لم يتمكن عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، لحد الآن من التمييز بين ما له وما عليه واختلطت لديه الأوراق والأرقام. وهذا الخلط والالتباس هو الذي جعله لا يميز بين الإعلام العمومي والإعلام الحكومي. وظن بنكيران أن الإعلام العمومي هو إعلام حكومي وفي غفلة من الزمن أراد أن يستحوذ عليه ناسيا أنه سوف يخرج من الحكومة في وقت من الأوقات حسب ما تحدده صناديق الاقتراع وتغيرات المشهد السياسي وتوازناته. هل يصح في بلد ديمقراطي أن يقول رئيس الحكومة إنه أنب وقرع مسؤولا في مؤسسة عمومية يحرص الجميع على بقائها مستقلة؟ هل كان بنكيران في كامل وعيه عندما اعترف بأنه يتدخل في شؤون ومهام فيصل لعرايشي؟ ألم يعد لدى رئيس الحكومة ما يفعله غير التدخل في نشرة إخبارية قد يكون أصحابها أخطأوا أثناء التركيب وأظهروا صورة لوزراء يضحكون؟ لقد قال بنكيران في لقاء تواصلي مع إخوانه في الحزب "واحد النهار تقلقت وعيطت على السي العرايشي وقلتلو إيلا غادي تبقاو ديرو هاكدا ما تبقاوش تجيو عندي، يلا ماراضيينش بيا رئيس حكومة ديالكوم ما تجيوش، أنا ما نحتاجش التغطية ديالكوم". حتى لو كان هذا الكلام صحيحا، وكثير من الكلام اليوم هو من أجل ذر الرماد في العيون والتغطية على الفشل، فهل كان ضروريا أن يقال في لقاء من هذا النوع؟ وهل بهذه الطريقة يتحدث رئيس الحكومة؟ هذا أسلوب ساقط في الحديث عن مؤسسات عمومية، فهي مؤسسات لها ضوابط ولو رأى رئيس الحكومة أنها تخرج عليها فعليه ردها إلى الصواب عن طريق المؤسسة التي لها حكم فيصل في هذا الشأن ويتعلق الأمر بالهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، التي يريدها بنكيران فقط هيئة للتصديق على ما يخرج به من قرارات تهم الشأن الإعلامي. إن ما قاله بنكيران في حق لعرايشي يحيل مباشرة على أيام زمان يوم كان البصري يتدخل في الصغيرة والكبيرة في التلفزة والإذاعة. وبالمناسبة فالقطب العمومي ليس جنة عدن مكتمل الأوصاف ولكن الاختلالات، إن وجدت، لها طرائق وأساليب في التقويم وليس التشهير بالناس على طريقة "جبدت ليه وذنيه". وكان على بنكيران أن "يكمل خيره" ويتحدث عن طريقة التأنيب التي تعامل بها مع هذا "الموظف" وما قال له من كلام. ويتحدث عمن منحه هذا الحق؟ وعن دور الهاكا وهل يرغب في تحويلها إلى إطار شكلي؟ فالهاكا هي سلطة دستورية تحمي المجتمع والمشاهد أساسا من سطوة حزب سياسي أو لوبي معين باعتبار أن الإعلام هو ملك للجميع ويمول من الضرائب المستخلصة من جيوب المواطنين حتى أولئك الذين يعارضون العدالة والتنمية. وكان على بنكيران أن يحمي موقع المعارضة قبل أن يتحدث عن نفسه كرئيس للحكومة، المعارضة التي منحها الدستور دورا رئيسيا ومهما في الحياة السياسية. إن ما قام به بنكيران يعتبر سابقة خطيرة في تاريخ الإعلام المغربي الذي دخل بدوره في دورة الديمقراطية والاستقلالية، فالإعلام هو إعلام عمومي وليس إعلاما حكوميا، يرضي كافة الأذواق وليس ذوق رئيس الحكومة وحده.