قد يكون الوزير مصطفى الخلفي اليوم مصدوما مما حدث بتونس، حيث تم اغتيال شكري بلعيد، المناضل التقدمي، ولم يكتفي القتلة بسفك دمه على الأرض بل أفتوا بعدم جواز صلاة الجنازة عليه لأنه شيوعي، وحرموا دفنه بمقابر المسلمين. وكانت قطرة دمه هي نهاية أسطورة ربيع الأعراب، ربيع القتل وخريف جني الشوك. لقد انتفض التونسيون مطالبين بحل المجلس التأسيسي الذي أوصل حركة النهضة إلى الحكم. الخلفي سيكون مصدوما لأنه مغرم بالنموذج التونسي في الماضي والحاضر، وقد كان الخلفي من المطالبين بالمجلس التأسيسي في المغرب، ناسيا أن هذا النوع من المجالس لم يعرفها العالم إلا بضع مرات لأنها تؤسس لأنظمة جديدة وليس إصلاحها. طبعا الخلفي إصلاحي في الظاهر لكن في عقله ووجدانه تعشش أفكار الخلافة والحاكمية التي تربى عليها يوم جاء يافعا للجماعة الإسلامية. فلا المجلس التأسيسي نجح ولا النهضة أعطت النموذج الجيد. فهل سيكتب على الخلفي ومن معه، صعودا ونزولا، تقليد النماذج الفاشلة؟ فالمجلس التأسيسي الذي أغرم به الخلفي أكد فشله لأنه مبني على الباطل، مبني على سرقة ثورة بأكملها، فالنهضة لم تنخرط في البداية في الحراك التونسي وانتظرت حتى وصلت إلى أوجها، وبعد التأكد عن طريق الغنوشي المرتبط بأجهزة مشرقية أن بنعلي راحل لا محالة، قررت ركوب الثورة، وأظهرت أوراقها وعادت للحديث عن المظلومية، بالفعل الحركة ظلمت في عهد بنعلي، لأنها كانت تنازعه السلطة وليس لأنها كانت حركة ديمقراطية تدافع عن حق الشعب كما هو حال العديد من الأحزاب التي ناضلت تحت القمع من خلال التنظيمات المدنية، النقابية والحقوقية والثقافية. وكانت حركة النهضة منذ كانت اسمها الاتجاه الإسلامي نموذجا لأولاد التوحيد والإصلاح، وظلوا يقتفون أثرها ويحذون حذوها ويقرؤون منشوراتها كما يقرؤون القرآن والحديث، وجعلوا منها محفوظات لدر الرماد في العيون والتخلص من تبعات تفكير الخلافة والحاكمية التي تشبعوا بها حتى النخاع. فالنهضة نموذج الخلفي في الحركة الإسلامية أكدت أنها تجربة فاشلة في إدارة الحكم وأنها ليست حركة ديمقراطية. وتعتمد النهضة لعبة الوجه والقناع، فالجبالي، القيادي في النهضة ورئيس الحكومة، دعا إلى حكومة تقنوقراط بينما رفضتها كتلته في المجلس التأسيسي. وهذه أيضا يُقَلِّد فيها أولاد العدالة والتنمية حزب النهضة ربما الفارق بينهما أن الغنوشي حول الحركة الدعوية إلى تنظيم سري ومليشيات والتوحيد والإصلاح بقيت في مكانها ودفعت ابنها العدالة والتنمية ليناطح رجال السياسة. إذن النموذج التونسي نموذج فاشل بكل المعايير والمقاييس وتقليده رهان على جثة متعفنة قد تصيب بالأوبئة والطاعون. العدالة والتنمية أمام خيارين لا ثالث لهما : القطع النهائي مع التجربة الإخوانية والوهابية والتحول إلى حزب سياسي أو إحلال الدمار والفتنة بالبلد.