وكعادته أصدر المركز المغربي للدراسات والأبحاث، الذي يترأسه مصطفى الخلفي وزير الاتصال والقيادي في العدالة والتنمية والتوحيد والإصلاح، تقريره السنوي حول الحالة الدينية، مليئا بالمزاعم والادعاءات، أول تلك المزاعم أنه تقرير موضوعي يهدف إلى رصد الحالة الدينية بالمغرب شعبيا ورسميا، لكن المفاجأة كانت كبيرة لما نعرف أن الموضوعية تعني الانحياز التام لمواقف حركة التوحيد والإصلاح وتوجهاتها. وعاد التقرير لتكرار أسطوانته القديمة حول خطر التشيع والتنصير بالمغرب، وهو نفس الشيء الذي ورد في بيان التنظيم الإفريقي للإخوان المسلمين المنعقد بالرباط تحت مسمى منتدى الوسطية لغرب إفريقيا، وهو منتدى يجمع بين الفكرة الإخوانية والانتماء للوهابية السياسية، وجاء منسجما مع فتاوى يوسف القرضاوي، شيخ ومفتي الجزيرة، من حرب ضد الشيعة حتى طالب بالدعاء عليهم بموسم الحج، وهو شبيه بالتقرير الذي أنجزه أحد المراكز المرتبطة بالاتحاد العالمي للعلماء المسلمين حول التشيع في إفريقيا، ونفس الكلام قاله وزير التعليم العالي لحسن الداودي، الذي تحدث بدون حياء عن آلاف الحوزات في إفريقيا، وفي موطن التشيع لا توجد إلا بضع حوزات ناسيا أنه كان عليه أن يتحدث عن بلده المغرب لأنه ليس معنيا بهذا الصراع في دول أخرى لأن في ذلك إهانة لها. المهم من كل ذلك أن هناك توجها عاما للتهويل من الخطر الشيعي والتنصيري لكن دون تقديم أرقام حقيقية حول حجم ومؤثرات هذا الخطر. لكن لماذا؟ الأساس من هذا التقرير هو إحداث الضجيج والتهويل حتى يتم مرور قوافل التغلغل الوهابي ولا ينتبه إليها أحد. والتغلغل الوهابي اعتمد طرقا سرّية وحيلا مختلفة للنفوذ في عمق الخطاب والمؤسسات والجمعيات والبيوت، حتى بات هو التّغلغل الوحيد الذي يسكن بيننا دون أن نعرف إلى أي حدّ بلغ في نسيجنا الاجتماعي ومؤسساتنا الدعوية والتربوية. ولقد كانت النتيجة هي التّمكين للثقافة الوهابية وقناعاتها واستطاعت أن تكتسح حتى التيارات العلمانية، إذ بتنا نجد في البيت العلماني والبيت اليساري من يتحدّث اللغة الوهابية ويتقاطع معها. فلقد اهتدت الوهابية بما أنها حركة سياسية أيضا في جوهرها، شارك في تأسيسها الجاسوس البريطاني مستر هامفر، إلى تجاوز الإطار الدّيني والمضيّ في احتواء التيارات الأخرى ضمن مؤسسات لا تشترط على أصحابها سوى الولاء. فالمال الوهّابي اخترق الحانات وتقرّب من الفنانين والفنّانات ومن السياسيين والسياسيات. فالوهابية اليوم لا توجد في المساجد فحسب، بل توجد في النوادي الليلية وأقبية الأحزاب السياسية والصالونات الثقافية، تخترق كلّ المجالات بالصفقات والتّدليس والخداع؛ لأنّها هكذا نشأت ولهذا الغرض نشأت. كان على تقرير الحالة الدينية أن يتحدث عن التوحيد والإصلاح باعتبارها حركة دعوية وعن حضور الصويان، أحد رموز الوهابية، للقاء خاص بالحركة تم فيه انتخاب المكتب التنفيذي، ويتحدث عن تنظيم الخلفي لندوة رعتها مجلة البيان الصادرة بلندن وهي مجلة وهابية صاحبها يقوم بأعمال كثيرة من أجل نشر الوهابية في إفريقيا وبعض الدول الأخرى. ولم ينقل التقرير أي فكرة عن تسرب المال الوهابي وهذه المرة بالعلالي إلى جمعيات دعوية بالمغرب تنشر الفكر الوهابي. هكذا جاء تقرير المركز الذي يدعي الاستقلالية ليبرر مواقف التوحيد والإصلاح بمنطق "شكون شكرك آ لعروسة"، تحدث عن أخطار دينية محدقة بالمغرب كي يغطي على الخطر الحقيقي ألا وهو وباء الوهابية.