغربي، والاستيلاء على تراث سيدي أحمد التيجاني، وغيرها من الكلمات التي لا تستقيم مع المنطق والتاريخ، ولا حتى مع منطق الجوار. الجزائر تتحدث عن "احتلال مغربي" للطريقة التيجانية التي تصنفها في خانة "تصفية الاستعمار الروحي"؛ وتربط ربطا عجيبا غريبا بين هذه القضية والنزاع الذي افتعلته افتعالا، وبجميع أوجه الأباطيل، في الصحراء المغربية. وذهبت الجزائر إلى المطالبة باسترجاع "الحقوق الثابتة" للمثل الشرعي للطريقة التيجانية، و"احتلال المخزن لحاضرة الزاوية التيجانية بفاس"، والمطالبة "بتقرير مصير المريدين التيجانيين"، كما تطالب ب"حقها" في سيدي أحمد التيجاني. يتأكد يوما بعد يوم أن النظام الجزائري قد شرب عصير الانفصال والتمزيق والتشتّت حتى الثمالة، وأنه لا يهمه سيدي أحمد التيجاني ولا طريقته، ولا مريدوه، بقدر ما يهمّه كسر الاحتضان المغربي للطريقة ولصاحبها في وقت ضاقت به الأرض بما رحبت، ولم يجد بدّا من أن يولّي وجهه شطر مدينة فاس التي كانت تشع بأنوارها العلمية والثقافية والدينية والصوفية، ويختارها مقرا ومقاما له إلى أن أسلم الروح لبارئها، في وقت كانت فيه الجزائر تابعة وخاضعة لحكم الأسر والدول المتعاقبة على منطقة الشرق العربي باستثناء المغرب الذي كانت فيه دولة قائمة الذات. هل من حق الجزائر أن تنكر حق سيدي أحمد التيجاني اللجوء إلى المملكة المغربية في ذلك الوقت، باحثا عن الأمن والأمان والأجواء المناسبة لغرف العلوم الشرعية والروحية من أحد منابعها الأصيلة الأصلية؟ هل من حقها أن تنكر على المغرب احتضانه وتوفير كل حاجياته؟ هل من حقها أن تنكر على المفكر الجزائري محمد أركون اختياره العيش في المغرب إلى حين وفاته ودفنه بالدار البيضاء؟ هل تتنكر الجزائر أن نفس الموقف الذي قام به المغرب تجاه التيجاني سيتكرر، بعد قرون، مع قادة الثورة الجزائرية؟ فعن أيّ احتلال وهيمنة وتقرير مصير يتحدث عنه النظام الجزائري؟ لا يستطيع أحد كانت الجزائر أو غيرها محو صورة فاس ومقام فاس من ذاكرة وروح التيجانيين. ولا يستطيع أحد نقل أو تحويل مقر الطريقة التيجانية من فاس إلى أيّ مكان آخر ولو كان في الجزائر، كما لا يستطيع أحد نقل إشعاع الطريقة من العاصمة العلمية والروحية للمملكة المغربية إلى غيرها من المدن والعواصم. ثم إن الطريقة التيجانية انطلقت من المغرب، وعرفت إشعاعها من المغرب، ومن المغرب عرف العالم ومريدو التيجانية صاحب الطريقة أحمد التيجاني. فماذا يضير الجزائر في كل هذا؟ هذا الوضع المريب للنظام الجزائري الذي يصاب بالحمية كلما طلع اسم المغرب إلى الواجهة، جعل بعض الظرفاء يطلق نكتة تقول إن الجزائر دفعت ممثل الطريقة التيجانية بها إلى أن يقوم ببعث رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة يطالبه فيها بتوسيع صلاحيات بعثة "المينورسو" لتشمل الزاوية التيجانية بمدينة فاس، والمطالبة باسترجاع "الحقوق المغتصبة" لذوي الفقيد في الجزائر. قد تتحوّل النكتة إلى حقيقة. كل شيء وارد في مثل هذا النظام. إنه منطق الحمق هيهات للمنطق أن يدركه.