صراع الحكمة مع الطيش والتهور هو صراع أبدي وتاريخي، ولعل العلاقات المغربية الجزائرية التي تحولت إلى صراع شبه مزمن تجسد بوضوح هذه المقاربة التاريخية. فالمغرب احتمى بشجرة الحكمة والديبلوماسية الحسنة واحترام حسن الجوار والنوايا الحسنة والجزائر سلكت طريق الاستفزاز والإزعاج والاستهجان. يحكى أن حكيما نادى أبناءه ليسألهم عن كيف سيتعاملون بعد وفاته مع أعدائهم، فأجابه كبيرهم : الخير بالخير والشر بالشر يا أبي، أما الصغير فقد أجاب أن الخير بالخير والشر بالخير، ولما استغرب الأب في كيف يمكن أن نبادل الخير بالخير قال الصغير : سأعامل عدوي بالخير حتى ينتصر خيري على شره. تلك الحكاية ينسبها بعض رواة التاريخ إلى مولاي علي الشريف مؤسس الدولة العلوية، وإذا صح ذلك فمن المؤكد أن الخلف ورثها أبا عن جد إلى اليوم. فها هو المغرب يطلب من سفيره العودة إلى الجزائر بعد أن استدعاه قصد التشاور إثر الأزمة الإعلامية والديبلوماسية التي أشعلتها الجزائر باستفزازاتها المتكررة. عودة السفير المغربي إلى الجزائر بعد هذه الفترة القصيرة هو دليل أيضا على حسن نوايا المغرب وعدم رغبته في قطع علاقاته مع جارته القريبة. وقد خرج المغاربة ليردوا عن الجزائر بقوة في تظاهرات احتجاجية واستنكارية أمام السفارة الجزائرية في الرباط ومقرات القنصليات بالدارالبيضاء ووجدة وفاس ومكناس... وقد تكلم المغاربة لغة الود مع أشقائهم من الشعب الجزائري لكن الوضوح كان هو السمة البارزة للنخبة الحاكمة هناك. وقد رأينا كيف أن مواطنا بالدارالبيضاء كسر أسلوب التظاهر وتسلق سطح القنصلية لينزل علم الجزائر كفعل معزول أراد من صاحبه إيصال رسالة معينة بلغته الخاصة. وإذا كان هذا المواطن تملكه الغضب فأخرجه عن صوابه وعن التحكم في مشاعره فإن رسالته لحكام الجزائر هي أن يوقفوا أسلوب الاستفزاز والتلاعب بمشاعر المغاربة. فالمغرب تحمل كثيرا حركات الإساءة والمناوشات وغلَّب لغة العقل وحسن الجوار على لغة الرد بالمثل. لكن الجزائر تمادت في دعم حركة البوليساريو رغم أن هذه الحركة أصبحت عبارة حركة وهمية تعتمد القرصنة وسرقة المساعدات الدولية لمحتجزيها. كما تمادت الجزائر أيضا في إشهار لغة العداء والحسد عبر كل الوسائل المتاحة لها سواء كانت ديبلوماسية أو إعلامية. نحن تتبعنا أيضا صحافية جزائرية في قناة ميدي آن تيفي تسأل حميد شباط عن سر هذه الحملة المسعورة ضد المغرب، وهو درس يحيل حكام الجزائر إلى أسلوب التأمل وطرح أسئلة عن كم صحافي جزائري يعمل في موقع متميز وسط إخوانه في المغرب، وكم فنان أو مطرب أو ممثل أو كوميدي ينشط في مهرجانات المغرب وفي قنواته الرسمية. هي دروس اعتاد المغرب أن يقدمها لجارته التي فضلت أن تبقى خارج الحدود وهي تعلم جيدا أن حكمة المغرب لا تعني السماح للغير بمس مشاعر شعبه وكرامتهم والكذب عن رموزهم والإساءة إليهم.