بدأت أمس الثلاثاء الزيارة الملكية لدول إفريقيا. وهي زيارة التحدي أمام الإشكالات التي تعيشها دول إفريقيا والساحل أساسا. زيارة لمعالجة القضايا الأمنية والدينية. زيارة تسعى لوضع هذه الدول على سكة محاربة الإرهاب وما يرتبط به. وهي زيارة عمل جاد وتحد لإكراهات الواقع. فالمغرب بالنسبة لإفريقيا ليس بلدا عاديا بل هو قاعدة انطلاق بالنسبة لشمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء في كافة المجالات. ولا يمكن بأي حال من الأحوال اليوم تجاوز الدور المغربي في إفريقيا، لقد أصبح اليوم يشكل خبرة دولية في مجالات عديدة لابد من الاستئناس بها إن لم نقل إنه الوحيد القادر على مواجهة بعض التحديات، وعلى رأس تلك التحديات مواجهة التهديد الذي يمثله الإرهاب ومواجهة خطر التطرف العنيف بالمنطقة. وزيارة جلالة الملك لأربع دول إفريقية هو تأكيد على الالتزام التاريخي للمغرب بدوره في المنطقة، الالتزام بمقتضيات المنتظم الدولي في الحرب الشاملة لمكافحة الإرهاب والأخطار التي يمثلها، والالتزام بمقتضيات المنتديات الإقليمية التي تجسدت في دور المغرب في إنهاء الحرب التي عرفتها دولة مالي والمساهمة في عودة الاستقرار لهذا البلد، وتعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية الإقليمية في شمال إفريقيا ومنطقة الساحل. إفريقيا التي يزورها جلالة الملك اليوم هي أرض خصبة للفعل الجاد، فهي القارة التي ما زالت في حاجة إلى الدعم والمساندة من أجل محاربة التطرف والإرهاب، حيث تعتبر منطقة الساحل والصحراء منطقة خصبة للجريمة، سواء تعلق الأمر بالجريمة الإرهابية أو الجريمة المنظمة وتجارة المخدرات والبشر والانتقال الواسع النطاق للسلاح خصوصا بعد انهيار نظام معمر القذافي. وقبل أن يبدأ جلالة الملك زيارته كان له اتصال هاتفي برئيس بوركينا فاصو بليز كومباوري، وانصبت المكالمة على الوضع في إفريقيا الغربية ومنطقة الساحل، وعلى التطورات التي تعرفها القضية المالية بالأساس. فخيارات المغرب تجاه إفريقيا واضحة. ورغم أن المغرب تم إخراجه عنوة من منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي حاليا) بفضل لوبيات المال والنفط فإنه ظل حاضرا بوجوده وبكيانه وبنموذجه الأمني والديني والتنموي. فالمغرب اليوم يقدم لإفريقيا النموذج الرائد في محاربة الإرهاب، بل إن المغرب أثبت جدارة في قطع الحبل السري بين المنظمات الإرهابية التابعة للقاعدة وبين تجار المخدرات والمرتزقة من خلال الضربات الموجعة التي وجهها للإرهابيين وتفكيك خلاياهم في مهدها وتفكيك خيوط اللعبة التي تلعبها التنظيمات الإرهابية التي تتخذ من الجنوب الجزائري ومنطقة الساحل موطنا لها. والمغرب يقدم النموذج الديني من خلال القراءة الوسطية للنص الديني ومن خلال التمييز بين المؤسسات ووضع مؤسسة الإمامة في موقعها الصحيح، مما جعل المغرب نموذجا في هذا الاتجاه، ناهيك عن الارتباط الروحي لسكان العديد من الدول بالملك أمير المؤمنين. والمغرب يقدم النموذج لإفريقيا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، التي لم تعد حلما لدى المغرب بل أصبحت واقعا متحققا. لكل هذه الأسباب يكون المغرب لاعبا جيوسياسيا في منطقة شمال إفريقيا وإفريقيا الصحراء والساحل.